الفهرس

المؤلفات

  الحديث الشريف

الصفحة الرئيسية

 

كلمة جعل الإخلاص تأويلها (33)

الإخلاص في العقيدة والعمل

مسألة: يجب الإخلاص في الإعتقاديات، وكذا في الأعمال الجوانحية والجوارحية الأخرى في الجملة، فإن الإنسان يجب أن يعقد قلبه على الإيمان بأصول الدين مخلصاً غير مشوب ذلك بشيء[1]، بأن يقوم بأعماله العبادية مخلصاً لله، لارياءً أو سمعةً، أو طمعاً في أجر دنيوي أو ما أشبه ذلك، إلا ما كان على نحو الداعي على الداعي[2] فإذا لم يكن له إخلاص لم يقبل الله سبحانه منه، كما قال تعالى في قرآنه الحكيم:

) وما أمروا إلا ليعبدوا لله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة)[3].

و (القيمة) صفة لمحذوف أي دين الطريقة القيمة، أو دين النفس القيمة، أو ما أشبه ذلك مما يمكن تقديرها لأن تكون (القيمة) صفة لها، فإن الموصوف إذا كان مذكراً والوصف مؤنثاً، أو بالعكس يقدر مثل هذا التقدير[4].

أما بالنسبة إلى ما عدا الإعتقاديات والأعمال العبادية كالمعاملات والأعمال الشخصية وما أشبه، فإن كان مقروناً بالإخلاص كان سبباً للفضل والبركة.

وهناك رواية تفيد استحباب أن يجعل الإنسان كل أعماله حتى أعماله العادية وأفعاله الشخصية اليومية ـ كالأكل والشرب والمنام مثلاً ـ لله سبحانه وتعالى، فإذا أكل شيئاً أو شرب الماء، أكله و شربه بلحاظ ان الله سبحانه أمر أن يكون صحيح الجسم سليم الجسد ومتنعماً بنعم الله تعالى:

) قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين)[5].

وفي الروايات: (إن لبدنك عليك حقاً)[6].

وكذلك إذا ذهب إلى دورة المياه أو سافر للترفيه أو باشر زوجته وغير ذلك. بل حتى المكروهات قد يمكن إتيانها لله سبحانه وتعالى إذا كانت محلاً لذلك[7] حيث ورد: (إن الله يحب أن يؤخذ برخصه، كما يحب أن يؤخذ بعزائمه)[8] فتأمل.

وأما في المحرمات بدون أن يكون لها جهة وجوب فلا، نعم إذا صار للمحرم جهة وجوب أهم كان كذلك، كما إذا عمل محرماً تقية أو خوف ضرر أكبر كخوف الموت إذا لم يستعمل هذا الحرام ـ كأكل لحم الخنزير في المخمصة ـ كما قال سبحانه: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه)[9] مما فصل مبحثه في الفقه.[10]

ثم لا يخفى ان مرجع ومآل الشهادة بـ (لا إله إلا الله) الإخلاص، والمراد بكون مرجعها الإخلاص: إما المرجعية الثبوتية أو التكوينية، فيكون كلامها (عليها السلام) إخباراً، وقد يؤيده السياق، وإما أن يكون المراد هو: عليكم أن ترجعوها للإخلاص، فيكون كلامها (عليها السلام) إنشاءً في قالب الإخبار، فقد جعل سبحانه وتعالى تكويناً او تشريعاً الإخلاص تأويلاً لكلمة (لا إله إلا الله).

وإذا كانت هذه الكلمة، وهي أس الدين، مرجعها إخلاص فوجوبه ـ في الجملة ـ بديهي.

وإذا لم يكن إله غير الله فمن الواضح إنه يجب عقلاً الإخلاص له.

قال علي (عليه السلام): (وكلمة الاخلاص فانها الفطرة)[11].

وقال علي (عليه السلام): (وكمال توحيده الإخلاص له وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة انها غير موصوف وشهادة كل موصوف انه غير الصفة)[12] فيكون الإخلاص بمعنى الاعتقاد بأنه تعالى خالص من كل نقص وما أشبه ويكون هذا الاعتقاد واجباً.

[1] يمكن توضيح تصور إمكان ووقوع الشرك في القضايا الإعتقادية عبر ذكر بعض الأمثلة: الإيمان بوحدانية الله تعالى لأنه كذلك، لا لأجل أنه لولا الإيمان بوحدانيته سيدخل في النار، بحيث لولا هذا التخوف لما آمن بوحدانيته، وكذلك الأمر من حيث الطمع في الجنة، في هذا المثال، وكذا في بقية الأمور الإعتقادية، وهناك مثال من نمط آخر: الإيمان برسالة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لأن الله سبحانه اتخذه رسولاً، لا لأنه عربي أو لأنه من قبيلة كذا أو ما أشبه ذلك ـ مما يذهب اليه القوميون وأشباههم ـ ولو بنحو التشريك، أي يؤمن برسالته (صلى الله عليه وآله) لأن الله أرسله ولأنه كان عربياً. ويمكن التمثيل بنمط آخر وإن كان نادراً: الإيمان بأي واحدة من أصول الدين لما سبق، لاخوفاً من انكشاف عدم اعتقاده بها وعدم عقد قلبه عليها ولو عبر فلتات اللسان أو عبر أجهزة كشف الأفكار أو ما أشبه ذلك.

[2] كمن يستأجر للصلاة نيابة عن ميت مقابل كذا من المال، فإن الأجرة لو اعتبرها داعياً لكي يقصد (الصلاة لله) صح وإلا فلا، والاستثناء في كلام المصنف منقطع كما لا يخفى.

[3] البينة: 5.

[4] وفي تفسير تقريب القرآن ج3 ص205: (دين القيمة) أي دين الكتب القيمة ـ التي تقدم ذكرها ـ بمعنى انه الدين المذكور في تلك الكتب. وفي تفسير مجمع البيان ج5 ص522: (دين القيمة تقديره دين الملة القيمة، لانه اذا لم يقدر ذلك كان اضافة الشيء الى صفته وذلك غير جائز، لانه بمنزلة اضافة الشيء الى نفسه).

[5] الأعراف: 32.

[6] راجع مستدرك الوسائل: ج11 ص154 ب 3 ح 12664.

[7] بأن عارضها أهم مثلاً.

[8] مستدرك الوسائل: ج1 ص144 ب 23 ح 214.

[9] البقرة: 173.

[10] راجع موسوعة الفقه كتاب (القواعد الفقهية) قانون الأهم والمهم، للإمام المؤلف دام ظله.

[11] من لا يحضره الفقيه ج1 ص205 ح613.

[12] بحار الأنوار: ج4 ص247 ب 4 ح 5 عن نهج البلاغة.