الفهرس

المؤلفات

 العقائد الإسلامية

الصفحة الرئيسية

 

الشيعة وحُب أمير المؤمنين (عليه السلام)

إنّ المنقّب في التاريخ تنكشف له حقيقة ناصعة لا يمكن إخفاؤها، وهي: أنّ التاريخ يذكر العظماء في صفحة من نور، ويسجّل لهم فيها الإجلال والإكبار كلاً على قدر عظمته. ومهما حاول شخص أن يتلاعب في التاريخ ويشوّه الحقائق ويحرّفها، فإنّ مصيره الفشل عاجلاً أم آجلاً؛ لأنّ الزيف والتحريف يظهر من تضارب أقوال المزيفين وتناقضها.

ألا ترى إلى معاوية بن أبي سفيان، الذي حاول أن يشوه الحقائق ويغسل أدمغة الناس، مما يعلمونه ويروونه في أمير المؤمنين (عليه السلام) من فضائل ومناقب كيف باءت بالفشل؟ حتى أنه جعل معاوية سبّ الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) سُنَّة أموية يشيب عليها الصغير ويهرم فيها الكبير، واستمرت محاولاته سنوات طويلة، وجنّد لهذه الفكرة الآلاف من عبيد الدنيا، وصرف أموالاً طائلة في سبيل ذلك، ولكن أين فكرته هذه الآن؟[1].

لقد بقى الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ورغم أنوف أعدائه علماً من أعلام الدين وركناً من أركان الهدى والتقى، ليس عند شيعته فقط بل وحتى عند الآخرين، انه (عليه السلام) بقي على ما عرّفه الله ورسوله مفخرة للإسلام والإنسانية على مرّ العصور وكرّ الدهور.

أما إذا قرأنا في التاريخ عن معاوية فماذا نلاحظ؟ سوف نجد أنّ التاريخ دوّن عنه مواقف مخزية ضدّ الإسلام والإنسانية، وحتى محبوه يدركون ذلك في قرارة أنفسهم، ويعلمون بسيرته، ويظهرون موالاتهم له بسبب الطائفية والتعصب وربما كان ذلك جهلاً منهم.

أمّا شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) وموالوه، فإنهم لا ينسون إمامهم في الليل والنهار، وهم كلما ذكروه افتخروا بمواقفه الإنسانية المشرفة، والتي مدحه القرآن الكريم بها.

إن الشيعة يحبون جميع أولياء الله ويقدرون مواقفهم، إلا أن حبّهم لأمير المؤمنين (عليه السلام) وولاءهم له يأتي بعد حبهم وولاءهم لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، وذلك لأن حب أمير المؤمنين (عليه السلام) وولاءه هو نصر لكل الأمم وفخر لهم، والأفراد الذين يريدون أن يحصلوا على أعلى درجات الكمال الإنساني عليهم أن يتبعوه (عليه السلام) ويسيروا على نهجه؛ إذ في متابعته (عليه السلام) متابعة الحق، وفي هذا نذكر ما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «علي مع الحق والحق مع علي، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض يوم القيامة»[2].

وقال (صلى الله عليه وآله): «يا علي، من أطاعك فقد أطاعني، ومن أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاك فقد عصاني ومن عصاني فقد عصى الله»[3].

[1] انظر نهج الحق: ص310 سب معاوية علياً (عليه السلام). وروى ابن أبي الحديد في شرح النهج: «أعطى معاوية سمرة بن جندب من بيت المال أربعمائة ألف درهم على أن يخطب في أهل الشام بأن قوله تعالى: ((وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ، وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ)) (سورة البقرة: 204) إنها نزلت في علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وأن قوله تعالى: ((وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاةِ اللهِ)) (سورة البقرة: 207) نزلت في ابن ملجم أشقى مراد. أنظر شرح نهج البلاغة: ج4 ص73 فصل في ذكر الأحاديث الموضوعة في ذم علي (عليه السلام)، وأنظر الغدير: ج11 ص30.

وانظر أيضاً: ج2 ص101، وفيه قال الأميني: فهو ـ معاوية ـ مبتدع هذه الخزايات العايدة عليه وعلى لفيفه في عهد ملوكيته المظلم، وعلى هذا كان دينه وديدنه، ثم تمرنت رواة السوء من بعده على رواية الموضوعات وشاعت وكثرت إلى أن ألقت العلماء وحفظة الحديث في جهود متعبة بالتأليف في تمييز الموضوع من غيره، والخبيث من الطيب. لم يزل معاوية دائبا على ذلك متهالكا فيه حتى كبر عليه الصغير، وشاخ الكهل وهرم الكبير، فتداخل بغض أهل البيت (عليهم السلام) في قلوب ران عليها ذلك التمويه، فتسنى له لعن أمير المؤمنين (عليه السلام) وسبه في أعقاب الصلوات في الجمعة والجماعات وعلى صهوات المنابر في شرق الأرض وغربها، حتى في مهبط وحي الله (المدينة المنورة)، قال الحموي في معجم البلدان: ج5 ص 38: لعن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) على منابر الشرق والغرب، ولم يلعن على منبر سجستان إلا مرة وامتنعوا على بني أمية حتى زادوا في عهدهم: وأن لا يلعن على منبرهم أحد. وأي شرف أعظم من امتناعهم من لعن أخي رسول الله (صلى الله عليه وآله) على منبرهم وهو يلعن على منابر الحرمين مكة والمدينة.

