الفهرس

فهرس الفصل الخامس

المؤلفات

 الفقه والأحكام

الصفحة الرئيسية

 

حرية السكنى والعمرى والرقبى والحبس

وهي عقود أربعة.

الإنسان حر في إجرائها أو عدم إجرائها وكلها لازمة، ثمرة كل منها إباحة منفعة عين مدة مع بقاء العين في ملك مالكها، والاختلاف بينها إنما هي في تقيد:

الأولى: بخصوص الانتفاع بالسكنى فلا تجري في غير ما يسكن من الأعيان كالبئر والنهر والقناة وما أشبه.

الثانية: يقترن بالعمر.

الثالثة: يقترن بالرقبة.

الرابعة: يقترن بالمدة. وقد يطلق على جميعها الحبس. كما أن الحبس يطلق على الوقف أيضاً.

والإنسان حر في أن يفعل المذكورات بالعقد اللفظي أو المعاطاة.

ففي العقد اللفظي يقول: أسكنتك هذه الدار أو الخان أو الفندق أو المسكن أو الحانوت أو نحو ذلك، ويذكر مدة.

وفي العمرى يقول: أعمرتك هذه الدار أو الفندق أو ما أشبه، أو أعمرتك هذه العين عمرك أو عمري، بل ربما يقال بأنه يصح أن يقول: أعمرتك عمر أبيك أو عمر ابنك أو عمر زيد الفلاني.

وفي الرقبى يقول: أرقبتك هذه مدة كذا.

وفي الحبس يقول: حبست عليك كذا.

وفي العمرى يصح أن يجعله لمدة عمره أو عمر الدراجة النارية وعمر ولده أو عمر ولده ومن بعده. وهكذا فلو قال في العمرى: أعمرتك هذه الدار لك ولعقبك كانت عمرى ولم ترجع إلى المعمر ما دام عقب المعمر له موجوداً فإذا انقرضوا عادت العين إلى وارث المعمر نفسه في ذلك الوقف.

والإنسان حر في أن يجعل هكذا أو هكذا، كما أنه لا يجوز له الرجوع في السكنى والرقبى والحبس المقرونات بمدة قبل انقضائها ولو قرن العمرى بعمر المالك انتقل حق الانتفاع من المباح له بموته إلى وارثه إلى أن يموت المالك فإذا مات زال حق وارث المباح له، ولو قرن السكنى بعمر المباح له، ثم مات المالك لم يسقط حق المباح له بذلك ولم يكن لورثته منعه من الانتفاع، ولو مات المباح له لم يكن لوارثه الانتفاع وعادت المنفعة إلى المالك.

كما أنه حر في أن يطلق المدة أو يقيدها بعشرين سنة وعشر سنوات وما أشبه ذلك. فلو أطلق المدة ولم يعينها كان له الرجوع متى شاء، فإذا مات ولم يرجع هو بنفسه كان حق الرجوع لوارثه.

وكذا هو حر في أن يجعل السكنى في كل شيء يسكن أما غير ما يسكن فليس من السكنى في شيء بخلاف العمرى والرقبى والحبس، فإنه كل ما يصح وقفه يصح إعماره وإرقابه وحبسه من دار ودكان وعقار وأثاث وحيوان ونخيل وبساتين وما أشبه ذلك.

والإنسان بعد هذه الأربعة حر في أن يبيع العين أو لا يبيع لكن لا يبطل شيئاً من العقود الأربعة بخروج العين عن ملك البائع بالبيع وغير البيع من النوافل كالهبة والهدية وما أشبه ذلك من غير فرق بين كون المقرون بمدة معلومة، وبين كون المقرون بعمر أحدهما أو عمر ثالث ولا بين كون المشتري هو المباح له أو غيره، نعم، إذا كان المشتري جاهلاً تخير بين الصبر إلى انقضاء المدة مجاناً وبين الفسخ، أما إذا كان عالماً وأقدم على ذلك فلا خيار له.

