الفهرس

المؤلفات

  الحديث الشريف

الصفحة الرئيسية

 

قد حف بالملائكة الأبرار ورضوان الرب الغفار ومجاورة الملك الجبار (69)

التعويض الإلهي

رغم وجود ثلة كبيرة من المؤمنين الأخيار الأبرار مع النبي (صلى الله عليه وآله) الذين كانوا يناصرونه ويؤازرونه ويضحون في سبيله بالنفس النفيس، بما قل أن يوجد نظيره طوال التاريخ البشري، إلا انه (صلى الله عليه وآله) قد عانى كثيراً من مجاورة المنافقين ومن الانتهازيين والمصلحيين والمرجفين والمتخاذلين والجبناء وأشباههم حواليه.

كما تشهد بذلك آيات قرآنية عديدة وكما يذكر التاريخ: كخيانة البعض في معركة أحد[1].

وكترصد المنافقين به (صلى الله عليه وآله) الدوائر كما في العقبة[2].

وكقضية الدوات والكتف[3] وغيرها، فإنها كانت تلحق به (صلى الله عليه وآله) أكبر الأذى وأشد الأضرار، فعوضه الله تعالى عن ذلك بأمور عديدة، منها:

ما أشارت إليه ابنته الزهراء (صلـوات الله عليهـا) ههنا: (قـد حـف بالملائكـة الأبرار) فهم المحيطون به بعد مماته دون ما ينغصه[4].

ثم ترقت (عليها السلام) إلى تعويض آخر أسمى وأعلى: (ورضوان الرب الغفار) قال تعالى: (ورضوان من الله أكبر)[5].

ثم ترقت (عليها السلام) إلى أمر آخر أسمى من ذلك: (ومجاورة الملك الجبار) أي: رحمته الخاصة.

قولها (عليها السلام): (ورضوان الرب الغفار) فالله راض عنه (صلى الله عليه وآله)فإن الإنسان إذا علم بأن الله سبحانه راض عنه كان في سرور وراحة نفسية، لا يصل إليها الالتذاذ المادي الجسماني.

وهذا مما يجده الإنسان من نفسه بوضوح، فمن يعيش في قصر بديع فيه مختلف أسباب الهناء المادي، لا يمكنه أن يلتذ بكل تلك النعم لو كان يعاني من مشكلة نفسية وبؤس روحي، كما لو مات له عزيز، أو تعرض لتهم تحط من سمعته وكرامته، أو علم ان سيده ساخط عليه، بل قد تتحول حياته هذه إلى جحيم مهلك، فإن السعادة سعادة الروح أولاً ثم سعادة الجسم، وكذلك الشقاء.

مجاورة الملك الجبار

مسألة: قولها (عليها السلام): (ومجاورة الملك الجبار) أي: مجاورة كراماته، فالمراد الجوار المعنوي، كما قال تعالى: (في مقعد صدق عند مليك مقتدر)[6] وإلا فليس الله سبحانه جسماً ولا له قرب أو بعد مكاني أو زماني، كما قرر في علم الكلام.

ولعل الإتيان بلفظ (الجبار) لأنه سبحانه يجبر ما ورد عليه من الكفار والمنافقين، وقد قال العباس (عليه السلام) في يوم عاشوراء: (وأبشري برحمة الجبار).[7]

واختيار صفة (الملك) متجانسة تماماً مع صفة (الجبار) فالنبي (صلى الله عليه وآله) حظى بأعلى درجة من القرب، من المالك الحقيقي المطلق الذي بمقدوره أن يجبر ما أصابه بشكل مطلق.

وأي شئ أعظم وأعلى وأسمى من الوصول إلى مقام) فكان قاب قوسين)[8] منه تعالى (أو أدنى)[9] من ذلك، فهذه الغاية من أرفع الغايات، بل هي الآية القصوى والمقصد الأسمى، وإذا كان الجار تناله خيرات جاره عادة فكيف بجوار الله سبحانه؟.

ومنه يعلم: رجحان أن يكون الإنسان بحيث لو مات يحف بالملائكة الأبرار ورضوان الرب الغفار ومجاورة الملك الجبار، كما يعلم رجحان مجاورة العظماء، وقد سبق الكلام في ذلك كله.[10]

التذكير بمنـزلة الأنبياء (ع) والمؤمنين في الآخرة

مسألة: كما سبق من استحباب ذكر كيفية قبضه تعالى لروحه (صلى الله عليه وآله)يستحب ذكر منزلته (صلى الله عليه وآله) في الآخرة‎، وانه قد: حف بالملائكة الأبرار ...) وغير ذلك، وكذلك ذكر منزلة الأنبياء والأوصياء في الجنة، ويستحب أيضاً ذكر مكانة المؤمن فيه وما أعد الله له من النعيم المقيم.

