الفهرس

فهرس الفصل الرابع

المؤلفات

 الفقه والأحكام

الصفحة الرئيسية

 

حرية الوقف

الوقف عبارة عن حبس شيء وإطلاق منفعته على وجه مخصوص أو على وجه مطلق. والإنسان حر في أن يفعل الوقف أو لا يفعل، والوقف محتاج إلى القبض ولا يعتبر فورية القبض، فالموقوف عليه سواء كان وقف خاص، أو وقف عام حر في أن يقبض فوراً أو متأخراً إلا إذا رجع الواقف عن وقفه فلا أثر لقبضه حينئذ. كما أنه حر في أن يوقف حتى في مرض موته فإذا وقف في مرض موته صح, ولزم القبض في حياته ويكون منفذاً في الأصل على ما ذكرناه سابقاً، وهكذا الحال أن المريض حر في سائر تصرفاته المنجزة من بيع وشراء ورهن وإجارة ومضاربة ومزارعة ومساقاة ورهن وغير ذلك.

والإنسان حر في أن يوقف شاته أو إبله أو بقرته أو ما أشبه ذلك، فإذا وقف يشمل الموجود حال القبض من صوف على ظهره أو لبن في ضرعه أو غير ذلك، إلا أن يكون هناك عرف بخروج اللبن وما أشبه ذلك عن الوقف، وكذلك الحال في الثمرة على الشجرة وحمل الدابة والأغصان والأوراد وما أشبه ذلك، ويجري حكم الوقف على الثمار والحمل ونحوهما إذا حدث بعد القبض إلا مع الاستثناء أو الانصراف. وكذا حر في أن يوقف أي شيء تحت ملكه سواء كان ملكاً أو حقاً، لكن بشرط أن تكون المنفعة محللة طويلة فلا يصح الوقف على المنفعة المحرمة ولا على المنفعة غير الممتدة كوقف الريحان للشم والورد للتنزه والخبز للنظر أو ما أشبه ذلك.

كما أنه حر في وقف أي حيوان متعلق به ولو كان كلباً أو قطاً أو ما أشبه ذلك، وكذلك وقف الدنانير والدراهم لنفع مقصود كالضرب على سكتهما وإظهار الغنى بهما دفعاً للشماتة والتزيين بهما وجلب الاعتبار لنفسه إلى غير ذلك ومثلهما سائر أقسام النقد، سواء كان من النيكل أو النحاس أو الورق أو غيرها.

كما أنه حر في الوقف المشاع أو الكلي في المعين، ويكون قبضه كقبضه في باب البيع مما ذكرناه مفصلاً هناك.

كما أنه حر في أن يوقف إذا كان له جنون أدواري في حال الإفاقة.

نعم، لا يصح وقف المجنون مطلقاً ولا وقف الغافل والساهي والنائم والسكران والعابث والهازل والمغمى عليه والغالط ومن أشبههم، وكذلك لا يصح وقف الصبي قبل التمييز وبعد التمييز قبل البلوغ لكن جمع من الفقهاء صححوا وقفه إذا بلغ عشراً وهو مميز كامل التمييز كما أنه لا يصح وقف المكره، أما المضطر فيصح وقفه، وقد ذكرنا الفرق بين المكره والمضطر حيث تصح معاملات المضطر دون المكره في الفقه كتاب البيع.

الاشتراط في الوقف

والإنسان حر في التولية فيصح له اشتراط التولية والنظر في الوقف لنفسه ولأولاده وللعلماء أو لطبقة خاصة أو لفرد خاص وبعده لآخر، وهكذا لا يلزم أن يكون المتولي موقوفاً عليه. وكذا هو حر في أن يجعل المتولي غير الموقوف عليه أو نفس الموقوف عليه.

كما أنه حر أن يجعل المتولي عادلاً أو فاسقاً.

نعم، إذا جعله متولياً بوصف العدالة ثم فسق، فالولاية ترجع إلى الحاكم، أو أن الواجب على الحاكم ضم أمين إليه، كما ذكره جمع من الفقهاء والولاية لازمة، إلا أنه إذا اشترط الواقف في ضمن العقد الخيار لنفسه أو لغيره في تغيير الولي متى شاء فهو حر في ذلك، ويكون الشرط حينئذ نافذاَ، كما أنه إذا جعل الولاية لشخص خاص فلم يقبل حق له، ذلك لأن الإنسان حر في قبول الولاية والوصاية والوكالة وعدم قبولها.

