الفهرس

فهرس الفصل السادس

المؤلفات

 الفقه والأحكام

الصفحة الرئيسية

 

حرية الوصية

والإنسان حر في أن يوصي أو لا يوصي، لكن إذا كان عليه واجب إنساني أو إلهي ويتوقف ذلك على الوصية وجبت الوصية.

والوصية عبارة عن تمليك عين أو منفعة أو إجازة على تصرف بعد الوفاة هذا هو معناها الاصطلاحي.

أما معناها اللغوي فتشمل كل نصيحة بخير فيقال وصى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم أباذر بكذا ووصى علي عليه الصلاة والسلام الحسن والحسين عليهما السّلام بكذا وهكذا.

والإنسان حر في الوصية مطلقة أو مقيدة كما إذا قال ادفعوا عني كذا إذا مت من مرضي هذا أو في سنتي هذه أو في سفري هذا أو في عمليتي الجراحية هذه أو ما أشبه ذلك، والموصى حر في رد أو قبول الوصية التمليكية في حياة الموصي، ولو مات الموصى له قبل القبول قام وارثه مقامه في قبول الوصية إذا كانت الوصية بحيث تشمل الوارث، سواء كان موته في حياة الموصي أو بعد موته ولا بين علم الموصي بموته وعدمه، وحينئذ فالوارث حر في القبول وعدم القبول، وإنا ذكرنا في الفقه أن الإنسان لا يصح أن يتصرف في نفسه بغير إرادته، ومنه يعلم أن وارث الوارث أيضاً له حق القبول والرد، كما أن الورثة إذا كانوا متعددين كان لكلهم القبول أو لكلهم الرد أو لبعضهم القبول ولبعضهم الرد، فلو قبل بعض الورثة ورد البعض الآخر تصح الوصية بالنسبة إلى سهم القابل خاصة وتبطل بالنسبة إلى سهم الراد إلا إذا علم إرادة الموصي تمليك المجموع بوصف الاجتماع.

وللموصي أن يوصي للموصي له بدار أو عقار أو أرض أو منقول أو حيوان أو شجر أو غير ذلك. فلو أوصى له بأرض فمات قبل القبول فورثت زوجته منها بالقبول، فإن هذا ليس من قبيل الإرث وإنما هو من قبيل التمليك، ولو كان الموصى به من الأعيان التي يحبى به الأكبر لم يجب حينئذ إلا إذا رد الموصي إليه حيث يرجع إلى الموصي فيكون من بعده حبوة لولده الأكبر، ولو مات الموصى له ولم يخلف وارثاً غير الإمام عليه الصلاة والسلام فله القبول أو الرد، والحاكم الشرعي يقوم مقامه كما قرر في باب الولاية.

والإنسان حر في أن يوصي في أي سبيل خير إلا في معصية الله سبحانه وتعالى كمعونة ارتكاب المعصية مثل إعطاء الزناة والخمارين ومن أشبه ذلك لصرفه في معاصيهم، أما إعطائه لهم لصرفه في أكلهم وشربهم بما هم بشر أو ما أشبه ذلك فلا بأس به.

والموصي حر في إبقاء وصيته أو ردها لأنها عقد جائز ما دام حياً سواء كانت بمال أو ولاية أو غير ذلك، وسواء لحقها قبول الموصي له أم لا، فله الرجوع إما باللفظ كرجعت عن الوصية الفلانية أو فسخت أو ما أشبه ذلك أو بالعمل على ما يبطل الوصية كما إذا أوصى بإعطاء دينار لزيد هذا الدينار الخاص ثم أعطاه لفقير أو ما أشبه ذلك، وكذلك حالهما حال الرد بالكتابة والإشارة. كما أن الموصي حر في عرض الموصي به على البيع أو الرهن أو الإجارة أو الهبة أو القرض أو نحو ذلك من موانع التصرف أو إبطال اسم الموصي به كطحن الحنطة وعجن الدقيق وغزل القطن ونسج الغزل وتفصيل القماش وخلط الموصي به بمجانسة أو غير مجانسة وزرع الأرض الموصى بها ونحو ذلك فإذا كشف هذه الأمور عن ردها عن الوصية كشفاً عرفياً بطلت وإذا لم يكشف أو شككنا ذلك فالأصل بقاء الوصية.

وكما أن الموصي حر في الرجوع عن جميع الوصية كذلك حر في الرجوع عن بعضها وإبقاء البعض الآخر على حاله، سواء كان بولاية أو بمال أو منفعة أو ما أشبه ذلك.

والموصي حر في أن يوصي بألفين أو بألف أو بأكثر أو بأقل لشخص أو لجهة فلو قال أعطوا زيداً ألفاً وقال مرة ثانية أعطوه ألفاً فإن علمنا أنه يريد الألفين أعطي، وإن لم نعلم ذلك فالظاهر أنه تأكيد فلا يعطي إلا الفاً واحداً، وهكذا الحال كلما شك في التأكيد أو التأسيس، فإن الأصل وإن كان التأسيس لكن عند الشك في أمثال هذا المقام الأصل عدم التكرار، كما إذا قال ابنوا مسجداً بعدي ثم قال مرة ثانية ابنوا مسجداً بعدي أو زوجوا أعزباً ثم قال مرة ثانية زوجوا أعزباً، وهكذا.

والإنسان حر في الوصية وعدم الوصية فيما إذا كان جائز التصرف فلا تمضي وصية المفلس بالنسبة إلى ما عدا المستثنيات بعد الحجر عليه.

ولو كتب فضول وصية لإنسان وذلك الإنسان حر في أن يقبل أو لا يقبل إذ الوصّية حينئذ تكون فضولية لا تكون نافذة إلا مع إجازة الموصي، فله الحق في الإجازة، وفي الرد أو في إجازة البعض دون البعض، والحرية للموصي إنما تكون بعد بلوغه الشرعي كما ذكروا موازين البلوغ في كتاب الحجر، أما إذا بلغ عشراً مع كونه بصيراً وكون وصيته من وجوه البر لأقاربه ونحو ذلك ففيه خلاف هل تقبل أو لا تقبل؟ أما السفيه فالظاهر أنه حر في الوصية إذا كانت الوصية عقلائية بخلاف ما إذا لم تكن عقلائية، كما إذا أوصى السفيه بأن يعطي عنه الصوم والصلاة والحج وما أشبه ذلك، مما يفعله غير السفهاء أيضاً، نعم إذا كان السفه بحد الجنون ولو أول مراتبه لم تنفذ وصيته.

