نص الحديث

الفهرس

المؤلفات

  الحديث الشريف

الصفحة الرئيسية

 

(وَحَفَّتْ بِهِمُ الَملائِكَةُ) (105)

التمهيد لنزول الملائكة

مسألة: يستحب أن يقوم الإنسان بتمهيد ما يوجب نزول الملائكة وحفها به كالاستقامة ـ كما في الآية الآتيةـ وكما في ذكر هذا الحديث الشريف ونحو ذلك، لأن نزول ملائكة الرحمة وحفهم بالإنسان، يوجب الرحمة والمغفرة والشخصية الإلهية، كما هو معلوم لها أيضاً، فهو معلول لمراتب من الرحمة وعلّة لمراتب أُخرى.

ويؤيده قوله سبحانه ((إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ))[1] حيث يفهم منه أن تنزل الملائكة أمر مطلوب مرغوب شرعاً.

وقال سبحانه: ((إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا))[2] فإن الملائكة بما أنها مخلوقات خيّرة ولله طيِّعة، وهي وسائط نعم الله سبحانه في الجملة، فإنها تفيض الخير في غير ملائكة العذاب.

كما أن الشياطين على العكس، فبما أنها شريرة فإنها تترشّح بالشر، ولذا قال سبحانه ((عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ * تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ))[3] فإن الجنس مائل إلى جنسه، كما قال الشاعر:

(انّ الطيور على أشكالها تقع).

ويؤيد ما ذكرناه من الاستحباب، ما ورد من قول جبرئيل (عليه السلام) لرسول الله (صلى الله عليه وآله) (إنّا معاشر الملائكة لا ندخل بيوتاً فيها تصاوير)[4] وما أشبه ذلك، مّما يشير إلى أن فيها نوعاً من منع الخير الحأصل بدخولها[5].

نوعية تواجد الملائكة

ولا يخفى إن الملائكة مخلوقات قابلة للتواجد على الحيطان والأبواب وغيره، كما دلت على ذلك أدلة عديدة، وكما يرشد إليه، إن ذلك وهو مقتضى (الحف) فيما إذا كان المجلس قد امتلأ بالحاضرين امتلاءاً كاملاً، وذلك هو المستفاد من الروايات مثل ما ورد من أن المائدة إذا وضعت حضرها الكثير من الملائكة. ومن الواضح أن إطلاقه يشمل حتى إذا ما كانت المائدة لا تسع إلاّ لثلاثة أشخاص، بل حتى الواحد، فإن الملائكة كالنور لا تزاحم بينها، وعلى فرض تجرّدها فالامر أوضح، وإنا وإن لم نعرف حقيقة الملائكة وخصوصياتها ومزاياها، إلاّ إن ما ذكرناه هو المستفاد من جملة من الروايات.

أما ما ورد من أن الرسول (صلى الله عليه وآله) كان يمشي على أصابعه في جنازة (سعد)، فذلك لجلب انتباه الناس على نزول الملائكة ومشاركتها في تشييع الجنازة، وإن احتمل كونها قد تشكلت بشكل يقتضي ذلك.

وما ورد من أن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضاً به، يراد به الإشارة إلى تواضعها له، فهو من قبيل قوله سبحانه: ((وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ))[6] وإن احتمل البعض إرادة المعنى الظاهري، أي أنهم يفرشون أجنحتهم تحت رجله.

ومن المعلوم إن حف الملائكة نوع التكريم للحاضرين، كالشخصية التي يحف بها عبيدها وحفدتها وخدمها ومن أشبههم.

وعددهم

وأما عدد الملائكة فهم كما قال الشاعر:

(عدد الرمل والحصى والتراب)

وقال علي (عليه السلام): (فملأهن أطواراً من ملائكته)[7] ولا عجب فإن الإنسان إذا نظر إلى بستان من الأشجار، لرأى فيها ملايين الأوراق والأغصان وما أشبه، أليس كل ذلك من صنع عليم حكيم قدير؟

فإن من يخلق بمجرد الإرادة، حتى أن لفظة (كن) إنما هي من باب المثال أو الإشارة إلى السرعة والسهولة ومطلق القدرة، لا مانع من أن يخلق ملايين الأكوان والعوالم، فكيف بأفواج الملائكة، بلفظ (كن) أو دونه، فحيثما قرأ حديث الكساء ولو في ملايين الأماكن في ساعة واحدة حفت بكل مجلس الملائكة.

[1] فصلت: 30.

[2] الأنفال:12.

[3] الشعراء: 221 ـ 222.

[4] راجع سفينة البحار: 2/489 باب الكاف ط نجف. وفيه: (إنا لا ندخل بيتاً فيه كلب ولا صورة إنسان ولا بيتاً فيه تمثال).

[5] راجع شرح التجريد، وتوضيح نهج البلاغة للإمام المؤلف (قدس سره).

[6] الإسراء: 24.

[7] نهج البلاغة: الخطبة 1.