الفهرس

المؤلفات

  الحديث الشريف

الصفحة الرئيسية

 

وتعبداً لبريته (44)

4: التعبد لله تعالى

مسألة: العبادة هي غاية الخضوع والتذلل، والتعبد هو: طلب العبادة[1] وغاية الخضوع والتذلل لا يحق إلا لما هو غاية في الرفعة والعظمة والجلال، فالواجب عبادته تعالى وحده، والامتثال لأوامره ونواهيه، وقد قال سبحانه: (وما امروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين).[2]

ومن الواضح إن التعبد[3] ـ وهو من باب التفعل الذي يأتي أيضاً بمعنى المطاوعة والتكلف وتكرر الفعل والديمومة عليه[4] ـ في العبادات الواجبة واجب وشرط، وفي العبادات المستحبة شرط لها، أما في سائر الأمور، فإن من تعبد حصل على القرب والثواب الجزيل، ومن لم يتعبد لم يكن عليه إثم، وقد ورد في الروايات ان من المستحب أن يعمل الإنسان كل شيء لله سبحانه وتعالى كما تقدم الإلماع إليه.

فالعلة الغائية للخلقة هي: طلب عبادتهم، أو صيرورتهم عبيداً، أو ما أشبه، قال سبحانه: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)[5] أي: ليعبدون باختيارهم ـ على بعض الاحتمالات ـ أو المراد من (يعبدون): لأدعوهم وأطلب منهم عبادتي، كما أشارت (عليها السلام) إليه بكلمة (تعبداً)، وقد يكون ذلك دفعاً لشبهة الجبر.[6]

والفرق بين (وتنبيهاً على طاعته) وبين (وتعبداً لبريته) ـ بناء على كون الجملة السابقة إخبارية ـ واضح[7]، وأما على كونها إنشائية فالفرق: ان (التعبد) مرتبة أقوى من (الإطاعة) كما يظهر من معنى (العبادة) و(التعبد) فيما سبق.

إظهار العبودية لله تعالى

مسألة: يستحب إظهار العبودية لله تعالى، في الجملة.

ومن المعلوم ان إظهار العبودية غير التعبد، فإن التعبد إنما هو بين الإنسان وبين ربه، وإظهار العبودية عبارة عن إظهارها للناس، نعم هذا في غير ما يفضل أن يأتي الإنسان به سراً، والشارع قسم الأمر إلى ما يستحب إظهاره وإلى ما يستحب إسراره.

وذلك لأن الإظهار تقوية لقلوب الناس ودعوة لهم إلى الإرتباط بالله سبحانه وتعالى وإيجاد قدوة ومثال صالح لهم، ولذا أمر الشارع بصلاة الجماعة وشبهها[8]، وقال تعالى: (وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية)[9].

وجاء في معاهدة صلح الحديبية: (.. وعلى ان يعبد الله بمكة علانية)[10].

وقد يكون الإسرار ـ أحياناً ـ أقرب إلى الإخلاص، ولذا نرى في أعمال الأنبياء والأئمة (عليهم الصلاة والسلام)، كلا القسمين.

التربية على حالة العبودية

مسألة: يلزم تربية الناس على الحالة العبودية لله تعالى، وقد ورد (لا اله الا الله عبودية ورقاً)[11].

كما يستحب تربية الأطفال على ذلك أيضأ، حيث امروا بالصلاة والصيام وما أشبه قبل البلوغ.[12]

وذلك لأن التربية على العبودية وتعليمها وتركيزها في النفوس ـ إضافة إلى كونهـا كمالاً ومرتبة سامية ـ مقدمة توفر الأرضية الصالحة لتجنب المعاصي وللالتزام بالأوامر الإلهية، فيجب في مورد الوجوب ويستحب في مورد الاستحباب مطلق التربية والتعليم.

حرمة عبادة غير الله

مسألة: تحرم عبادة غير الله تعالى، منها عبادة الأصنام، سواء كانت عبادتها بما هي هي أو بدعوى أنها طريق إلى الله تعالى، كما في القرآن الحكيم: (مانعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى).[13]

فإنه لاتجوز العبادة لغير الله سبحانه سواء كان إنساناً أو نفساً أو ناراً أو ما أشبه ذلك من مختلف الأصنام الحجرية والبشرية وغيرها، بل لاتجوز العبادة حتى رياءاً وسمعة، كما ورد في النص والفتوى قال سبحانه: (وما امروا إلا ليعبدوا لله مخلصين له الدين)[14].