كما أن الواقف حر في اشتراط شيء من نماء الوقف للمتولي أو عدم جعل شيء له سواء كان أقل من أجرة المثل أو أكثر أو مساوياً له، ولو شرط له شيئاً وأطلق قدره قال جمع بأنه يرجع إلى أجرة المثل وقال جمع يرجع إلى ما يصدق عليه الشيء انصرافاً عرفياً.

كما أن الواقف يجوز له بالإضافة إلى جعل المتولي جعل ناظر على المتولي، والناظر يمكن أن يكون معدوماً أو قاصراً حالاً، لكنه يشترط وجوده وكماله حين نظره.

وكذلك الإنسان حر في أن يجعل المتولي أو الناظر واحداً أو متعدداً كما أنه إذا جعل الناظر أو المتولي متعدداً كان له الحرية في أن يشركهما بأن يشترط أنهما يشتركان في العمل أو يجعل كل واحد منهما يعمل منفرداً أو يقول يشترط في زيد أن يكون بنظر عمرو ولا يشترط في عمرو أن يكون بنظر زيد، نعم، لو أطلق أنهما متوليان انصرف إلى الاشتراك. ووظيفة المتولي هي التعمير والإيجار وتحصيل النماء وقسمته على المستحقين أو وضعه في الجهة التي وقف لأجلها كالمشهد والمدرسة وما أشبه. كما أن من وظيفته حفظ الأصل وغير ذلك من مصالح الوقف، كما أن وظيفة الناظر إعطاء المشورة، فإذا كان هناك متول وناظر لا يصح للمتولي أن يشتغل إلا بنظر الناظر، ويحق للواقف أن يجعل المتولي أو لا يجعل بأن يهمل تعيين المتولي، وحينئذ تكون الولاية فيما يرجع إلى أهل كل بطن في الوقف الخاص إليهم وفيما يرجع إلى البطون اللاحقة.

وأما في الوقف على الأشياء العامة فالمتولي هو الحاكم الشرعي ووكيله.

والواقف حر في أن يجعل المتولي معدوماً حالاً وموجوداً حالاً معاً أو الموجود فقط، أما أن يجعله المعدوم ابتداءً فهو غير صحيح.

وكما يصح الوقف على الإنسان فالواقف حر في أن يوقف على الحيوانات بمعنى أن ثمرة الوقف تصرف إليها، وعلى ذلك فيصح الوقف على السنانير والكلاب وما أشبه ذلك، ولا يستبعد حرية الواقف أن يوقف على الحمل قبل أن ينفصل فيراعى لزومه في تولده حياً.

ويصح الوقف على المصالح كالمساجد والمقابر والحسينيات والقناطر والمراقد المطهرة للرسول صلّى الله عليه وآله وسلم وللأئمة الطاهرين والزهراء صلوات الله عليهم أجمعين وأولادهم العلماء، كما يصح الوقف على المدارس والسقايات وكتب العلوم والقرآن الكريم وما أشبه ذلك.

ولا يستبعد حرية الواقف في أن يقف على أحد هذين أو أحد المشهدين أو أحد الفريقين أو ما أشبه ذلك لأنا ذكرنا في الفقه أنه أهون من الوقف على الكلي بانحصاره في فردين أو أكثر بينما الكلي غير منحصر في معين بل منتشر أفراده.

ويصح الوقف على الكافر الذمي كما أنه يصح وقف الكافر على الأشياء العامة كالمساجد والقناطر وما أشبه ذلك. ولو وقف الكافر على الكنائس وكتابة التوراة والإنجيل وسائر الكتب المقدسة عندهم صح في نظرنا من باب قانون الإلزام.