كما أن المالك حر في أن يؤجر العين بعد المدة المباح فيها المنفعة إذا كانت المدة معلومة وكذلك الحال هو حر فيما إذا كانت المدة تمام العمر، لكن يلزم أن يجعل الإجارة بعد عمر ذلك الذي جعل العمري له، وإذا عقد السكنى فالإنسان المعقود له حر في أن يستصحب معه زوجته وأولاده وخدمه ودابته وأمتعته وظروفه وأطراف بحثه وما أشبه ذلك، إلا إذا كان هناك انصراف أو تقييد، فإن المعمر حر في أن يقيد أو لا يقيد.

وكذا هو حر في أن يشترط أو لا يشترط سواء بالنسبة إلى الساكن أو المسكن، فلو شرط الساكن على المالك إسكان من لا يجوز استصحابه عند إطلاق الإسكان جاز له استصحابه ولا يجوز للمسكن بالفتح أن يؤجر المكان ولا أن يسكن غيره إلا إذا كانت السكنى شاملة لذلك، أو كان إذن المالك فيه أو شرط هو ذلك على المالك فحينئذ هو حر في إسكان غيره معه.

والمالك حر في أن يعمّر أو لا يعمّر ما أباح منفعته بشيء من تلك العقود الأربعة. وقال بعض الفقهاء بوجوب التعمير المتوقف عليه انتفاع المباح له، لكنه إذا كان هناك انصراف وإلا فلا دليل على الوجوب.

كما أن الساكن ونحوه حر في تعمير ما أبيح له بما يتوقف عليه انتفاع المباح له إلا إذا كان هناك شرط أو انصراف بالعدم، نعم، لا يجوز لأحدهما التعمير المضر بحال الآخر إلا إذا كان بإذنه فهو حر في أن يأذن أو لا يأذن.

وكذا هو حر أن يقيد الانتفاع في العمر بعمر المالك أو عمر المباح له وحده أو بإضافة عقبه إليه مطلقاً أو مقيداً إلى العقب الثالث أو الرابع أو ما أشبه ذلك أو يقيده بعمر أجنبي، كما أنه حر في أن يجعل السكنى له ولبعض معين من عقبه أو بعض مطلق، كما أنه حر في أن يجعل له مدة عمره ولعقبه مدة مخصوصة أو مطلقة، وحر أيضاً في ذكر المدة في السكنى والحبس وعدم ذكرها فيجوز له الإطلاق كما يجوز له التقييد بمدة طويلة أو قصيرة، لكن لا تكون طويلة جداً كألف سنة ولا قصيرة كشهر وساعة وما أشبه ذلك. والإنسان حر في الحبس أن يقرنه بمدة أو لا يقرنه فإذا قرنه بمدة لم يجز له تغييره ما دامت المدة باقية سواء كان عاماً كحبس شيء على الفقراء أو الفقهاء من غير تقييد للمدة وحبس فرسه وسيارته في سبيل الله تعالى وحبس وسيلة من وسائل الانتفاع لمسجد مخصوص أو مرقد مخصوص أو الكعبة المشرفة أو ما أشبه ذلك أو كان خاصاً كحبس عين من أمواله على شخص معين من رحم أو أجنبي مسلم أو كافر يجوز الوقف عليه، فإذا انقضت المدة زال الحبس وعادت العين إلى مالكها الفعلي من حابس أو وارث وحتى الإمام فيما إذا لم يكن له وارث، وكلا الطرفين حران في جعل نفقة الحيوان والمحبوس على الحابس أو على المحبوس له وإذا لم يكن هذا ولا ذاك وكان للحيوان كسب تعطي النفقة كانت من كسبه وكذلك حال الحيوان المجعول عمرى أو رقبى، كما أنهما حران في أن يشترطا أن يكون البعض على هذا والبعض على ذاك بالتساوي أو بغير التساوي.