الفهرس

المؤلفات

  الحديث الشريف

الصفحة الرئيسية

 

فانه (إنما يخشى الله من عباده العلماء)[1] (120)

الخشية من الله

مسألة: ينبغي إشراب الجنان الخشية من الله تعالى وقد تجب كل في مورده، لان الخشية التي تصد الإنسان عن المعاصي واجبة، أما الخشية التي تدفع الإنسان نحو إتيان المستحبات وترك المكروهات فهي مستحبة شرعا، ومع قطع النظر عن جانب (المقدمية) فإنها في حد ذاتها حالة مطلوبة وصفة إيجابية وميزة متميزة للمؤمن، قال سبحانه: (فلا تخشوا الناس واخشون)[2].

ومن الواضح ان العلماء بالله سبحانه وتعالى هم الذين يخشون، اما الجاهل بالله سبحانه وتعالى فلا يخشاه ، مثله ـ ولا مناقشة في المثال ـ مثل الجاهل بكون هذا أسدا أو أن الأسد مما يخاف منه، فانه لا يتجنبه، كما هو شان الأطفال والمجانين ونحوهما، ولذا قال الرسول (صلى الله عليه وآله)(ان المجنون حق المجنون المتبختر في مشيته الناظر في عطفيه المحرك جنبيه بمنكبيه)[3] وأما المجنون ـ عرفاً ـ الذي يقابل العاقل فقد قال (صلى الله عليه وآله) عنه: (وهذا المبتلى)[4].

وذلك أن العقل من العقال[5] فهو تلك القوة التي تردع الإنسان عن ارتكاب الضار والتقحم في الهلكات والاتيان بما لا يلائم، والمجنون هو الذي يقدم على الضار ويقتحم الهلكات دون سبب أو يأتي بغير الملائم من دون وجه، وأي جنون أعظم من ارتكاب معصية الله؟ وأي جنون أكبر من التمهيد لدخول النار؟ أو الفوز بسخط الجبار؟، قال تعالى: (ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبيناً)[6].

فأشارت (عليها السلام) الى أهمية الخشية ولزومه، قال علي (عليه السلام): (سبب الخشية العلم)[7].

وقال(عليه السلام): (الخشية ميراث العلم)[8].

وقال (عليه السلام): (غاية المعرفة الخشية)[9].

وقال (عليه السلام): (كان فيما أوحى الله تعالى جل ذكره الى عيسى عليه السلام: هب لي من عينيك الدموع، ومن قلبك الخشية، واكحل عينيك بميل الحزن)[10].

التنويه بمكانة العلماء

مسألة: تنبغي الإشارة تلميحاً أو تصريحاً بميزة ومكانة العلماء، وصفاتهم ومسؤولياتهم، وبيان أهمية العلم والعلماء في منظار الإسلام، قال سبحانه: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات)[11].

وقال تعالى: (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)[12].

وقال (صلى الله عليه وآله): (ان العلماء ورثة الأنبياء)[13].

وقال (عليه السلام): (العلماء باقون ما بقي الدهر)[14].

وقال (عليه السلام): (أشراف الناس العلماء)[15].

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): (فنحن العلماء)[16].

وذلك كله بالنسبة إلى العلوم الحقيقية، أما العلم المنحرف والعالم المنحرف فالأول باطل أو من مصاديق الجهل والثاني ضال مضل كما في الحديث: (اذا فسد العالم فسد العالَم).

قال (صلى الله عليه وآله): (العلماء رجلان، رجل عالم آخذ بعلمه، فهذا ناج، ورجل عالم تارك لعلمه فهذا هالك، وان اهل النار ليتأذون بريح العالم التارك لعلمه)[17].

قولها (سلام الله عليها): (فانه إنما يخشى) لعل وجه الترابط[18] هو: انكم حيث كنتم علماء بهذه الأمور التي ذكرتها فاللازم عليكم الخشية من الله تعالى والتي تتجلى في اتباع أوامره والارتداع عن نواهيه.

والمراد بالعلماء: العلماء بالله وصفاته وأفعاله، لمناسبة الحكم والموضوع، فان الحكم يضيق ويوسع الموضوع، كما ان عكسه أيضاً صحيح على ما ذكرناه في الأصول.

[1] فاطر: 28.

[2] المائدة: 44.

[3] معاني الأخبار ص237 باب معنى المجنون.

[4] معاني الأخبار ص237 باب معنى المجنون. وشبهه في مستدرك الوسائل ج8 ص239 ب49 ح9344. والمستدرك ج12 ص31 ب59 ح13431. وفي الخصال ص332 ح31 عن علي(عليه السلام) قال: (مر رسول الله (صلى الله عليه وآله) على جماعة، فقال: على ما اجتمعتم، قالوا: يا رسول الله هذا مجنون يصرع فاجتمعنا عليه، فقال (صلى الله عليه وآله): هذا ليس بمجنون ولكنه مبتلى) الحديث.

[5] راجع لسان العرب مادة (عقل) وفيه: (عاقل وهو الجامع لأمره ورأيه، مأخوذ من (عقلت البعير) اذا جمعت قوائمه، وقيل: العاقل الذي يحبس نفسه ويردها عن هواها، أخذ من قولهم (قد اعتقل لسانه) اذا حبس ومنع من الكلام.. العقل عقلاً: لانه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك، أي يحبسه.. و(اعتقل) حبس.. واصل العقل مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلاً، وهو حبل تثني به يد البعير الى ركبته فتشد به.

[6] الاحزاب: 36.

[7] غرر الحكم ودرر الكلم ص63 ح787 الفصل الحادي عشر في آثار المعرفة.

[8] عدة الداعي: ص78.

[9] غرر الحكم ودرر الكلم ص63 ح788 الفصل الحادي عشر في آثار المعرفة.

[10] قصص الانبياء للراوندي ص272 ح320.

[11] المجادلة: 11.

[12] الزمر: 9.

[13] الأمالي للشيخ الصدوق ص65 المجلس 14.

[14] تحف العقول ص169. والخصال ص186 ح257.

[15] ارشاد القلوب ص198 الباب53.

[16] بصائر الدرجات ص8 ح1. و الخصال ص123 ح115.

[17] الخصال ص51 ح63.

[18] حيث انها عليها السلام عللت (أطيعوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه) بـ (فانه إنما يخشى الله من عباده العلماء). ص40.