نص الحديث

الفهرس

المؤلفات

  الحديث الشريف

الصفحة الرئيسية

 

(ومحب لمن أحبهم) (56)

محبة أهل البيت (عليهم السلام)

مسألة: تجب محبة أهل البيت (عليهم السلام)[1] تحصيلاً لحب النبي (صلى الله عليه وآله) لقوله (صلى الله عليه وآله): (ومحب لمن أحبهم).

كما يلزم حبهم (عليهم السلام) أيضاً لذواتهم، فإحدى المحبتين طريقية والأخرى موضوعية ذاتية، ويوضح ذلك ما قالله الرسول (صلى الله عليه وآله) بالنسبة إلى عقيل: (إني أُحبه حبين: حباً له وحباً لحب أبي طالب له)[2].

ثم لا يخفى إنه لا يصح الاكتفاء بمحبتهم (عليهم السلام) عن الإمتثال لأوامرهم، والتي هي أوامر الله سبحانه وتعالى، فإن المحب الحقيقي هو الذي يتوخى رضى المحبوب ويلتزم بمنهجه ويطيع سيده في كل أعماله، ولذلك ورد:

(تعصي الإله وأنت تظهر حبه***إن المحب لمن أحب مطيع)

ولا ينفع حبهم (عليهم السلام) بدون الإطاعة والعمل إلاّ نفعاً في الجملة، كما ذكر في الروايات، ففي الحديث: (إن وليّ محمد (صلى الله عليه وآله) من أطاع الله وإن بعدت لحمته وإن عدو محمد (صلى الله عليه وآله) من عصى الله وإن قربت قرابته)[3] و (أشد الذنوب ما استهان به صاحبه)[4].

وفي ذلك بحث مفصّل في علم الكلام، فإن الإيمان مركزه الجوارح واللسان والقلب، ويجب أن يتجلى عليها كلها ـ حسب المقرر في الشريعة ـ وهكذا أمثال الحب.

المحبة ودورها في التكوين والتشريع

مسألة: يستحب، وقد يجب، تكوين وإنما المحبة السليمة المشروعة، فإن المحبة هي المحرك الأكبر نحو الفضائل، فمحبة الله سبحانه هي التي تبعث على إطاعة أوامره ((وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ))[5]، وكذلك محبة الرسول (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) وكذا الصالحين، ومحبة الدخول في الجنة، ومحبة الذكر الحسن ((وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ))[6] وهكذا.

ولذلك ورد في الحديث الشريف: (الدين الحب) و (هل الدين إلاّ الحب)؟[7] وغير ذلك.

إضافة إلى أن الحب تدور عليه رحى الحياة، فالأم والأب يعتنيان بالأولاد وتربيتهم نتيجة للمحبة، وكذلك اكتساب التاجر معلول لمحبته لنفسه وأُسرته، وكذلك الزراع يزرع، والطالب يكتسب العلم، إلى غير ذلك، كله للحب، حتى إذا فقد الحب من العالم انهدم العالم.

فاللازم أن يكوّن الإنسان الحب وينمّيه، حتى يكوّن في خط الكون ـ الذي خلق بالحب وللحب ـ وحتى يكون في خط الدين.

لكن ما معنى إن الكون خلق للحب وبالحب؟ وأن به قوامه؟

يتضح ذلك بمثال: فكما أن النور والجاذبية ونحوهما قوام الكون، فإذا فقدا انهدم الكون، قال سبحانه: ((إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ))[8] كذلك ـ بل وفي رتبة سابقة ـ المحبة، فإنها هي الباعث لإيجاد هذا الكون، وأعني: محبة الله سبحانه لإظهار ذلك الكنز الخفي (كنت كنزاً مخفياً فأحببتُ أن أُعرف فخلقت الخلق لكي أُعرف)[9] ومحبته جل وعلا لهؤلاء الخمسة (صلوات الله عليهم أجمعين) كما سيأتي قريباً في قوله تعالى: (إني ما خلقت سماءً مبنية و... إلاّ في محبة هؤلاء الخمسة...): ويدل عليه كثير من الروايات الأُخرى.

وحب الله تعالى معناه ما ذكروه من (خذ الغايات واترك المبادئ) كسائر ما ينسب إليه من الصفات من أمثال الغضب والسمع والبصر وشبه ذلك، فالكون كمائدة يهيئها المضيّف للضيف، من جهة حب المضيف للضيف.

ولماذا هذا الحب من الله تعالى؟

لأنهم (عليهم السلام) أكمل خلق الله سبحانه، ولأن المخلوق محبوب للخالق، ولأنهم أكثر خلق الله له طاعة وحباً[10].

وقد اتضح بذلك إن الكون يدور على رحى المحبة، كما اتضح في صدر هذا البحث أن الدين أيضاً كذلك[11].

ونضيف أن كون (الدين الحب): باعتبار أن محبة الله وأوليائه[12] هي النواة المركزية للدين، حيث إن العلّة الغائية للدين هي ذلك، وحيث شرعت الأحكام كلها حول هذه النواة، قال سبحانه: ((وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ))[13] وقال تعالى: ((إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى))[14] وهي العلّة الأساسية للتمسك بالدين، ومن أراد المزيد فعليه بالمفصلات.

[1] الأدلة على ذلك أكثر من أن تحصى، فليراجع: إحقاق الحق والغدير والعوالم وكفاية الموحدين وغير ذلك.

[2] بحار الأنوار: 22/288 ب 5 ح 58.

[3] تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: 24 ط قم.

[4] وسائل الشيعة: 11/246 ب43 ح6.

[5] البقرة: 165.

[6] الشعراء: 84.

[7] مستدرك الوسائل: 12/219 ب14 ح5.

[8] فاطر: 41.

[9] بحار الأنوار: 87/199/ب12 ح6 (بيان).

[10] سيأتي بعض الكلام حول ذلك في مبحث (الغاية من الخلقة).

[11] حيث ذكر (إن المحبة هي المحرك الأكبر نحو الفضائل).

[12] الإضافة لها معنيان ههنا، وكلاهما مفيد ومراد ولو بنحو الجامع، فـ(محبة الله) أي محبة الإنسان ـ مثلاً ـ لله تعالى و(محبة الله) أي محبة الله للإنسان، إذ الإضافة تكون تارة للفاعل وأخرى للمفعول، فمحبة الله للإنسان سبب لتشريعه الأحكام التي توجب سعادته في الدنيا والآخرة، ومحبة الإنسان لله لالتزامه بدساتيره جلّ وعلا، وهناك معنى ثالث: محبة الإنسان ليكون محبوباً لله، فليتأملّ.

[13] البقرة: 165.

[14] الشورى: 23.