الإنسان حر في أن يوصي أو لا يوصي، ثم الموصى له حر في أن يقبل أو لا يقبل. والوصية عبارة عن تمليك عين أو منفعة أو حق أو تسليط على تصرف بعد الوفاة، نعم، إذا كان عليه حق واجب لا يمكن أداؤه إلا بالوصية وجبت.

الإنسان حر في أن يوصي مطلقه أو يوصي مقيده فقد يقول: افعلوا كذا بعد مماتي وقد يقول: إذا مت في مرضي هذا فافعلوا كذا أو إذا مت في سنتي هذه أو سفري هذا أو نحو ذلك.

والوصية المطلقة تبقى نافذة إلا إذا سحبها. والوصية المقيدة مقيدة بما ذكرنا، فإذا لم يمت في مرضه أو في سنته أو في سفره أو ما أشبه ذلك لم تكن الوصية سارية المفعول.

كما أنه حر في الوصية العهدية للعلماء والفقراء والمساجد والمدارس عامة أو خاصة كفقراء بلده ومساجد بلد فلان.

كما أنه حر في الوصية اللفظية أو بالإشارة أو بالفعل الكاشف عما في ضميره كشفاً بيناً أو بالكتابة وهو حر في أن يقول أعطوا فلاناً بعدي كذا، أو يقول هو له بعدي.

والشهود أحرار في أن يشهدوا أو لا يشهدوا على الوصية، كما أنه حر في أن يستشهد أو لا يستشهد ولا يلزم الموصي أن يظهر الوصية للشهود، فإذا قال فاشهدوا عليّ بهذه الورقة فإن فيها وصيتي ولم يطلعهم على ما فيها أو اشهدوا جميعاً على أن الكتاب خطي وفيها وصيتي ولم يطلعهم على ما فيه لزم العمل به على الوصي بعد موته.

والموصي له بالمال إذا قبل انتقل إليه المال بعد الموت وإذا لم يرد ولم يقبل ومات الموصي فهو حر في أن يقبل أو لا يقبل فإذا قبل فهو له وإذا لم يقبل رجع المال إلى الورثة.

شرائط الوصية

واشترطوا في الموصي أن لا يكون قاتل نفسه فلو جرح نفسه عمداً عصياناً بما فيه هلاكه ثم أوصى بمال لم تقبل وصيته، نعم، لو بريء من ذلك الجرح أو المرض أو ما أشبه ذلك، فهو حر في أن يوصي أو لا يوصي فإن وصيته نافذة، ولو كانت الجناية خطأً لم تمنع من نفوذ وصيته، وكذلك حر في أن يوصي أو لا يوصي فيما إذا كان الجرح مأذوناً فيه شرعاً، ومثل الجرح في الفرعين شرب السم والطفرة من مكان عال وغير ذلك.

كما أن الجارح نفسه حر في الوصية بغير المال، فإذا وصى مثل أن يوصي أن يغسله فلان أو يدفن في المكان الفلاني أو ما أشبه ذلك. فالوصية نافذة ولو كان الجرح القاتل عصياناً بعد الوصية لم يفسد الوصية وإن كان عازماً حين الوصية على إيجاد سبب الهلاك بعدها.

كما أن الإنسان حر في الوصية بالولاية على أطفاله ويكون ذلك الموصي إليه قيماً سواء كان الموصي أباً أو جداً فهو حر في أن يوصي إنساناً أي إنسان كان أماً أو غير أم من الأقرباء أو من غير الأقرباء من العدول أو من غير العدول.

وكذا هو حر في العدول أو من عدم العدول، وكذا حر في أن يوصي إلى شخص ويجعل النظر إلى الآخر، فيكون الناظر ناظراً في تصرفات الوصي، ويلزم على الوصي اتباع الناظر في أنظاره.

وتصح للأم الوصية بثلث مالها لأولادها الصغار، وكذلك تصح الوصية من الأب هكذا سواء بالتساوي أو بغير التساوي، سواء مفضلاً الذكر على الأنثى أو بالعكس.

وكذا هو حر في الوصية بكل ما فيه غرض عقلائي محلل من العين والمنفعة والحق كما أنه حر في الوصية بموصي به مجهول لا يعلم قدره ولا جنسه ولا خصوصياته كالتوصية بهذه الصبّرة وهو لا يعلم هل أنها حنطة أو شعير أو أرز وأنها ألف مَنّ أو أكثر أو أقل أو أن يوصي بما في الصندوق الفلاني وهو لا يعلم أنه ذهب أو فضة وكذلك بالطير المملوك في الهواء أو السمك المملوك في الماء والمال الغائب في يد الغاصب أو غير الغاصب، وهو لا يعلم هل يرجع السمك والطير أو لا يرجع ولا يعلم هل يمكن استرجاع المال من يد الغاصب أو لا.

كما انه حر في الوصية بالمال المفروز أو المال المشترك سواء كان اشتراكاً على نحو الإشاعة أو على نحو الكلي، فللمعين وكذلك هو حر في الوصية بالحبوة أو بغير الحبوة.

الوصية بأكثر من الثلث

الإنسان حر في أن يوصي بأكثر من الثلث وحينئذ يتوقف على إجازة ورثته حياً أو ميتاً فهم أحرار في أن يجيزوا كل الزائد أو بعض الزائد أو لا يجيزوا شيئاً من الزائد. كما أنه حر في الوصية بالحصص المشاعة أو بشيء معين، ولو أجاز بعض الورثة المتعددين الوصية في الزائد عن الثلث وردها البعض الآخر صحت في قدر حصة المجيز من الزيادة وبطلت في قدر حصة الراد منها.

والوارث حر في الإجازة أو عدم الإجازة في حال الحياة أو في حال الموت، فلو رد الوارث الوصية بالنسبة إلى الزائد حال حياة الموصي وأجاز بعد موته نفذت الوصية.

