نص الحديث

الفهرس

المؤلفات

  الحديث الشريف

الصفحة الرئيسية

 

(فَقالَ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلام): إذَاً وَاللهِ فُزنا وَسُعِدنا، وَكَذلِكَ شِيعَتُنا) (117)

مسألة: يستحب وقد يجب ـ حسب المراتب ـ السعي لتحقيق الفوز، للنفس وللغير.

ففوزهم (عليهم السلام) كان ـ إضافة للجانب الذاتي ـ لأجل أنهم واسطة الخير والفيض.

وفوز شيعتهم، بسبب تمسكهم بالأئمة الهداة (عليهم السلام) فينالون خير الدنيا والآخرة وحوائجهم فيهما.

فإن علمهم (عليهم السلام) بفوزهم وفوز شيعتهم ببركة هذا الاجتماع الرباني، أوجب عقدهم ذلك الاجتماع التاريخي، لما ورد من (أنهم (عليهم السلام) عالمون بما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة) بتعليم الله سبحانه لهم.

علم الغيب وتأثيره في سلوك المعصومين (عليهم السلام)

لا يقال: إذا كان الرسول (صلى الله عليه وآله) يعلم بأن اللحم مسموم فلماذا مضغه؟

ولماذا ذهب الإمام علي (عليه السلام) للصلاة وهو يعلم بأن ابن ملجم يريد قتله؟

ولماذا شرب الإمام الحسن (عليه السلام) السم؟ إلى غير ذلك.

لأنه يقال: علمهم الغيبي وقدرتهم الغيبية، لا تغيِّر سلوكهم وبرنامجهم الفردي والاجتماعي، وإلاّ لم يكونوا أسوة، ولما تحقق الامتحان، فالرسول (صلى الله عليه وآله) كان قادراً ـ بإذن الله تعالى ـ على أن يقلب الحصى جوهراً، ويخرج بذلك نفسه وأصحابه من الفقر، إلى غير ذلك من الأشباه والنظائر.

وكذا لو كان المقرر أن يؤثر علمهم الغيبي وقدرتهم الغيبية، في تغيير المقدرات الألهية ومقتضيات عالم الإمكان، لكان الإمام الحسين (عليه السلام) قد أوجد الماء لأصحابه وأهل بيته (عليهم السلام)، بل حتى لو أُشربوا السم وضُربوا بالسيف، كانوا سيجدون الحل الناجح غيبياً، وكذلك لما بكى الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام) لفقد ولده (عليه السلام) وهو يرى أنه دخل جنات عرضها السماوات والأرض.

وكذا حال الأنبياء (عليهم السلام) وإلاّ لكان إبراهيم (عليه السلام) قضى على نمرود بإشارة من يده، ولأحدث عيسى (عليه السلام) بينه وبين اليهود سداً حتى لا يتمكنوا منه، ولم تكن حاجة لأن يرفعه الله تعالى إلى السماء، وكذلك كان يقضي موسى (عليه السلام) على فرعون بادئ ذي بدء دون حاجة إلى إيقاع النفس في مخاطر ومتاعب جسيمة، والجهاد لعشرات السنين قبل التيه ومعه وبعده.

ولكان الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يظهر ولا يتمكن عدو من النيل منه، مما يضطره إلى التستّر، كما في الأحاديث من أنه (عليه السلام) تستر تحفظاً على نفسه من الطغاة.

أما ما ظهر من المعجزات والكرامات فكان بقدر معين، بحيث يكفل إقامة البرهان على ارتباط هذا الرسول (صلى الله عليه وآله) ووصيه (عليه السلام) بالله الكائنات، وبحيث يتم الحفاظ على أصل الرسالة دون أن تمحى نهائياً، وشبه ذلك، وأما ما عدا ذلك فيدخل في عالم الأسباب والمسببات الطبيعي.

وهذا بحث طويل نكتفي منه بهذا القدر.

أبواب الجنة والنار

لا يخفى إن التشيع كالإيمان يؤثر ويتحكم ويرتبط بثمانية مواضع من الإنسان، وهي:

1 ـ الباصرة.

2 ـ السامعة.

3 ـ الذائفة.

4 ـ اللامسة[1].

5ـ الفرج، حيث إنه وإن شملته اللامسة من وجه، لكنه لكثرة الإبتلاء به وخطورته وصعوبة التحكم به، عدّ واحداً في قبالها[2].

6 ـ البطن.

7 ـ الاعتقاد والفكر.

8 ـ النية.

فإن كل واحد من هذه يمكن أن يستخدم للخير أو الشر، وكلها باستثناء الأخير، يمكن أن تدخل الإنسان في الجنّة أو في النار، ولعلّ السرّ في أنّ للجنّة ثمانية أبواب، وللنار سبعة أبواب هو هذه الجهة، حيث إن نية السوء بما هي هي لا تؤدّي بالإنسان إلى النار، كما حقق في بابه وذكرناه في الأصول، أما الأبواب السبعة الأُخرى فمن الممكن أن تؤدّي بالإنسان إلى النار، ونية الخير من أبواب الجنة.

وأما الاعتقاد: فمن الواضح أن التفكر والاعتقاد قد يجرّ إلى النار، كالاعتقاد بالباطل في الأصول، وقد يؤدّي بالإنسان إلى الجنّة، وذلك كالتفكّر في أمور الخير ولأجلها، وفي أصول الدين والاعتقاد بها.