عند تعيين الوجه وعدمه

والإنسان حر في الوقف على الفقراء أو المساكين أو العلماء أو الخطباء أو من أشبه ذلك، فإذا وقف على الفقراء انصرف إلى فقراء المسلمين أو فقراء أهل مذهبه خاصة إذا كان انصرافاً خاصاً، ولو وقف على مصلحة أو جماعة فبطل رسم المصلحة أو أبيدت الجماعة صرف إلى الأقرب إلى المصلحة وإلى الجماعة من سائر وجوه البر بشرط أن لا يكون الوقف باطلاً بسبب انقطاع الآخر، كما إذا عيّن هو المصرف بعد المصلحة الأولى وجهلنا به نحن، ولو فرض أنه عادت المصلحة الأولى بعد ذلك عاد تعين الصرف إليها. وكذا هو حر في أن يوقف على وجوه البر سواء خصوصاً أو عموماً، وإذا أطلق صرف إلى الفقراء والمساكين والجهاد والحج وبناء المساجد والمدارس والحسينيات والمقابر وسائر المصالح التي يتقرب بها إلى الله عزّ وجلّ، ومثل هذا يجوز صرفه إلى الغني أيضاً إلا أن يكون انصراف إلى الفقير.

وكذا هو حر في أن يوقف على قبيلة خاصة أو على بلد خاص أو على فقراء قطر خاص مثلاً، ويصرف إلى من وجد منهم، ولا يلزم الاستيعاب إلا إذا كانت الجماعة قليلة وأمكن استيعابها وكان نظر الواقف ـ تصريحاً أو انصرافاً ـ الاستيعاب.

وكذا هو حر أن يوقف على أولاده أو على أخواته على إخوانه أو على ذوي قرابته وما أشبه ذلك، فإذا وقف كذلك اشترك الذكور والإناث والأدنى والأبعد والتساوي في القسمة إلا إذا اشترط ترتيباً أو اختصاصاً أو تفضيلاً فيتبع شرطه، أو يكون هناك انصراف فيتبع الانصراف كما أنه إذا كان لكلامه إطلاق ولم يكن هناك انصراف جاز للمتولي التقسيم بالتفاضل أو بالتساوي. وكذا هو حر في أن يوقف على أولاده، ثم على العلماء أو على الفقراء أو على جهة كالمساجد والمدارس.

كم أنه حر في أن يكون الوقف على أولاده سنة مثلاً وبعد السنة إلى الفقراء أو المساجد أو ما أشبه ذلك. وهكذا هو حر في أن يشترط في الوقف على الأولاد كون النماء في أول سنة مثلاً لبعض ولده، وفي السنة الثانية للبعض الآخر وهكذا، فإن انقرضوا ففي السنة الأولى العلماء، وفي السنة الثانية للفقراء، وفي السنة الثالثة للخطباء وهكذا.

وللإنسان الحرية في أن يوقف في حال حياته أو يوصي بالوقف بعد وفاته، فإذا أوصى بذلك لم يصح الوصي أن يوقف أكثر من ثلثه إلا إذا أجاز الورثة في الزائد عن الثلث، كما أنه حر أن يوقف على أولاده وأولاد نسله الأصاغر ويرجع في الصغر وغير الصغر إلى العرف، كما أنه يجب أن يقبض هو عنهم.

ولا يستبعد أن يكون الإنسان حراً في أن يوقف بقصد القربة أو بدون قصد القربة وإن قال جمع من الفقهاء بأن الوقف بدون قصد القربة باطل.

كما أن الإنسان حر في أن يوقف مطلقاً أو يوقف ويشترط على الموقوف عليهم قضاء ديونه المعينة أو الإنفاق عليه مدة معلومة من عند أنفسهم، وهكذا لو شرط أكل أهله وعياله من ثمرة ما يوقفه من البستان أو شرط أكل الناظر وإطعامه منه.

ولو وقف على الفقراء أو الفقهاء أو الخطباء أو ما أشبه ذلك ثم صار هو منهم جاز له مشاركة أهل ذلك العنوان.

والواقف حر في أن يشترط إدخال من يولد له بعد ذلك أو يريده الواقف مع الموقوف عليهم من غير فرق بين كون الوقف على أولاده أو غيرهم، وإذا وقف الإنسان على مصلحة عامة فهو حر في أن يقبضه الناظر أو يقبضه الحاكم الشرعي، وهو حر في أن يشترط ثمرة العقار كيفما أراد، فإن أطلق فعن غلتها فإن قصرت لم يجب الإكمال إلا إذا كان الترك سرفاً، وكذلك الحال في الوقف على الحيوانات لو قصرت الغلة عن حاجة الحيوان، فإن الواجب إكماله حفظاً لذي الروح.