والمدار في الثلث الذي تمضي الوصية بالنسبة إليه من غير وقوف على إجازاة الوارث هو ثلث تركة الميت حين وفاته لا ثلث حال الوصاية أو ثلث بعد ذلك، فلو كان موسراً حال الوصية يزيد ثلثه عليه أو يساويه ثم افتقر عند الوفاة لم يعتبر يساره السابق ووقفت الوصية بالنسبة إلى ما زاد عن ثلثه الفعلي على إجازة الورثة، ولو كان حال الوصية معسراً يزيد الموصي به عن الثلث، ثم أيسر وكان الموصي به مساوياً لثلثه حال الوفاة أو أقل نفذت وصيته في الجميع ولم تقف على إجازة الورثة، ومنه يعلم حال ما إذا كان معسراً ثم أيسر ثم أعسر، أو كان موسراً ثم أعسر ثم أيسر، وهكذا من الحالات المختلفة التي تطرأ بين الوصية والموت.

كما أن المدار في المجيز الذي له حرية الإجازة وعدم الإجازة على الوارث حال الوفاة لا يوم الوصية أو بين الوصية والوفاة فلو أوصى بما يزيد عن ثلثه وأجاز وارث حال الوصية ثم تجدد له قبل الموت وارث أقرب من الأول لم تكن عبرة بإجازة الأول ووقفت الوصية في الزائد على إجازة الوارث الفعلي ويحسب من تركته ديته وإرش جراحته، فلو أوصى بشيء ثم قتله قاتل أو جرحه جارح كان المدار في الثلث على ثلث تركته وديته وإرش جراحته جميعاً.

وتعم الدية دية العمد إذا صولح عن القصاص بها، ولو كان وارثه صغيراً توقفت الإجازة وعدم الإجازة على كبره فينفذ في الثلث والزائد عن الثلث يوقف حتى يكبر فهو حر في أن يجيز أو لا يجيز. وتشترط عليه الموصي به حال الموت لا حال الوصية إذا انقلب الحرام حلالاً، كما إذا أوصى بالخمر الذي ينقلب إلى الخل وعند موته انقلب إلى الخل، فإن وصيته منفذة فيها ولو كانت الوصية مرتبة زائدة على الثلث، ولم يجز الوارث نفذت الوصية في الأول. فالأول وإن لم تكن الوصية مرتبة ولم يجزها الوارث في الزائد عن الثلث وزرع الثلث على الوصايا ودخل النقص على الجميع، فيقسم عليها بالنسبة كما إذا قال أعطوا كل واحد من زيد وعمرو وبكر وخالد ثلثاً من الأموال، فإن الثلث يقسم عليهم بالتساوي، ولو أوصى لشخص بثلث تركته وللآخر بربعها، ولثالث بسدسها. فإن أجاز الوارث الوصية في الزائد عن الثلث نفذت وإلا فإن كانت الوصية مرتبة نفذت للأول الثلث وبطلت الوصية فيما عداه، وإن كانت غير مرتبة وزع الثلث عليهم بالنسبة، ولو قال ثلثي لزيد ثم بعد مدة قال ثلثي لعمرو فهو رجوع عن الوصية الأولى إلا إذا علمنا أنه يريدهما معاً فيشتركان في الثلث، ولو كانت الثانية رجوعاً واشتبهت استخرجت بالقرعة أو بقاعدة العدل وهذا ما رجحناه في الفقه لأن الأمور المالية يرجع فيها إلى قاعدة العدل، وإنما القرعة لكل أمر مشكل ومع وجود قاعدة العدل لا إشكال. ولو أوصى بوقف شياهه أو ثيرانه أو إبله دخل في الوصية ما يملكه منفرداً أو مع آخر على نحو الكلى في المعين أو على نحو الإشاعة أو على نحو الكلي في المردد، فهو حر في أن يوصي هكذا بأن تشمل وصيته كل تلك الصور أو أن يوصي بالشياه المستقلة إلى غير ذلك.

وللموصي أن يوصي بمعين كهذه الدار أو هذا البستان أو ما أشبه ذلك، أو يوصي بغير معين كإحدى دوره أو أحد بساتينه أو ما أشبه ذلك، فإن أجاز الورثة الوصية فيما كان زائداً على الثلث، ثم ادعوا أنهم ظنوا أن ذلك بقدر الثلث أو أكثر بيسير.

والآن تبين لهم الخلاف لم يلتفت إلى دعواهم إلا إذا اكتنفت القرائن الظاهرة في صدقهم، وله الحرية في أن يوصي بثلث ماله مطلقاً فيكون الثلث مشاعاً في كل ماله من المنقول وغير المنقول.

الوصية بما له وجهان محرم ومحلل

ولو أوصى بما يقع اسمه على المحلل والمحرم كالعود حيث يطلق على آلة اللهو والعيدان التي تُهيأ للاحتراق ونحو ذلك انصرف إلى المحلل فالورثة يجب عليهم صرفها فيما عين إلا إذا كان شاهد حال أو مقال أو عرف خاص على خلاف ذلك، نعم، لو لم يملك من العيدان إلا عود اللهو فإن أمكن إزالة الصفة المحرمة عنه أزيلت وصرفت في المصرف المقرر وإلا بطلت الوصية، وكذلك الوصية بالمزمار والطبل والدف والشطرنج والنرد والصلبان والأصنام وغيرها، نعم، تصح الوصية بهذه الأمور بالنسبة إلى المحللين لها من الكفار أو من غير الكفار من العامة لقاعدة الإلزام.

وتصح الوصية بكل كلب فيه فائدة، وحتى بالجرو القابل للتعليم، نعم، لا تصح الوصية بالعقور والهراش ونحو ذلك، فهو حر في أن يوصي بكلب الصيد أو كلب الماشية أو كلب الحائط أو كلب الزرع أو كلب الإجرام أو نحو ذلك.