ـ وقال الأميني (رحمه الله) ـ:

لما مات الحسن بن علي (عليهما السلام) حج معاوية فدخل المدينة وأراد أن يلعن عليا على منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقيل له: إن ههنا سعد بن أبي وقاص ولا نراه يرضى بهذا فابعث إليه وخذ رأيه، فأرسل إليه وذكر له ذلك فقال: إن فعلت لأخرجن من المسجد ثم لا أعود إليه. فأمسك معاوية عن لعنه حتى مات سعد، فلما مات لعنه على المنبر وكتب إلى عماله: أن يلعنوه على المنابر. ففعلوا فكتبت أم سلمة زوج النبي (صلى الله عليه وآله) إلى معاوية: إنكم تلعنون الله ورسوله على منابركم؛ وذلك إنكم تلعنون علي بن أبي طالب ومن أحبه وأنا أشهد أن الله أحبه ورسوله، فلم يلتفت إلى كلامها.

وقال ابن أبي الحديد: قال الجاحظ: إن معاوية كان يقول في آخر خطبة الجمعة: اللهم إن أبا تراب ألحد في دينك، وصد عن سبيك، فالعنه لعنا وبيلا، وعذبه عذابا أليما. وكتب بذلك إلى الآفاق فكانت هذه الكلمات يشاد بها على المنابر إلى أيام عمر بن عبد العزيز، أنظر: ج4 ص57 وإن قوما من بني أمية قالوا لمعاوية: يا أمير المؤمنين؟ إنك قد بلغت ما أملت فلو كففت عن هذا الرجل. فقال: لا والله حتى يربو عليه الصغير ويهرم عليه الكبير، ولا يذكر له ذاكر فضلا. ذكره ابن أبي الحديد في شرحه: ج4 ص57.

قال الزمخشري في ربيع الأبرار على ما يعلق بالخاطر، والحافظ السيوطي: إنه كان في أيام بني أمية أكثر من سبعين ألف منبر يلعن عليها علي بن أبي طالب بما سنه لهم معاوية من ذلك. وفي ذلك يقول العلامة الشيخ أحمد الحفظي الشافعي في أرجوزته:

وقد حكى الشيخ السيوطي إنه***قد كان فيما جعلوه سنه

سبعون ألف منبر وعشره***من فوقهن يلعنون حيدره

وهذه في جنبها العظائم***تصغر بل توجه اللوائم

فهل ترى من سنها يعادى؟ ***أم لا وهل يستر أو يهادى؟

أو عالم يقول: عنه نسكت***أجب فإني للجواب منصت

وليت شعري هل يقال: اجتهدا***كقولهم في بغيه أم ألحدا

أليس ذا يؤذيه أم لا؟ فاسمعن***إن الذي يؤذيه من ومن ومن

بل جاء في حديث أم سلمة***هل فيكم الله يسب مه لمه؟

عاون أخا العرفان بالجواب***وعاد من عادى أبا تراب

أنظر الغدير: ج5 ص102.

وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يخبر بذلك كله ويقول: «أما إنه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم، مندحق البطن يأكل ما يجد، ويطلب ما لا يجد، فاقتلوه ولن تقتلوه، ألا وإنه سيأمركم بسبي والبراءة مني... ». أنظر وسائل الشيعة: ج16 ص229 ب29 ح21431.

وقال الأميني (رحمه الله) أيضاً: ونحن لو بسطنا القول في المقام لخرج الكتاب عن وضعه إذ صحايف تاريخ معاوية السوداء ومن لف لفه من بني أمية إنما تعد بالآلاف لا بالعشرات والمئات أنظر: ج2 ص103.

وقال الشيخ الأميني في ج2 ص 298:

ومن نماذج شعر الشاعر ابو محمد سفيان بن مصعب العبدي الكوفي قال:

وقد روى عكرمة في خبر***ما شك فيه أحد ولا امترى

مر ابن عباس على قوم وقد***سبوا عليا فاستراع وبكا

وقال مغتاظا لهم: أيكم***سب إله الخلق جل وعلا؟!

قالوا: معاذ الله قال: أيكم***سب رسول الله ظلما واجترا؟!

قالوا: معاذ الله قال: أيكم***سب عليا خير من وطئ الحصا؟!

قالوا: نعم قد كان ذا فقال: قد***سمعت والله النبي المجتبا

يقول: من سب عليا سبني***وسبني سب الإله واكتفا

محمد وصنوه وابنته***وابنيه خير من تحفى واحتذا

صلى عليهم ربنا باري الورى***ومنشئ الخلق على وجه الثرى

صفاهم الله تعالى وارتضى***واختارهم من الأنام واجتبى

لولاهم الله ما رفع السما***ولا دحى الأرض ولا أنشا الورى

لا يقبل الله لعبد عملا***حتى يواليهم بإخلاص الولا

ولا يتم لامرء صلاته***إلا بذكراهم ولا يزكوا الدعا

لو لم يكونوا خير من وطئ الحصا***ما قال جبريل بهم تحت العبا

هل أنا منكم؟! شرفا ثم علا***يفاخر الأملاك إذ قالوا: بلى

لو أن عبدا لقي الله بأعمال***جميع الخلق برا وتقى

ولم يكن والى عليا حبطت***أعماله وكب في نار لظى

وإن جبريل الأمين قال لي***عن ملكيه الكاتبين مذ دنا

إنهما ما كتبوا قط على***الطهر علي زلة ولا خنا

[2] بحار الأنوار: ج38 ص29 ب57 ح1 ولمعرفة المزيد عن تاريخ أمير المؤمنين (عليه السلام) راجع بحار الأنوار لأجزاء: 35،36،37، 3،39،40،41،42.

[3] بحار الأنوار: ج38 ص29 ب57 ح2.