والإنسان حر في أن يوقف وقفاً مطلقاً أو يقيد الوقف بسبيل الله عزّ وجلّ فإذا وقف وقيده بسبيل الله صرف إلى ما يكون وصلة إلى الثواب كالجهاد والحج والعمرة وبناء المساجد والمدارس والحسينيات والقناطر والفقراء والمساكين والمرضى وغيرهم، وكذلك لو قال في سبيل الثواب أو في سبيل الخير أو في سبيل المسلمين أو ما أشبه ذلك، كما أنه حر بين أن يجعل الوقف لمفرد أو لمجموع، وقد يقول وقفته للقناطر وقد يقول وقفته للقناطر والمساجد والحسينيات وما أشبه ذلك، فإذا ذكر المتعدد قسمت الفائدة عليه إما أثلاثاً وإما بالاختلاف حسب عرف الواقف.

نعم، هو حر في أن يقول: قسِّموا بالسوية أو بالاختلاف.

وهو حر في أن يوقف ويقول في وقفه على أولاد أولاده، وحينئذ يشترك أولاد البنين والبنات ذكورهم وإناثهم من غير تفضيل، إلا أن تقوم قرينة أو يشهد عرفه بإرادة الذكور من أولاد البنين خاصة، أو هم مع إناث أولاد البنين أو على التفضيل لأولاد البنين على أولاد البنات أو تفضيل الذكور منهم على إناثهم فيتبع العرف الخاص بالواقف.

وكذلك هو حر في أن يوقف على من ينتسب إليه فإذا كان انصراف مثل أن انصرف إلى الذكور أو إلى الذكور والإناث معاً، وإذا لم يكن انصراف فالانتساب يحصل بالذكور وبالإناث معاً، وهو حر في أن يوقف على أولاده وأولاد أولاده فإذا قال مثل هذه العبارة فالمتبع في شمول اللفظ لأولاد الأولاد مع وجود الأولاد القرائن الخارجية من العرف وغير العرف كما أن له الحرية في أن يقول للأولاد أولاً ثم أولاد الأولاد ثم أولادهم أو يقول كلهم مشتركون مع التساوي أو مع التفاضل، وإذا لم نعلم هل أنه قصد التساوي أو التفاضل ولم يكن عرف جاز للمتولي التفاضل، لأن الأصل عدم الخصوصية فيه.

ولو وقف بناءً فخرب أو خربت القرية أو البلد أو المحلة أو صارت المحلة أجمة أو بحراً أو غابة أو ما أشبه ذلك صارت الأرض حرة وكانت لكل المسلمين كسائر الموات. كما أن الإنسان حر في إجارة أرض المسجد الباقية على الوقفية للزراعة ونحوها مع المحافظة على آداب المسجد لكن يلزم إحكام السجلات، لئلا تغلب اليد عليها وصرف الأجرة فيما يماثلها من الأوقاف مقدماً للأقرب والأحوج والأفضل وفيما لا يماثلها مع تعذر المماثلة، وهكذا حال الحسينيات والمدارس والمكتبات وسائر الأوقاف من هذا القبيل.

كما أنه حر في الأوقاف المنقولة كأثاث المساجد والفرش والحيوانات والمصابيح وغيرها، فإذا لم يكن الانتفاع بها فيما وقفت له فاللازم أن يصرفها فيما يماثل الموقوف، وإذا سقط عن ذلك أيضاً باعها وصر ثمنها من نفس المسجد أو المماثلة وإذا لم يبع إطلاقاً ولم ينتفع به للمسجد ونحوه صار حراً لكل إنسان التصرف فيه، وما ذكرناه في المسجد والأوقاف العامة جارية في الأوقاف الخاصة كالدار الموقوفة والحمام الموقوف والدكان الموقوف والفندق الموقوف وما أشبه ذلك.