والإنسان حر بأن يوصي وصية مبهمة أو معينة، فإن أوصى وصية مبهمة يكون المرجع فيها ما فهم من لفظ الموصي بسبب القرائن الحالية والمقالية أو العرف الخاص أو العرف العام، إذا كان هناك عرف عام يؤيد ذلك ومع فقد الجميع يعمل بما فسرت به من النصوص وهي ألفاظ منها (السهم) وهو الثمن ومنها (الجزء) وهو العشر، ومنها (الشيء) وهو السدس، فإذا لم تكن القرائن ولا التفاسير يؤخذ بالقدر المتيقن، ويترك الزائد، وإذا كان هناك احتمالان متساويان يؤخذ بالنصف من الاحتمالين.

عند جهل الوصي بالوجوه أو نسيانه

والوصي حر في صرف الموصي به في وجوه البر والثواب كالفقراء والمساكين وبناء المساجد والمدارس والحسينيات والقناطر وإصلاح الطرقات ومد الكهرباء والماء وما أشبه ذلك فيما لو أوصى الموصي بوجوه معلومة فنسي الوصي تلك الوجوه ولم يفده التربص في التذكر، ومثل ذلك الأعذار المانعة من العمل بالوصية فإنها تنتقل إلى ما ذكرناه، نعم، إذا كان هناك أمور محصورة يمكن صرف الوصية فيها بالتخصيص قدم لقاعدة العدل وقد تقدم الكلام فيها، ولو أوصى ببندقية معينة فالظاهر شمولها مع ما يلزمها عرفاً، كما أنه لو أوصــى بسيف معين وهو في جفن دخل الجفن والحيلة في الوصية، فالإنسان حر بأن يوصي بالبندقية مطلقاً أو بالسيف مطلقاً فيدخل فيها ما ذكرناه إذا لم يكن هناك قرينة على الخلاف أو عرف خاص أو عرف عام، ومثل الكلام في السيف والبندقية لو أوصى بطائرة أو سيارة أو قطار أو باخرة أو صندوق به بعض المتاعات، وكذلك لو أوصى بالجراب وفيه شيء أو أوصى بالقاصة، نعم، إذا كان في القاصة دنانير وما أشبه ذلك فالظاهر انصراف القاصة عن تلك الدنانير.

كذلك هو حر في الوصية لقريب لا يرث أو لأجنبي إما أن يوصي بإخراج بعض ولده أو بعض قرابته الذين يرثون إخراجاً من تركته وحرمانه من الميراث فلا تنفذ الوصية بالنسبة إلى الثلثين، نعم قال جمع من الفقهاء بنفوذ وصيته في الثلث، ويقسم بين غيره من الورثة من غير حاجة إلى إجازة ذلك الوارث المحروم.

مستحبات الوصية

والإنسان حر في أن يوصي بالثلث أو أقل من الثلث كالربع والخمس والعشر وما أشبه ذلك فقد ذكر جمع من الفقهاء بأن الوصية بما دون الثلث أفضل حتى ورد أنها بالربع أفضل من الثلث وبالخمس أفضل من الربع، وما أشبه ذلك من غير فرق بين كونه غنياً أو فقيراً ذا عائلة أو ليس ذا عائلة لكنا احتملنا في الفقه أن ذلك ليس في مثل الأغنياء الذين تكثر ثرواتهم حتى إذا وصى بالنسبة أو بأكثر من ذلك مع إجازة الورثة لا تتضرر الورثة بل يبقون أغنياء كمن يملك مائة مليون مثلاً، أو ما أشبه ذلك.

كذا هو حر في أن يكرر الوصية، فإذا أوصى بوصية ثم أوصى بأخرى ووصية ثالثة وهكذا فإن كانت متضادة ولم يمكن الجمع بينها عمل بالأخيرة منها، وإن لم تكن متضادةً وأمكن تقسيم المال بينها قسم المال بينها.

ولو أوصى بحمل بعض شياهه ثم اشتبه أنه هل أراد الشاة البيضاء، أو الشاة السوداء، وكلاهما حامل فإنه يقرع بينهما، وربما يقال بقاعدة العدل بأن يكون للموصي له نصف من هذا ونصف من هذا للقاعدة المطردة في الماليات.

وأيضاً هو حر في تعليق الوصية بالنسبة إلى المسألة التي ذكرناها، كما إذا قال إن كان في بطن هذه الشاة ذكر فتصرف في فقراء النجف الأشرف وإن كان أنثى فتصرف مثلاً في مورد كذا فخرج ذكر وأنثى فإن علم من القرائن أو من عرفه الخاص أو العام ثبوت وصيته بشرط لا فالوصية باطلة، وإلا جرت قاعدة العدل، وإن كان أتى الحيوان بذكرين أو بأنثيين أو بأكثر من ذلك، فالمحكم قاعدة العدل أو القرعة.

وأيضاً هو حر في الوصية بالحمل لمطلق الحيوانات من الإبل والغنم والماعز والبقر والغزال والشجرة وغيرها.

كما تصح الوصية بسكنى الدار مدة متصلة أو منفصلة طويلة أو قصيرة. وهكذا تصح الوصية ببيوض الدجاجات وسائر الطيور التي تبيض، كما أنه حر في تخصيص حمل الحيوانات أو ثمار الأشجار أو ما أشبه ذلك بسنة أو سنتين أو عشر سنين مثلاً متصلات أو منفصلات، كما أنه حر في الضبط بالعدد كأربعة أولاد وعشرة اقتطافات.

وكذلك حر بين الوصية بالمطلق كجميع ما يتجدد منها مثل أن يوصي بأن ما يتجدد منها مثل أن يوصي بأن ما يتجدد من الحمل لهذه الدابة أو هذه الشجرة أو ما أشبه ذلك، أو أن يوصي بالمقيد، ثم لو أوصى بثمرة بستان أو سكنى دار أو ما أشبه ذلك على التأبيد أو مدة طويلة أو ما أشبه ذلك قيّمت المنفعة ولوحظت فإن وفي الثلث بجميعها نفذت الوصية مطلقاً، وإلا كان للوصي بمقدار الثلث منجزاً، أما الزائد من الثلث فموقوف على إجازة الورثة فإن أجاز كلهم فهو وإن أجاز بعضهم دون بعض فيكون بمقدار حصصهم.

