الفهرس

المؤلفات

  الحديث الشريف

الصفحة الرئيسية

 

والأمر بالمعروف مصلحة للعامة (107)

وجوب الأمر بالمعروف[1]

مسألة: يجب الأمر بالمعروف، في الجملة، فإن كان المعروف واجباً وجب، وإن كان مستحباً استحب إلا لو طرأ عليه عنوان ثانوي فقد يجب حينئذ.

قال تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)[2] وهو واجب كفائي، فإن قام به من فيه الكفاية، وإلا وجب على الجميع.

وقوله تعالى: (ولتكن منكم أمة)[3] قد يفيد ضرورة تفرغ أو تخصص مجموعة لذلك، وكان ذلك من أسباب تفرغ رجال الدين للهداية والتبليغ على مر العصور.

ولا يبعد أن يراد بـ (الأمر بالمعروف) هنا: الأعم منه ومن النهي عن المنكر، لإطلاق كل واحد منهما على الآخر إذا انفرد، فإن الأمر بالصلاة وكذلك النهي عن شرب الخمر كلاهما أمر بالمعروف توسعاً.[4]

وقد وصـف سـبحانـه وتعالى الأمـة بأنهـا (خير أمة أخرجت للناس)[5] لأنها اتصفت بـ: (تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)[6] ولا يخفى ما لجعل الأمر والنهي في سياق الإيمان بالله من الدلالة على أهميتها.

وفي الحديث: (فبدأ الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة منه لعلمه بأنها إذا أديت وأقيمت استقامت الفرائض كلها هينها وصعبها....)[7].

قال (عليه السلام): (غاية الدين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)[8].

وقال (عليه السلام): (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلقان من خلق الله فمن نصرهما اعزه الله ومن خذلهما خذله الله)[9].

وقال (عليه السلام): (الأمر بالمعروف أفضل أعمال الخلق)[10].

مراعاة المصلحة العامة

مسألة: تجب مراعاة المصلحة العامة، وإنما استفيد من هذه الجملة وجوب مراعاة المصلحة العامة ـ مع قطع النظر عن الأدلة العقلية والنقلية الأخرى الدالـة علـى ذلـك ـ لأنهـا (عليها السلام) جعلتهـا العلـة الغائية لجعله سبحانه وتعالى (الأمر بالمعروف)، فقد أوجبه جل وعلا لأنه الطريق لمصلحة العامة، فلولا وجوبها لما ترشح الوجوب إلى الوسيلة والسبب، فتدبر. وغير خفي أن ذلك غير ما ذهبوا إليه من (المصالح المرسلة).[11]

فليست (المصلحة العامة) مشرعة، بل إنها تنقح موضوع القواعد الأولية والثانوية، وقد أوضحنا في العديد من الكتب أن الشؤون العامة يكون المرجع فيها هو (شورى الفقهاء المراجع).[12]

ومن البين أن مصلحة العامة على قسمين: مصلحة لازمة تمنع النقيض، ومصلحة ليست بتلك الدرجة، فالمانعة من النقيض واجبة، والراجحة مستحبة، كما أنه يعلم مما تقدم أنه أعم مما ينهى عنه أو يأمر به.

قولها (صلوات الله عليها): (مصلحة للعامة) لأن بالأمر بالمعروف تستقيم أمور العامة وتهتدي إلى سبل الرشاد، وبتركه تنحرف إلى ما يفسد دينهم ودنياهم. ومن مصاديق ذلك ما أشارت اليه الرواية الشريفة: (لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليستعملن عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم).[13]

ويظهر من الروايات الشريفة، ومن التدبر الكامل في أبعاد القضايا:

إنه يخطئ من يتصـور أن تركـه للأمـر بالمعـروف والنهـي عن المنكر ـ سواء كـان

منكـراً صـادراً من الحكومـة أم من آحـاد الناس ـ يخلصـه من المشاكل، ويجعله بمنحي عن البلاء، فقد قال الامام علي (عليه السلام):

(واعلما أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقربان من أجل ولا ينقصان من رزق)[14].

ولو تخلص من بلاء لأوقعه الله في بلاء أشد ولو بعد حين، كما في الرواية الآنفة: (ليستعملن).

بيان الأحكام

مسألة: يجب بيان الأحكام الشرعية للناس وجوباً كفائياً عموماً، ويمكن بيانها في الخطاب أيضاً، كما بينت الزهراء (عليها السلام) قسماً من الواجبات والمحرمات في خطبتها.

فإنها (عليها الصلاة والسلام) على حسب اقتضاء المقام بينت قسماً من الأحكام الشرعية للناس، وهي أسوة، والفعل ـ وكلامها من هذه الجهة من مصاديقه ـ في أمثال المقام دليل الرجحان، الأعم من الوجوب والاستحباب.

قال (عليه السلام): (بينوا ما ذكره الله)[15].

وقال (عليه السلام): (بينوا للناس الهدى الذي أنتم عليه)[16].

وقال تعالى: (ان الذين يكتمون ما انزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب اولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون)[17].

وقال سبحانه: (ان الذين يكتمون ما انزل الله من الكتاب ويشترون به ثمناً قليلاً اولئك ما يأكلون في بطونهم الا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم)[18].

[1] راجع موسوعة الفقه ج48 كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

[2] آل عمران: 104.

[3] آل عمران: 104.

[4] أي: أنه مجاز، للتلازم بينهما، إذ كل نهي عن المنكر يستلزم عقلاً وعرفاً الأمر بضده، فالنهي عن شرب الخمر يستلزم الأمر بترك شربه.

[5] آل عمران: 110.

[6] آل عمران: 110.

[7] وسائل الشيعة: ج11 ص402 ب2، ضمن الحديث 9، عن علي(عليه السلام).

[8] غرر الحكم ودرر الكلم ص332 ح7638، الفصل الثاني في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

[9] غوالي اللئالي ج3 ص189 باب الجهاد ح27. ومشكاة الأنوار ص48 عن الباقر(عليه السلام).

[10] غرر الحكم ودرر الكلم ص331 ح7632، الفصل الثاني في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

[11] راجع)الأصول(و(الوصائل إلى الرسائل(و)الفقه: القانون(للإمام المؤلف (دام ظله).

[12] يراجع حول هذا المبحث الكتب التالية: (موسوعة الفقه، كتاب البيع ح4و5) و(الشورى في الإسلام) و (الفقه: الدولة الإسلامية(للمؤلف دام ظله، وكذلك (شورى الفقهاء المراجع(و(شورى الفقهاء دراسة فقهية أصولية).

[13] تنبيه الخواطر ونزهة النواظر ج2 ص86. وغوالي اللئالي ج3 ص191 باب الجهاد ح36. ومشكاة الأنوار ص50 الفصل13.

[14] وسائل الشيعة: ج11 ص406 ب 3 ح9. وغرر الحكم ودرر الكلم ص332 ح7637، الفصل الثاني في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

[15] تفسير الإمام الحسن العسكري(عليه السلام): ص570.

[16] تصحيح الاعتقاد ص71 فصل في النهي عن الجدال.

[17] البقرة: 159.

[18] البقرة: 174.