فان التذكير بذلك يوجب مزيداً من رغبة الناس من الإيمان بالله سبحانه واليوم الآخر والالتزام بأوامره جل وعلا، فيكون من المستحب، بل قد يجب إذا توقف ايمان الناس على مثل ذلك، والآيات والروايات التي تتعرض لوصف نعيم أهل الجنة كثيرة.[11]

غفران الخطايا

مسألة: يستحب غفران خطايا الآخرين، لأنه من التخلق بأخلاق الله سبحانه وتعالى، كما ورد في الحديث[12] من استحبابه كأصل، إلا ما خرج بالدليل.

وفي القران الحكيم: (ولمن صبر وغفر إن ذلك من عزم الأمور)[13].

وقال سبحانه : (قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزي قوماً بما كانوا يكسبون).[14]

وفي الحديث انه: (قام رجل الى أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو يخطب، فقال: يا امير المؤمنين صف لنا صفة المؤمن كأننا ننظر اليه، فقال عليه السلام: ..يستر العيب ويحفظ الغيب ويقيل العثرة ويغفر الزلة)[15].

إضافة إلى ما للغفران من الأثر الوضعي على حياة الإنسان ومستقبله، ثم إنه يسبب محبوبية الإنسان مما يعينه على الوصول إلى أهدافه بشكل أيسر، إضافة إلى انه يحافظ على سلامة جسمه وأعصابه كما هو ثابت في الطب وعلم النفس.

هذا ومن اللازم عدم الاغترار بغفاريته تعالى وعدم الاستناد إليها والاعتماد عليها في التجري[16] على المعاصي أو في تبرير ارتكابها، إذ هو تعالى: (شديد العقاب)[17] أيضاً.

بل الواجب أن يكون الإنسان بين الخوف والرجاء دائما ً[18]، كما قال تعالى: (واعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم)[19] ولذا كانوا (عليهم السلام) يبكون من خشيته تعالى وترتعد فرائصهم خوفاً منه سبحانه.[20]

الدعاء للأب

مسألة: يستحب الدعاء للأب، بل ولسائر الأقارب والأصدقاء والجيران والمؤمنين والمؤمنات، في حال الحياة وبعد الممات.

وقد روي عن مولاتنا فاطمة (صلوات الله عليها) انها كانت تدعو للمؤمنين والمؤمنات ولا تدعو لنفسها، فقيل لها في ذلك، فقالت: (الجار ثم الدار)[21].

وفي الحديث: (ان دعاء المؤمن لأخيه بظهر الغيب مستجاب ويدر الرزق ويدفع المكروه).[22]

وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (من دعا لأخيه المؤمن بظهر الغيب ناداه ملك من سماء الدنيا: يا عبد الله لك مائة ألف مثل ما سألت...)[23] الحديث.

وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (إن العبد ليكون باراً بوالديه في حياتهما ثم يموتان فلا يقضي عنهما دينهما ولا يستغفر لهما فيكتبه الله عز وجل عاقاً، وانه ليكون عاقاً في حياتهما غير بار بهما فإذا ماتا قضى دينهما واستغفر لهما فيكتبه الله عز وجل باراً)[24].

وهذا مما يكشف عن الترابط الوثيق بين العالمين، وليس هناك إلا حجاب يحول دون أن نرى ونسمع ما يجري هناك، ولو وصل الإنسان إلى بعض مراتب الكمال الروحي لرفع عنه الحجاب، ولهذا البحث تفصيل نتركه لمظانه.

قولها (عليها السلام): (صلى الله على أبي نبيه) إنشاء بلفظ الإخبار، وهو دعاء، وكونه بلفظ الماضي للدلالة على قطعية الوقوع[25] إذ الماضي وضع حتى يدل على الزمان المنصرم.

الصلوات على النبي (ص)

مسألة: يستحب الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) وسلم بعد ذكر اسمه الشريف.

والظاهر إن استحباب الصلوات عند ذكر اسمه ليس خاصاً بكلمة محمد (صلى الله عليه وآله) كما هو المشهور بين الناس، بل كل اسم من أسمائه، أو لقبه أو كنيته، كأحمد والمصطفى وأبي القاسم وغير ذلك، لإطلاق أدلته وشمول حكمته، بل إذا ذكر الضمير الراجع إليه أيضاً كان الحكم كذلك.

فعنه (صلى الله عليه وآله): (البخيل حقاً من ذكرت عنده فلم يصل علي)[26].

وعنه (صلى الله عليه وآله): (من صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له مادام اسمي في ذلك الكتاب).[27]

وقال الإمام الرضا (عليه السلام): (من لم يقدر على ما يكفر به ذنوبه فليكثر من الصلاة على محمد وآله فإنها تهدم الذنوب هدماً).[28]

وعن أحدهما (عليهما السلام) قال: (أثقل ما يوضع في الميزان يوم القيامة الصلاة على محمد وعلى أهل بيته).[29]

وعن الصادق (عليه السلام): (ما من عمل أفضل يوم الجمعة من الصلاة على محمد وآله).[30]

وعن أبي الحسن العسكري (عليه السلام) قال: (إنما اتخذ الله إبراهيم (عليه السلام) خليلاً لكثرة صلاته على محمد وأهل بيته).[31]

[1] راجع كتاب (ولأول مرة في تاريخ العالم ج1 ص241-242) غزوة أحد.