وكذلك هو حر أن يوصي بمنفعة نخل أو دار أو حمام أو دكان لشخص أو جهة عامة أو خاصة، فإن احتاج الموصى بمنفعته للسفن والتعمير فإن تراضى الوارث والموصي له على السقي والتعمير أو تطوع أحدهما بذلك أو تبرع بذلك ثالث فهو وليس للآخر منعه إلا إذا كان على وجه يضرّ به فيعمل على حسب قانون لا ضرر فيما إذا تضرر كلاهما بذلك، وأن أيهما يقدم على الآخر، وإن تنازعا لم يجبر أحدهما على ذلك، أما في نفقة الحيوان فإنه يجيز المالك عليها ولو أبى فإنه مخير في الحيوان المطلق أن يذبحه فيما إذا كان قابلاً للذبح والأكل والانتفاع أو يطلق سراحه أو يطعمه، وليس له الحق في تركه يموت جوعاً وعطشاً.

ولو انهدمت الدار الموصي بمنافعها فأعادها الوارث بنفس الآلة كالآجر والخشب والحديد وما أشبه ذلك فالظاهر بقاء حق الموصي له، وإذا أراد الموصي له إعادة الدار بعد الخراب لم تجز له إلا بإذن الوارث.

توزيع متعلق الوصية

وكذا هو حر بأن يوصي بحب زرعه لأحدهما وبتبنه للآخر وتكون النفقة عليهما بالنسبة، وكذلك حر في أن يوصي بحيوانه لأحدهما وبحمله للآخر وأن يوصي بدجاجته لأحدهما وببيضها للآخر، ولو أوصى لأحدهما بنصف الدار وللآخر بالنصف الآخر أو لأحدهما بنفس الخاتم وللآخر بفصه أو لأحدهما بالشجرة وللآخر بالثمرة أو ما أشبه ذلك توقف تصرف أحدهما على إذن صاحبه.

وكذا هو حر في أن يوصي بعين أن تكون منافعها لشخص واحد أو لأشخاص متعددين أو بالاختلاف، وحينئذ يجوز للموصي له التصرف في المنفعة بجميع الأنحاء التي يشملها لفظ الموصي، وإن كانوا مشتركين لزم التراضي بينهم في التصرف.

والظاهر أن الوصية بالمنفعة تمليك وليست بعارية.

والإنسان حر في أن يوصي بقناته أو نهره أو بئره أو ما أشبه لإنسان أو لجماعة فله أو لهم الاستفادة من ماء هذه الموارد، وإذا كان له سيارات متعددة أو بندقيات متعددة أو سفن متعددة أو ما أشبه ذلك، فله الوصية بإحداها أو بجميعها أو ببعض منها لفرد أو لأفراد فهو حر في ذلك.

وقد ذكر الفقهاء صحة الوصية لشخص بالقوس سواء كانت قوساً عربية أو فارسية أو قوس الجلاهقة أو قوس الندف، ولو أطلق ولم يعين أحدها فالمدار في تعيينه إلى ما يفهم من لفظ الموصي بسبب العرف الخاص أو العام أو القرائن المكتنفة بالمقام، وإن لم يكن كل ذلك بيّن بالقرعة أو بقاعدة العدل إذا كان من مورد القاعدة، ولو قال أعطوه سيفاً أو بندقية أو سيارة أو دراجة أو ما أشبه ذلك وله متعدد، فالوارث مخير في إعطاء أيها شاء سواء الأدنى أو الأعلى أو الأوسط وإن كان مقتضى إعطاء الأوسط، وكذلك لو أوصى بإعطائه شاةً من شياهه أو بعيراً من إبله أو قال حيواناً من حيواناته، وله أشكال مختلفة من الحيوان من الطيور والأسماك والبهائم وما أشبه ذلك، فالوارث مخير في إعطاء أيها شاء من غير فرق بين الصحيح والمعيب والصغير والكبير والذكر والأنثى والحامل والحائل وغير ذلك، لكن كما ذكرنا مقتضى الإنصاف إعطاء الوسط.

الاشهاد عند الوصية

والموصي حر في أن يستشهد شهيدين أو نساءً أو يكتب كتابة مضبوطة أو ما أشبه ذلك.

وتنفذ شهادة امرأة واحدة في الربع من المال، وشهادة امرأتين في النصف، وشهادة ثلاث في ثلاثة أرباع المال، وشهادة أربع في الجميع ولا حاجة إلى ضم اليمين إليها في شيء منها، وذلك للنص.

نعم، يشترط أن تكون النساء عادلات فلا عبرة بشهادة الفاسقات ولا مجهولات الحال منهن، ولا غير المؤمنة، ولا يشترط في قبول شهادتين تعذر الرجال.

والحاكم حر في أن يقبل شهادتهن أو شهادة الرجال إذا كان كلاهما.

الوصية بالموقف

والموصي حر بأن يوصي بوقف شياهه أو إبله أو ثيرانه أو ما أشبه ذلك والحال انه ليس له سواهن، فإن أجاز الورثة لزم وقف الجميع وإلا لزم وقف ثلثهن ويستخرج الثلث إما بالقرعة وإما حسب اختيار الوصي أو الوارث.

والموصي حر بأن يوصي بالوصية العادية غير التمليكية بالنسبة إلى المعدوم المترقب وجوده بأن يعهد إلى وصيه بإعطاء كذا لمن يولد لزيد مثلاً أو يوقف شيئاً عليه.

وتصح الوصية للكافر غير المحارب أما في المحارب ففيه أقوال، والموصي حر أن يوصي للمسلم أو الكافر ولو لم يكن ذمياً بأن كان محايداً أو معاهداً.

والموصي له الحق في أن يوصي لأولاده بالتفاوت أو بالتساوي. وفي صورة التفاوت حر في أن يقدم الذكور على الإناث، أو الإناث على الذكور، أما إذا أوصى لأولاده وأطلق فالذكور والإناث سواء إلا إذا كانت هناك قرينة حالية أو مقالية أو ما أشبه ذلك، توجب أن يكون كالإرث، وكذا حال الأخوال والخالات والأعمام والعمات والأجداد والجدات ونحو ذلك.