إذا خرب الوقف أو تبدل

والإنسان حر في بيع الوقف فيما إذا خرب بحيث لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه إطلاقاً، ومثله الحيوان الموقوف الذي ذبح والجذع البالي والحصير الخلق والقدر المكسور والمصابيح المتكسرة وما أشبه ذلك مما لم يمكن إصلاحه والاستفادة منه، وكذلك حال الحمام والخان والمدرسة ونحوها إذا انهدمت ولم يمكن عمارتها بوجه حتى بالإيجار مدة ولا الانتفاع بخرابها إطلاقاً حتى بالإيجار لوضع شيء وإحرازه فيه، ولو نقص الثمن عن تحصيل البدل على وجه الاستقلال وأمكن شراء جزء مشاع يكون بدلاً فالإنسان حر في شراء المشاع ووقفه وصرفه في الوقف السابق، وإذا لم يفد الوقف السابق كما فيما إذا تبدلت القرية مسيحية مثلاً ولا ينتفعون بالمسجد الذي فيه إطلاقاً أو بالمدرسة صرف في المماثل الذي ينتفع به إما في ذلك البلد أو في بلد آخر، ولو لم تحصل عين مساوية للثمن ودار الأمر بين شراء ما يعوز الثمن عنه وبين شراء ما يقل عنه، فالإنسان حر في شراء الثاني وحفظ باقي الثمن ليمكن شراء شيء به أو يصرف في وقف مماثل إلا إذا أمكن بيع ما به التفاوت منه فيشتري ما يعوز عنه الثمن ويوقف مقدار الثمن ويباع الزائد ويوفى بثمنه بقية حق البائع.

ومما ذكرنا تظهر الحرية بالنسبة إلى سائر الأشياء كالنخلة الموقوفة المقلوعة سواء كان في بستان أو حديقة أو منفردة وانكسار الجذع من الشجرة والنخلة والرمانة والدابة ومرضها بحيث لا ينتفع بها إطلاقاً.

والواقف حر في أن يشترط في عقد الوقف بيعه عند الحاجة أو إذا كان فيه صلاح البطن الموجود أو جميع البطون أو عند مصلحة خاصة كأيام القحط وما أشبه حتى يصرف في الفقراء فإنه حسب ما يشترط لأن المؤمنين عند شروطهم، فيباع الوقف حينئذ إذا حصل ما ذكره ويصرف ثمنه فيما ذكر ومثل الحكم الذي ذكرناه في السابق حال المدارس والرباطات والسقايات والقناطر والمقبرات العامة والكتب الموقوفة على المشتغلين والسيارات والقطارات والمطارات، وما أشبه ذلك مما توقف، وكذا حال أجزائها وإذا أجر أحد البطون الوقف مدة ثم مات المؤجر قبل انقضاء المدة انتقل حق الانتفاع من حين موته إلى البطن الذي بعده.

وهو حر في إجازة الإجارة السابقة وفسخها فإن فسخ بطلت الإجارة ورجع المستأجر بما قابل المدة المتخلفة من الأجرة على ورثة المؤجر وإن أجاز صحت الإجارة وكان ما قابل المدة المتخلفة من الأجرة للبطن المتأخر.

والإنسان حر في الوقف على الفقراء أما مطلق الفقراء أو فقراء بلده أو الفقراء من قسم خاص كالعلماء والخطباء ومن أشبه، والظاهر أنه لا يجب تتبع جميع الفقراء إلا إذا كانوا قلة قليلة مما يكون انصراف الوقف إلى إعطائهم جميعهم، وفي وجوب التساوي وعدم التساوي ما يستفاد من كلام الواقف، فإذا لم يستفد منه شيء لم يجب التساوي فيكون المتولي حراً في أن يساوي بينهم أو لا يساوي، ولو وقف على العلويين كان حاله حال الوقف على الفقراء، كما أنه حر في أن يوقف على قسم خاص من العلويين كالحسينيين أو الرضويين أو ما أشبه ذلك، ولو فقد المصرف في البلد كما لو كان موقوفاً على الفقهاء أو الخطباء ولا فقيه ولا خطيب في البلد لزم التتبع والنقل إلى فقيه أو خطيب في سائر البلاد ولا يشترط الأقرب فالأقرب، وإذا كان ثمة فقهاء في البلد وفي غير البلد فالمتولي حر في القسمة على أحد البلدين أو على كلا البلدين بالتساوي أو غير التساوي على ما تقدم، ولو وقف على الأمور الخيرية أو في سبيل الثواب أو ما أشبه ذلك يجوز تزويج العزاب وإعطاء الفقراء وجعله في دواء المرضى وبناء المستشفيات والمستوصفات والبنوك المساعدة للناس وحقول الدواجن المساعدة لهم أو من أشبه ذلك.

