نص الحديث

الفهرس

المؤلفات

  الحديث الشريف

الصفحة الرئيسية

 

((إنَّما يُريدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرجِّسَ أهْلَ الْبَيْتِ وَيُهِّركُمْ تَطْهيراً))[1] (97)

عصمة المعصومين (عليهم السلام)

مسألة: يجب الاعتقاد بـ: عصمة الرسول (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته وقد سبقت الإشارة إليه.

إشارة لآية التطهير

ولعل الإتيان بلفظ (إنّما) لإفادة أن إرادة الله سبحانه وتعالى، منحصرة في ذلك، فلا يمكن أن يحيد عنه، كما أن لفظ (يريد) يدل على أنه فعل مع الإرادة، لإمكان انفكاك الإرادة عن الفعل، أو الفعل عن الإرادة في الممكن[2] دون الواجب تعالى، إذ إرادته التكوينية تلازم فعله وهي العلّة التامة لتحقّق المراد، فـ (إرادته فعله).

و (يريد) أولى من يذهب كما لا يخفى، و (يذهب) يراد به: الإذهاب حدوثاً وبقاءً ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، للقرائن الكثيرة الحالية والمقالية، ومنها أنه كان المجيء بالمضارع في (يريد) و (ليذهب) لإفادة الاستمرارية، حيث ذكروا أن الفعل المضارع يدل على الاستمرار، أما الماضي فإنه يدل على الحدوث فقط دون دلالة على البقاء، فلو قال: طهّر نفسه، دل على حدث في الماضي فقط، ولذلك عدل سبحانه عن (أذهب) إلى (ليُذهب)، فبهذا وبغيره تكون هذه الجملة دليلاً على ارتفاع الرجس بأبلغ لفظ، ولو قال: أنتم طاهرون مطهرون، وما أشبه ذلك، لم تكن في الجملة تلك الفائدة البلاغية الرفيعة، والتفصيل في كتب الكلام والتفاسير[3].

ولعل ذكر الآية في أثناء الآيات المرتبطة بنساء النبي (صلى الله عليه وآله) كان لإخفائها، حتى لا تمدّ إليها يد التحريف من المخالفين. و ((إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ))[4] لا يدل ولا يقتضي أن يكون كله غيبياً، بل بالأسباب أيضاً.

لا يقال: إذا كان معنى (الإذهاب) التطهير، فما معنى ((وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً))[5]؟

لأنه يقال: واسطة بين الأمرين، وليسا من الضدين اللذين لا ثالث لهما، فإن (الرجس) قبح و (التطهر) جمال، وبينهما ما لا قبح له ولا جمال، وللتقريب نمثل بإذهاب السواد عن شيء حيث لا يلزم كونه أبيض، إذ من الممكن أن يكون لون آخر، وكذلك من يُذهب عن نفسه الجبن، لا يستلزم أن يكون شجاعاً، بل أمكن أن يصبح إنساناً عادياً وكذا الأمر في البخل والكرم، وما إلى ذلك.

وربما كان ((وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ً))[6] للإشارة إلى عليا مراتب الطهارة.

إذهاب الرجس عن النفس

مسألة: يستحب للإنسان أن يسعى لإذهاب الرجس المعنوي والمادي عن النفس، ويكون ذلك واجباً في موارده.

ويستفاد من آية التطهير، بضميمة الملاك في بعض المراتب، والفحوى من وجه، وأدلة التأسّي وغير ذلك، فضل إذهاب الرجس المعنوي عن النفس من الشرك والعقائد الباطلة والملكات الرذيلة، وكذلك الرجس المادي عن البدن وسائر ما يتعلق بالإنسان عبر المطهارت، إلى غير ذلك.

تطهير الباطن والجوهر

مسألة: ينبغي التطهير والتطهر، مادياً ومعنويا، استحباباً ووجوباً، كل في مورده.

وقد ظهر مما تقدم ذلك، ولا شك إن تطهير القلب والباطن أهم من تطهير البدن والظاهر، لأن الباطن هو المحور للإنسان، وهو الجوهر وهو محطة الإيمان والشرك وسائر اصول الدين، فإذا طهّر باطنه من المعتقدات الفاسدة، والملكات الرذيلة، والنوايا السيئة ونحوها، يكون إنساناً كاملاً وإلاّ كان منحرفاً عن منهج الله سبحانه، فإذا كانت عقيدته فاسدة أوجبت له الهلاك في الآخرة، بل وفي الدنيا أيضاً في كثير من الأحيان ((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ))[7]، وإذا كانت ملكاته رذيلة كالحسد والبخل وحب الدنيا وما أشبه ذلك، أورثت له نكالاً ووبالاً في الدنيا والآخرة.

والإنسان ذو النية السيئة تترتب على نيته آثار وضعية، كما سينكشف أمره أيضاً، قال علي (عليه السلام): (ما أضمر أحد شيئاً إلاّ ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه)[8]. فيُفتضح بين الناس، كما أنه مفضوح عند الله سبحانه، وقد قال (صلى الله عليه وآله): (فاسألوا الله ربكم بنيّات صادقة وقلوب طاهرة)[9].

وكما تكون الطهارة عن الرذائل، تكون عن الدنايا أيضاً، مثل الكسل والضجر وحب الدنيا غير المحرم، والشهوات الجائزة ونحو ذلك، فإن كل ذلك يوجب سقوط الانسان أو تأخره ونقصان حظه. وقد قال (صلى الله عليه وآله): (من وقي شر ثلاث فقد وقي الشر كله: لقلقه وقبقبه وذبذبه)[10]. والمراد الأعم من الحرام والمكروه كـ: لغو الكلام ـ من غير أن يكون محرماً والإفراط في الأكل وفي قضايا الجنس، فإن كل ذلك يوجب الانحطاط والإفراط في أمر البطن والفرج يوجب الأمراض كما هو معلوم[11].

فـ: (المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء)[12].

[1] الأحزاب: 33.

[2] التقييد بـ(الممكن) لدفع توهم إمكان الإنفكاك في الواجب، إذ إرادته تعالى علة تامة لحدوث المراد، وفعله بالإرادة كما ثبت بالبرهان.

[3] راجع شرح التجريد وتقريب القرآن إلى الأذهان للإمام المؤلف، والعبقات للسيد مير حامد حسين، والبحار للعلامة المجلسي وإحقاق الحق للتستري ونهج الحق وكشف الصدق للعلامة الحلي.

[4] الحجر:9.

[5] الأحزاب:33.

[6] الأحزاب:33.

[7] الأعراف: 96.

[8] نهج البلاغة: قصار الحكم 26.

[9] وسائل الشيعة: 7/227 ب18 ح20.

[10] مستدرك الوسائل: 9/32 ب103 ح16.

[11] راجع: (الفقه: الواجبات والمحرمات)، (الفقه: الآدب والسنن)، (الفقه: الأطعمة والأشربة) و(الفقه: النكاح).

[12] مستدرك الوسائل: 16/452 ب109 ح10.