وهو حر في أن يوصي لذي قرابته وتصح الوصية فيقسم الموصي به بين المعروفين بنسبتهم إليه في العرف والعادة ويلزم التسوية بينهم ذكورهم وإناثهم صغارهم وكبارهم أغنيائهم وفقرائهم مسلمهم وكافرهم قريبهم وبعيدهم والدهم وولدهم، إلا إذا فهم من اللفظ غير ذلك فيتبع سواء كان الفهم من جهة الصراحة أو الفهم من جهة العرف والعادة وما أشبه ذلك.

نعم، لا تصرف إلى أمواتهم لبناء مقبرتهم، أو ما أشبه ذلك، إلا إذا كان هناك ظهور يشمل الأموات أيضاً.

كما أن الإنسان حر في أن يوصي لقومه، واللازم أن يراجع العرف في ذلك الزمان والمكان في فهمهم من القوم ماذا؟ هل هو العشيرة الكبيرة أو العشيرة الصغيرة، أو ما يصطلح عليه بالفخذ؟

وكذلك هو حر في أن يوصي لأهل بيته، والمدار ما يفهم من لفظه ولو بسبب القرائن الحالية والمقالية. وكذلك هو حر في أن يوصي لآله وعترته وأصهاره وذريته وجيرانه ومدرسيه وتلاميذه وأقرانه وما أشبه ذلك.

وكذلك الموصي حر في أن يوصي للحمل الموجود في بطن زوجته أو بطن بنته أو ما أشبه ذلك، فإنه يستحق بعد خروجه حياً، وإن كان حين الوصية لم تلجه الروح، ولو ولد ميتاً بطلت الوصية، ولو انفصل حياً ثم مات استقرت الوصية وكان الموصى به لورثته. ولولي الطفل الحرية في القبول والرد، وكذلك بالنسبة إلى الوصية للمجنون، حيث إن وليه حر في القبول والرد.

وللمسلم الحرية في الوصية لفقراء المسلمين أو لفقراء الكفار والمسلمين أو لفقراء الكفار. كما أن الكافر له الحرية في مثل هذه الوصية، وإذا أطلق أحدهما بأن قال للفقراء اتبع الانصراف، وكذلك الحال لو أوصى لأهل قريته أو بلده أو محلته أو مملكته أو ما أشبه ذلك.

وللموصي الحرية في أن يوصي بإعطاء الإنسان الفلاني كذا لصرفه في خبزه أو إدامه أو داره أو لباسه أو إنارته أو ما أشبه ذلك. وكذلك في الوقف على الجهة أما لو قال أعطوا فلاناً كذا واصرفوا إلى الجهة الكذائية كالمساجد والمدارس كذا من أموالي ولم يبين المصرف له وجب صرفه إليه ويصنع به ما شاء هو أو المتولي فيما إذا كانت الوصية للجهة.

وله الحرية في أن يوصي لأقرب الناس إليه أو لأقرب أقاربــه والمرجع في ذلك ما يفهم حسب عرفه زماناً ومكاناً وخصوصية، وهكذا الحال، هو حر في أن يوصي لعصبته أو عصبة فلان، وكذلك إذا أوصى لأقرباء فلان أو ما أشبه ذلك.

وهو حر في أن يوصي لأهل الزكاة أو لمستحق الزكاة، وحينئذ إذا لم يكن انصراف صرف في الأصناف الثمانية، وكذلك لو أوصى لأهل الخمس. ولو أوصى للفقراء والمساكين صرف فيهما، أما لو أوصى للمساكين أو للفقراء وأراد به القسم الخاص لا يصرف في قرينه والوارد به الأعم كما هو المتعارف، فيصرف في مطلق الفقراء والمساكين. كما أنه حر في أن يوصي للفقراء بعشر أمواله والمساكين بخمس أمواله، وحينئذ يجب التمييز.

وهو حر في أن يوصي للأحياء أو للأموات بمعنى الصرف لشؤونهم من الإطعام وتعمير المقبرة وما أشبه ذلك، أو أن يوصي للحي والميت معاً.

وهو حر في أن يجعل فرداً فريقاً وجماعة فريقاً آخر كما أن يقول ثلثي لزيد وللمساكين، وهل اللازم الصرف نصفين أو لا؟

الظاهر أنــه حسب الفهم العرفي في زمانه ومكانه، كما أن للموصي الحق في الوصية للمساجد والمشاهد والمراقد والمدارس والربط والقناطر والخانات ودور الفقراء وما أشبه.

وللموصي الحرية في أن يوصي لرجل أو لامرأة أو لطفل أو لعالم أو لخطيب أو ما أشبه ذلك، فإذا أوصى بهذا النحو يعطى فرد واحد من ذلك الصنف ولو أوصى لأحد من هذين فيعطي لأحدهما لا أنه يقسم المال بينهما وحيث قد تقدم أن الموصي يحق له الوصية لفظاً وإشارة وكتابة ففي الأخرس حيث لا نطق، يحق له الوصية إشارة أو كتابة وكذلك معتقل اللسان والممنوع عن التكلم من جهة الجائر أو ما أشبه.

إذا تخلف وصف جهة الوصية

وللموصي الحرية بأن يوصي إلى عدل أو إلى فاسق، أما إنه إذا أوصى لعدل بصفة العدالة ففسق بطلت الوصية له، نعم، لو أوصى إليه من غير نظر إلى عدالته لم ينعزل فيما تكون العدالة إشارة، مثل قوله صلّى الله عليه وآله وسلم: (ما خليفتي فيكم إلاّ خاصف النعل)(1)، ولو جعل وصيه عادلاً ففسق انعزل تلقائياً.

وهو حر في أن يقول أعطوا فلاناً وفلاناً كل واحد ديناراً، فإن تبين موت أحدهما حين الوصية يكون دينار من أموال الموصي للحي وأما الميت فلا حصة له.