وقد ورد في الحديث إن الله تعالى يقول للمرائي يوم القيامة: (أنا خير شريك من أشرك معي غيري في عمل عمله لم أقبله إلا ما كان لي خلصاً)[15].

وفي رواية: (ان الله يقول: انا خير شريك، من عمل لي ولغيري فهو لمن عمل له دوني)[16].

وقال على (عليه السلام): (اعملوا لله في غير رياء، فإنه من عمل لغير الله وكله الله إلى عمله يوم القيامة)[17].

نعم إذا كانت العبادة لله سبحانه طمعاً في جنة أو خوفاً من نار، أو لحاجة دنيوية، كشفاء مريض أو دفع عدو أو الحصول على مال أو ما أشبه ذلك[18] فإنها صحيحة أيضاً، وتكون من مصاديق العبادة لله تعالى، وقد قال سبحانه: (ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين)[19]

وقال تعالى: (يدعون ربهم خوفاً وطمعاً).[20]

نعم الرتبة الأسمى من العبادة: هي عبادته جل وعلا لأنه أهل للعبادة، كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك لكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك)[21] فإنه هو المنعم الحقيقي بل[22] الكمال المطلق.

[1] قال في (لسان العرب): تعبد الله العبد بالطاعة أي استعبده. واستعبده من باب الاستفعال، المراد به طلب الفعل، إذ من معاني باب التفعل: طلب الفعل، ومن معانيه اتخاذ الفاعل أصل الفعل مفعولاً، فتعبدنا الله أي: اتخذنا عبيداً، ومن معانيه الصيرورة، فتعبد زيد أي: صار عبداً.

[2] البينة: 5.

[3] المراد به في كلامه دام ظله هنا: الإتيان بالفعل بقصد القربة، وبعبارة أخرى: إتيان الفعل المأمور به لأنه مأمور به، وبعبارة ثالثة: الإتيان بالعبادة لأنه عبد لله.

[4] المطاوعة: مثل كسرت الزجاج فتكسر، وعبدنا الله فتعبدنا، والتكلف مثل: تـحلم زيد أي تكلف الحلم وعاناه ليحصل عليه، وتعبد زيد أي ضغط على نفسه وكلفها بالعبادة رغم الأهواء والشهوات فتعبدت، وتكرر الفعل والديمومة عليه مثل: تجرع الغصص، قال في (المجمع) العبد المتعبد الدائم على العبادة.

[5] الذاريات: 56.

[6] إذا كان بمعنى طلب العبادة، كما سبق.

[7] إذ تكون تلك إشارة للجانب التكوينى، وهذه إشارة للجانب التشريعي.

[8] فاطر: 29. الرعد: 22.

[9] راجع موسوعة الفقه ج23 ص377-391 كتاب الصلاة فصل في الجماعة.

[10] المناقب ج1 ص203 فصل في غزواته (صلى الله عليه وآله).

[11] الأمالي للشيخ الصدوق ص644 المجلس 93. ثواب الأعمال ص9. غوالي اللئالي ج2 ص65. المحاسن ص32. مكارم الاخلاق ص303 و343.

[12] راجع وسائل الشيعة: ج3 ص11 ب3 ح1 وفيه: (عن معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) في كم يؤخذ الصبي بالصلاة؟ فقال عليه السلام: فيما بين سبع سنين وست سنين) وراجع مستدرك الوسائل: ج1 ص391 ب16 ح8499 وفيه: (وأما صوم التأديب، فإنه يؤمر الصبي إذا بلغ سبع سنين بالصوم تأديبـاً ليس بفرض).

[13] الزمر: 3.

[14] البينة: 5.

[15] الكافي: ج2 ص295 ح9. وشبهه في تفسير العياشي ج2 ص353 ح94.

[16] تفسير العياشي ج2 ص353 ح95. وشبهه في المحاسن ص252 ح271.

[17] وسائل الشيعة: ج1 ص49 ب 11 ح 10.

[18] مما كان بنحو الداعي على الداعي.

[19] الأنبياء: 90.

[20] السجدة: 16.

[21] بحار الأنوار: ج67 ص186 ب 53 ح 1. و (غوالي اللئالي) ج1 ص404 ح63 المسلك الثالث في أحاديث رواها الشيخ العالم.. و (الغوال) ي ج2 ص11 ح18 المسلك الرابع في أحاديث رواها الشيخ العلامة.. و (الالفين) ص128 المائة الثانية.

[22] بل هذه للإضراب وبقصد الترقي، كما لا يخفى.