نص الحديث

الفهرس

المؤلفات

  الحديث الشريف

الصفحة الرئيسية

 

(فقال: يا أماه إني أشم عندك رائحة طيبة)(18)

استحباب السؤال والتحقيق.[1]

مسألة: يستحب السؤال والاستعلام عن المجهول[2] ومنه السؤال عن أهل الدار عما يستجد فيه، كما سأل الحسن ثم الحسين ثم علي (عليهم الصلاة والسلام) بقولهم: (إني أشم عندك رائحة طيبة).

ثم لا يخفى إن السؤال ينقسم إلى الأحكام الخمسة، فقد يكونه واجبا كما في السؤال عن الأمور الدينية الواجبة، قال تعالى: ((فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ))[3].

وقد يكون مستحباً كالسؤال عن الأمور الدينية أو الدنيوية المستحبة ذاتاً، أو الراجح الإطلاع عليها. وقد يكون مكروهاً كما إذا كان مزعجاً في الجملة، أو مستلزماً للوقوع في المكروه.

وقد يكون حراماً، قال سبحانه: ((يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ))[4].

وقد يكون مباحاً: كغير موارد الأحكام الأخرى.[5]

لكن لا يخفى إن السؤال المحرّم ـ كالسؤال الواجب ـ ليس محرماً بذاته وإنما يحرم لعارض، مثل: إن يكون موجباً لهدر حق أو مستلزماً ضرراً بالغاً للسائل، أو ما أشبه ذلك، وإن قال بعض بالواجب النفسي في بعض الموارد. أما الآية المباركة، فهل هي محمولة على الحرمة أو الكراهة؟ احتمالان، وإن كان الظاهر من أخيرها أنها على نحو الإرشاد والكراهة.

أما ما ورد من أن السؤال ذل، فالمراد ـ على تقدير كون المعنى المراد هو السؤال بمعنى الاستعلام، الإشارة إلى حقيقة تكوينه، وهي دونيّة مرتبة السائل من حيث هو سائل من المسؤول منه بما هو كذلك، إضافة إلى أن كونه ذلاً لا يستلزم كراهته مطلقاً، بل يدخل الأمر في باب التزاحم، ولذا ورد في الحديث: (ماضلّ من استرشد)، وورد: (ولا يستحيَنَّ أحد إذا لم يعلم الشيء أن يتعلمه) ولذا قالوا: (اسأل عن أمور دينك حتى يقال: إنك مجنون) بمعنى كثرة السؤال.

استعمال الطيب

مسألة: يستحب استعمال الطيب خصوصاً المتزايد منه، كما كانوا يجدونه فيه (صلى الله عليه وآله) وكما دل عليه حديث الكساء، حيث كان النبي (صلى الله عليه وآله) يكثر من الطيب، بالإضافة إلى ما كان له من الحسن والطيب الذاتي، ولعل استعماله الطيب مع عدم حاجته إليه بدنياً، كان بغية أن يتساقط منه في الطريق، كما في الأحاديث، وأن يكون أُسوة فلا يقولون إنه طيب ذاتاً، فمالي وله؟

وقد ورد في الحديث أنه (صلى الله عليه وآله) أمر بأن يشتري بثلثي مهر الزهراء (سلام الله عليها) الطيب. وفائدة الطيب لا تنحصر في الرائحة الحسنة فقط، بل له فوائد أخرى منها: إنه منشط للأعصاب، وموجب لعدم نفرة بعض عن بعض، بل موجب للتقارب أكثر فأكثر، فإن الإنسان ينفر من الروائح الخبيثة، بينما ينتعش ويستأنس بالروائح الطيبة.

إذ الإنسان مفطور على حب النظافة، و (النظافة من الإيمان) في كل شيء، في الدار والأثاث والبدن والدكان واللباس وغير ذلك.

وللطيب بحوث كثيرة مذكورة في كتب الحديث والطب وغيرهما. أما استعمال الروائح المنفرة وما يستلزمها كالتدخين، فهو من أسوأ الأشياء، حيث يستلزم القذارة والوساخة في الإنسان وغيره، كما يستلزم تنفير الناس خصوصا ً الزوجة من الزوج المدخن وبالعكس، وكذلك يستلزم الأمراض كالسرطان والرئوي وغيرهما.

ثم إن الروائح الكريهة مكروهة إستعمالاً، إلاّ إذا سببت ايذاءً للناس، فإنها عندئذ محرمة. ولا يخفى إن الجوارح لها أحكام، فللأذن أحكام، وللعين أحكام، وللسان والذوق أحكام، وللمس أحكام، وأما الأنف فلم نجد له حكما إلاّ في الحج، حيث يحرم إمساك الأنف عن الروائح الكريهة. ومن المحتمل أن يكون من المكروه أيضاً استشمام رائحة المرأة الأجنبية، ولذا قالت (سلام الله عليها) ـ في قصة ابن أم مكتوم ـ: (وأشم ريحه)، حيث إن الكراهة في الجانبين أي: شم الرجل رائحة المرأة، وشم المرأة رائحة الرجل. أما إذا كان موضع ريبه وإفتتان، فلا يبعد الحرمة.

كما أن استعمال المرأة التي تخرج من البيت للطيب، بحيث يشم ريحها الأجانب مكروه جداً، وقد قال بعضهم بالحرمة ولم يكن موضع ريبة وتلذذ وخوف افتتان. ولا يبعد استحباب شم الأطفال رحمة ورأفة بهم كما ورد بالنسبة الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث كان يشم علياً (عليه السلام) في طفولته، وهناك بعض الروايات الأخرى بالنسبة الى استشمامه للحسنين (عليهما الصلاة والسلام) وكذلك فاطمة (صلوات الله عليها) وأحكام الطيب في الحج واضحة.

[1] راجع (الفقه: العقل).

[2] إذ السؤال طريق المعرفة، كما أن التفكير والتدبير طريق لها...

[3] النحل: 43.

[4] المائدة: 101.

[5] ربما يكون المقصود: السؤال عن ما لا يضر جهله ولا ينفع علمه بوجه.