[2] راجع كتاب (ولأول مرة في تاريخ العالم) ج2 ص163ـ164 غزوه تبوك.

[3] راجع (الارشاد) ج1 ص184. المناقب ج1 ص232 وص235. كشف الغمة ج1 ص420. اعلام الورى ص135. الصوارم المهرقة ص224. كشف اليقين ص427.

وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج6 ص51: (لما حضرت رسول الله صلى الله عليه وآله الوفاة، وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ائتوني بدواة وصحيفة اكتب لكم كتاباً لا تضلون بعدي، فقال عمر كلمة معناها: ان الوجع قد علب على رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم قال: عندنا القرآن، حسبنا كتاب الله).

[4] فإن الله سبحانه وتعالى يعوض عن كل مصيبة وابتلاء يبتلى به المؤمن بنعمة كبرى تكون متناسبة مع نوع البلاء والمصاب، فعلى المؤمن أن لا يتهرب من معاشرة الناس بغرض إرشاد من استطاع منهم، تخلصاً من مشاكلهم وأذاهم فإن الله سيعوضه أضعاف أضعاف ذلك بما لا يخطر على فكر بشر.

[5] التوبة: 72.

[6] القمر: 55.

[7] المناقب ج4 ص108 فصل في مقتله(عليه السلام).

[8] النجم: 9.

[9] النجم: 9.

[10] راجع المجلد الأول من كتاب (من فقه الزهراء عليها السلام).

[11] راجع كتاب (الجنة والنار في القرآن) للإمام المؤلف) و(بحار الأنوار) مبحث الجنة والنار و(كفاية الموحدين) وغيرها قال الإمام الصادق(عليه السلام): (إن الجنة توجد ريحها من مسيرة ألف عام وإن أدنى أهل الجنة منزلاً لو نزل به الثقلان: الجن الإنس لوسعهم طعاماً وشراباً ولاينقص مما عنده شيء).(سفينة البحار ج1 مادة جنن).

[12] أي : قوله (تخلقوا بأخلاق الله) بحار الأنوار ج58 ص129 ب42.

[13] الشورى: 43.

[14] الجاثية: 14.

[15] اعلام الدين ص116 باب صفة المؤمن.

[16] بالمعنى اللغوي.

[17] الأنفال: 13.

[18] راجع ارشاد القلوب ص10.

[19] المائدة: 98.

[20] راجع الأمالي للشيخ الصدوق ص178 المجلس33 ح8. والمناقب ج4 ص182 وص314. وراجع ايضاً بحار الأنوار، في عبادتهم عليهم السلام.

[21] سفينة البحار(الطبعة الجديدة) ج3 ص61 مادة (دعا). وعلل الشرائع ص181 باب العلة التي من أجلها سميت فاطمة البتول ح1، وص182 ح2. وروضة الواعظين ص329.

[22] سفينة البحار (الطبعة الجديدة) ج3 ص59 مادة (دعا). وراجع ثواب الاعمال ص153 باب ثواب دعاء المؤمن لأخيه بظهر الغيب.

[23] سفينة البحار (الطبعة الجديدة) ج3 ص60 مادة (دعا).

[24] سفينة البحار (الطبعة الجديدة) ج8 ص587 مادة (ولد). وشبهه في دعوات الراوندي ص126 ح311.

[25] راجع كتاب (البلاغة) للإمام المؤلف دام ظله.

[26] سفينة البحار (الطبعة الجديدة) ج5 ص171 مادة (صلى) عن معاني الأخبار. وفي كشف الغمة ج2 ص128 عنه صلى الله عليه وآله: (البخيل كل البخيل الذي اذا ذكرت عنده لم يصل علي).

[27] سفينة البحار (الطبعة الجديدة) ج5 ص172 مادة (صلى).

[28] روضة الواعظين ص322 مجلس في ذكر الصلاة على النبي (ص). وسفينة البحار(الطبعة الجديدة) ج5 ص170 مادة (صلى) عن عيون أخبار الرضا(عليه السلام).

[29] قرب الاسناد ص9. وسفينة البحار (الطبعة الجديدة) ج5 ص170 مادة (صلى).

[30] الخصال ص394 ح101. وثواب الاعمال ص158 باب ثواب من صلى على النبي وآله.. وسفينة البحار (الطبعة الجديدة) ج5 ص171 مادة (صلى) عن علل الشرائع.

[31] علل الشرائع ص34. و قصص الانبياء للجزائري ص96. وسفينة البحار (الطبعة الجديدة) ج5 ص171 مادة (صلى).