والمالك للعين المؤجرة حر في وقفها قبل انقضاء مدة الإجارة لكن لا يستحق الموقوف عليه من الأجرة شيئاً.

والإنسان حر في أن يجعل المسجد كل الساحة أو بعض الساحة أو فوقها أو تحتها أو وسطها، أو ما أشبه ذلك، فإن الوقوف على حسب ما أوقفها أهلها.

والواقف حر في أن يوقف جميع المنافع أو بعض المنافع، فإذا وقف جميع منافع الحيوان مثلاً فصوفه ولبنه ونتاجه، وكذلك بالنسبة إلى الأشجار ثمارها وأجرة العقار والحيوانات وما أشبه ذلك كلها تكون موقوفة أما إذا خص منفعة خاصة بالتسبيل فإن ما عداها يبقى للواقف، وكذلك إذا وقف نصف الحيوان فإن نصف الآخر للواقف فيكون الأمر مشاعاً فصوفه ولبنه ونتاجه وما أشبه ذلك يقسم بين الواقف وبين المصرف المقرر.

وهل الإنسان حر في أن يوقف المسجد وقفاً عاماً أو وقفاً خاصاً على قوم بأعيانهم كالفقهاء أو الشيعة أو نحو ذلك؟ مشكل جداً وإن قال بذلك بعض الفقهاء فـ(إن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً).

والإنسان حر في أن يوقف المدرسة مطلقة أو لجهة خاصة كطلب الفقه أو طلب الطب أو طلب الهندسة أو نحو ذلك، فإن وقفه وقفاً عاماً صح لكل طالب أن يطلب مطلوبه فيها أما إذا وقف وقفاً خاصاً فلا يصح إلا لذلك القوم الخاص.

والإنسان حر في أن يوقف هكذا بأن يقول وقفت على أولادي الخمسة فمن مات منهم عن ولد فنصيبه لولده وإن مات بغير ولد فسهمه لأهل الوقف أو للفقراء والمساكين أو ما أشبه ذلك، كما أنه حر في أن يقول وقفت على أولادي على أن يكون للبنات ضعف البنين أو للبنات حصة كذا، كألف دينار والباقي للبنين أو ما أشبه ذلك.

وكذا هو حر في أن يوقف على مستحق الزكاة فإن لم يكن هناك انصراف إلى الفقراء كان مصرفه الأصناف الثمانية.

وهو حر أيضاً في أن يغرس في المسجد أو الحسينية أو المدرسة أو ما أشبه ذلك الغرس بإجازة المتولي أو الحاكم الشرعي إذا لم يكن مزاحماً لأهل الوقف، لكن لا يصح غرس الشجرة لمنفعة نفسه أو لمنفعة شخص خاص إلا إذا أجازه المتولي أو الحاكم الشرعي لمصلحة في ذلك للمسجد وأهل المسجد، ولو وقف أرضاً فيها شجرات مسجداً أو مدرسة أو حسينية، فإن قصد أن الوقف يشمل الأشجار فهو وإن لم يقصد ذلك تبقى الأشجار ملكاً له، كما أنه حر في أن يوقف البئر بمائها والنهر بمائه والقناة بسائر خصوصياتها والتي منها المياه، أما إذا وقف القناة مثلاً ظرفاً فقط لا ماءً فهو صحيح أيضاً كما أنه يصح أن يوقف الماء لا القناة، ولا يبعد أن يكون الإنسان حراً في وقف العين المرهونة وما أشبه ذلك من الأعيان التي تتعلق بها حقوق الغير، لكن الوقف يقع مراعى بفك تلك العين عن حق الغير.