والإنسان الذي يرغب في دخول الجنّة وسعادة الدنيا والآخرة، لا بدّ من أن يجنِّد كل المجالات الثمانية في الامتثال لأوامر الله سبحانه وتعالىن وأوامر أهل البيت (صلوات الله عليهم أجمعين) والتي تنبثق من أوامر الله تعالى أيضاً، بل هي هي لقوله تعالى: ((وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى))[3] ولما ورد: (أهل بيت النبوة وموضع الرسالة)[4].

وأما العقل فليس علّة مباشرة، بل بسبب إحدى السوابق، وإن كان هو لا يتوجه بذاته إلاّ إلى الله وإلى أوامره.

أما من يصرف بعض مواضعه السبعة، في معصية الله ومعصية أوامر رسله وأوصيائهم (عليهم الصلاة والسلام) فهو يفتح على نفسه باباً أو أكثر إلى النار، أعاذنا الله منها.

هذا كله حسب الاحتمال، ولكن في بعض الروايات، إشارة إلى ما يظهر منه توزع أبواب الجنة حسب الصفات النفسانية، إذ ورد أن أبواب الجنة، منها باب الرحمة ومنها باب الصبر ومنها باب الشكر ومنها باب البلاء، والباب الأعظم لأهل الزهد والورع والراغبين إلى الله عز وجل المستأنسين به[5].

وهناك روايات أُخرى تشير إلى أن أبواب الجنة الثمانية، متعددة بلحاظ أصناف الأفراد:

(إن للجنة ثمانية أبواب، باب يدخل منه النبيّون والصديقون، وباب يدخل منه الشهداء والصالحون، وخمسة أبواب يدخل منها شيعتنا ومحبونا.... وباب يدخل منه سائر لمسلمين ممن شهد أن لا الله إلاّ الله، ولم يكن في قلبه مقدار ذرّة من بغض أهل البيت (عليهم السلام))[6] ولعل ذلك بعد امتحانه في الآخرة.

وهناك طائفة ثالثة من الروايات من أمثال: (من صام من رجب يوماً واحداً من أوله أو وسطه أو آخره، أوجب الله له الجنة، وجعله معنا في درجتنا يوم القيامة، ومن صام يومين من رجب، قيل له استأنف العمل، فقد غفر لك ما مضى، ومن صام ثلاثة أيام قيل له: قد غفر لك ما مضى وما بقي، فاشفع لمن شئت من مذنبي أخوانك وأهل معرفتك، ومن صام سبعة أيام من رجب أُغلقت عليه أبواب النيران السبعة، ومن صام ثمانية أيام من رجب فتحت له أبواب الجنة الثمانية فيدخلها من أيها شاء)[7].

وغير خفي أن أمثال هذه إنما هو بنحو المقتضي.

وروايات تقوم بالتوزيع حسب نوعية الوظيفة والمسؤوليةن التي قام بها الشخص، فمثلاً: (إن للجنّة باباً يقال له باب المجاهدين...)[8] و (إن في الجنة باباً يدعى الريان لا يدخل منه إلاّ الصائمون)[9].

وهناك روايات تشير إلى أعداد أكبر، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (.. إن للجنة أحدى وسبعين باباً.. وطبقاتها ثمانية)[10].

وقد يجمع بين هذه الروايات بأنحاء:

منها: إن هنالك أبواباً رئيسية وأخرى فرعية، فالأبواب الرئيسية ثمانيةن في كل واحد منها العديد من الأبواب الصغيرة.

ومنها: إن الأبواب الثمانية وكذا السبعةن يراد بها طبقات بعضها فوق بعض، كما في بعض الروايات ولكل منها أبواب.

ومنها: إن للأبواب جهات عديدة وحيثيات مختلفة أو مراتب متعددة.

ومنها: إن ما كان بلحاظ الصفات أو الأعضاء يتطابق مع ما كان بلحاظ الأفراد، ولو باعتبار أبرزها، فباب المجاهدين يتطابق مع باب الصبر مثلاً، فالتعدد في العناوين والتطابق عموماً وخصوصاً مطلقاً أو من وجه في المصاديق.

ويمكن إدراج ما ذكرناه من التقسيم بلحاظ الأعضاء في تلك العناوين الأخرى أيضاً[11] فتأمل.

[1] أما الشامّة فلا مدخلية لها إلاّ نادراً جداً ـ كشمّ الطيب في الحج ـ.

[2] قال تعالى في وصف المؤمنين: (والَّذين هم لفروجهم حافظون)) [المؤمنون: 5].

[3] النجم 3 ـ 4.

[4] الزيارة الجامعة الكبيرة.

[5] راجع أمالي الصدوق: ص177 ح1 (المجلس الثامن والثلاثون) ط بيروت.

[6] الخصال: 2/2408 ح6 (باب الثمانية) ط قم.

[7] مالي الصدوق: ص15 ح1 (المجلس الثاني) ط بيروت.أ

[8] بحار الأنوار 8/186.

[9] بحار الأنوار 8/194.

[10] كفاية الموحدين 3/376 الفصل الثامن عشر في أوصاف الجنّة.

[11] مثلاً الصبر يشمل صبر اللامسة والسامعة والباصرة و.. عن معصية لله وهكذا، هذا من جهة، ومن جهة أُخرى فإن الملامسة محطة للشكر والبلاء والصبر و... فكل من مفردات الطرفين تصلح محطة لكل أو غالب مفردات الطرف الآخر.