والإنسان حر في أن يوصي إلى الكبير وإلى الصغير بأن يجعل أحدهما وصياً له لكن يشترط في الصغيرة تعليق الوصية على بلوغه، وكذلك بالنسبة إلى المجنون والسكران والمغمي عليه ومن أشبه. ولو أوصى إلى كبير وصغير تصرف الكبير منفرداً بمقدار ما أذن فيه الموصي حتى يبلغ الصغير فإذا بلغ لم يجز له التفرد بغير نظر الكبير إلا إذا صرح الموصي بسقوط ولاية الكبير عند بلوغ الصغير.

كما أن الموصي حر في أن يجعل صغيراً وكبيراً وصياً له، ويشترط على الكبير عدم التصرف إلى أن يبلغ الصغير فيشتركان في التصرف. والإنسان حر في أن يوصي إلى الرجل وإلى المرأة وإلى الأعمى وإلى البصير وإلى الوارث وإلى غير الوارث وإلى من له الكفاية وإلى من لا كفاية له.

كما أنه حر في أن يوصي إلى واحد أو إلى اثنين، فإن أطلق وشرط اجتماعهما لم يجز لأحدهما الانفراد عن صاحبه بشيء من التصرف، فإذا تصرف منفرداً كان فضولياً يتوقف على إجازة شريكه، وإن جوّز الموصي لكل منهما الانفراد أو انصرف الإطلاق بحسب عرفه وعادته إلى ذلك جاز لكل منهما الانفراد في التصرف.

كما أن للموصي الحرية في أن يجعلها بحيث كل واحد يتصرف في نصف المال أو في كل المال معاً أو يتصرف كل واحد منهما في كل المال فيكون الحق مع السابق منهما، ولو مات أحد الوصيين فإن علم من القرائن كون التعدد في نظر الموصي قيداً من الإيصاء عند إمكانه انفرد الآخر بالتصرف، وإن علم من القرائن كون التعدد قيداً مطلقاً ضم الحاكم إلى الباقي من الوصيين من يقوم مقام الميت.

كما أن الموصي له حرية أن يجعل وصياً أو أكثر ويأذن لأحدهما في الانفراد ولا يأذن للآخر إلا الاجتماع، وليس للوصيين المشتركين الذي قيد الموصي اشتراكهما في الأمر أن يوكل أحدهما الآخر حتى يكون الآخر عن نفسه وعن شريكه إلا إذا شمل إطلاق الوصية لمثل ذلك أيضاً، ولو شرط الموصي في نفوذ تصرف كل منهما الانفراد لم يمض ما اجتمعا عليه من التصرف لأنه خلاف الوصية.

كما أن الموصي له حرية وضع ناظر على الوصي، وناظر على الناظر، ويتبع في النظارة مقدار جعل الموصي من عدم التصرف إلا بنظره وأن يكون التصرف باطلاعه.

وللموصي الحرية في أن يوصي إلى إنسان، ويأذن له في التوكيل أو لا يأذن له في ذلك، فإن لم يأذن له في التوكيل لا حق له في أخذ الوكيل من أمور الموصي.

كما أن الوصي له حرية أن يقبل أو يرد لأن الإنسان مسلط على نفسه فلا حق لأحد في التصرف فيه، لكنا ذكرنا في الفقه أنه لو أوصى الأب كان واجباً على الولد القبول للدليل الخاص.

وللوصي الحرية في الإقدام والإحجام فيما إذا قبل الوصية ثم توجه إليه من إنفاذ الوصية ضرر ديني أو ضرر دنيوي أو مشقة لا تتحمل عادة أو لزم من تحملها عليه ما لا يليق بحاله من شتم وهتك عرض ونحو ذلك، فإنه يق له ترك العمل بالوصية وإيكال الأمر إلى الحاكم الشرعي لأن أدلة الضرر والعسر والحرج وما أشبه تخصص الأحكام الأولية.

ولو ظهر في الوصي الكبر أو الهرم أو المرض أو الزمانة أو العجز أو ما أشبه ذلك حيث لا يتمكن من إنفاذ الوصية ولو مع الاستئجار والتوكيل وما أشبه ذلك راجع الحاكم الشرعي حتى يضم إليه إنساناً أو يجعل إنساناً وكيلاً له فيعمل بنظره إن كان له نظر، ولو فرض زوال عجزه بعد ذلك استقل في التصرف كما كان قبل العجز، ولو احتاج الوصي إلى معاون أو أجير أو وكيل واحتاج الأمر إلى المال كان حراً في أن يأخذ من مال الموصي أو مال نفسه أو بالاشتراك، ولو كان للوصي دين على الموصي جاز أن يستوفيه مما في يده من غير إذن الحاكم الشرعي سواء كان قادراً على إثباته أو عاجزاً فهو حر في كلا الأمرين.

كما أن الوصي لو كان عالماً بدين لغيره على الموصي ولا يتمكن ذلك الغير من الإثبات ولو راجع الحاكم الشرعي كان حراً في إعطائه دينه مما في يده سواء كان مشتركاً مع غيره أو منفرداً، لكن في صورة الاشتراك لو تمكن استأذن شريكه.

والوصي الأمين على مال الطفل حر في الاستقراض من المال إذا كان فيه مصلحة له أو لا مفسدة فيه كما هو حر في إقراض الطفل من مال نفسه، والتصرف في ذلك المال بعد ذلك بعنوان الطفل.

والوصي حر في أن يوصي لغيره عند موته إذا كانت الوصية شاملة لمثل ذلك فيكون الوصي الثاني وصياً عن الموصي، لا عن الوصي الأول.

ولو مات الوصي فالحاكم الشرعي حر في أن يرجع أمور الصغار إلى ثقة يقوم بشؤونهم فيما لم يكن الأب ولا الجد موجودين، وإلا فالولاية لمن وجد منهما.

الوصاية على الأولاد

كما أن الأب حر في أن يوصي إلى إنسان بالنسبة إلى أولاده الصغار في أمور خاصة أو في كل أمورهم، فإذا وصى في أمور خاصة بقيت سائر الأمور منوطة بنظر الحاكم الشرعي.

والإنسان حر في أن يوصي بالثلث ويخرجه عن أمواله وينصب عليه ولياً ليقوم بشؤونه بعد موته كما هو حر في الوصية بإخراج الحقوق الواجبة عليه بعد موته كالديون سواء كانت ديوناً لله سبحانه وتعالى أو ديوناً للناس، نعم، إذا كانت الديون من الأموال خرجت من الأصل، وأما إذا كانت من غير الأموال كالصلاة والصيام، فالمشهور أنها تخرج من الثلث، والوصي واجب عليه إخراج الميت عن الحقوق المتعلقة بذمته، وهو حر في أن يبيع إلى حد الثلث أو الأكثر من ذلك في صورة إجازة الورثة أو في صورة كون الديون على الميت من الحقوق الإلهية كالخمس والزكاة أو من الحقوق للناس كمظالم العباد، وما أشبه.

كما أن القائم بأمر الطفل حر في صورة عدم قصده التبرع بعمله أن يأخذ من مال اليتيم بقدر أجرة مثل عمله الذي له أجرة عادة كثيراً كان المال أو قليلاً من غير فرق بين أن يكون وصياً أو حاكماً أو وكيلاً للحاكم أو لأحدهما، وكذلك الوصي له الحق في أخذ أجرة عمله في صرف الديون والثلث في مصارفها.

والموصي حر في أن يوصي بشيء من ثلثه للوصي، فإذا وصى بذلك وقبل الوصي وكان أقل من أجرته لم يحق له أخذ شيء آخر.

والإنسان حر في أن يوصي لأجنبي بمثل نصيب ولده، وفيما لم يكن له اصطلاح خاص ولا قرينة خارجية، وفرض أن له ابناً واحداً، فإن الوصية توجب الشركة بينهما في جميع التركة بأن يكون لكل واحد منهما النصف وحينئذ فللموصى له ثلث التركة على كل حال وتقف الوصية فيما به تفاوت الثلث والنصف الذي هو السدس على إجازة الوارث فإن أجاز جاز وإلا بطلت الوصية في السدس، ولو كان للميت ابنان كانت الوصية للموصي له بثلث التركة ويأخذ ذلك من دون حاجة إلى إجازة الورثة، كما أنه إذا كان للميت بنتان كان الأمر كذلك، لأن البنتين تقسمان المال نصفين فإذا كان هناك ثالث كان بمنزلة بنت ثالثة، ولا فرق فيما ذكرناه بين أن يكون الموصي له أجنبياً أو وارثاً ولا بين الوصية بنصيب معين من المتعدد وبين الوصية بمثل نصيب واحد منهم، ولو كان للموصي ابن وبنت وأوصى بمثل نصيب الابن كان له خمسا التركة مع إجازة الورثة وثلثها مع عدم الإجازة وعلى هذا القياس.

وللموصي أن يوصي لأجنبي بنصيب ولده، فإذا قال هذا اللفظ وأراد النصف فكما ذكرناه سابقاً، وإذا أراد أن ولده لا يرث، وأن الأجنبي هو الوارث بطلت الوصية إلا بقدر الثلث.

وللموصي الحرية بأن يوصي بضعف نصيب فلان، فللموصي له مثلاً نصيبه ولو قال ضعفاه فله أربعة أمثال نصيبه إلا إذا كان اصطلاح خاص، وكذلك له الوصية بأن يقول له نصف نصيب فلان أو نصف النصف وما أشبه ذلك. فهو حر في كل ذلك، فإن زاد على الثلث احتاج إلى إجازة الورثة فإن لم يجيزوا رد إلى الثلث وإن كان بقدر الثلث أو أقل كانت الوصية نافذة، وللوصي أن يوصي بوقف شياه على نحو الجمع المنكر وحينئذ كان على الوصي وقف ثلاث شياه إذا وفى الثلث بذلك أو كان أقل من الثلث، وإلا احتاج إلى إجازة الورثة أو رد إلى الثلث، وللموصي أن يوصي لأحد بشيء معين، ويوصي لآخر ببقية الثلث فيعمل كما أوصى.

والموصي حر في أن يوصي بدار أو بستان أو دكان أو حمام أو ما أشبه ذلك، فإذا انهدمت البناية وصارت ساحة فإن قصد الدار والحمام وما أشبه ذلك بذاك الوصف بطلت الوصية وإلا فيعطي للموصي له الساحة الفارغة عن البناء، وكذلك الحال لو أوصى بسيارة خاصة أو قطار أو دراجة أو طيارة أو سفينة أو ما أشبه ذلك فانهدمت.

وللمريض أن يهب هبة محاباتية على ما ذكرناه من أن منجزات المريض من الأصل. كما أنه حر في أن يقول عليّ حج وأعطوا فلاناً مائة دينار، فإن الحج يخرج من الأصل والمائة تخرج من الثلث على ما ذكرناه، وللمريض الحق في أن يبيع شيئاً بدون قيمته نصفاً أو ثلثاً أو ربعاً، أو ما أشبه ذلك، ويكون البيع نافذاً لما تقدم من أن منجزات المريض من الأصل.

والإنسان حر في أن يوصي بأن يكون له الثلث، ويكون الثلث بيد الوصي ويتجر به ويجعل النماء في جهة أو فريق أو شخص أو حيوان أو ما أشبه ذلك. وحينئذ يكون الوصي حراً في التدوير بأن يجعل الثلث داراً أو بستاناً أو دكاناً أو حانوتاً أو مال تجارة أو ما أشبه ذلك، أو يتقلب فيه من شيء إلى شيء نعم، إن عين الموصي شيئاً خاصاً لم يجز له التجاوز عما عين له.

وهو حر في أن يوصي بأن يعطي لكل مسكين لأجل فطوره في شهر رمضان مثلاً درهم ثم إن تنزل الدرهم بما لا يكفي للفطور أعطى الفقير بقدر فطوره لأن ذلك هو المنصرف لا خصوصية الدرهم، وكذلك إذا كان أوصى بصرف درهم من وارد بستانه في الشمع للمرقد الفلاني أو المسجد الفلاني مثلاً، فإذا غلت الأشياء لوحظت القوة الشرائية وأضاف الموصي على الدرهم ما يكفي للإنارة، ومثل هذا الكلام يأتي في بابي الوقف والنذر، لأن المعيار عند الناس هي القوة الشرائية لا خصوص حجم الدرهم والدينار.

 

1 ـ الاحتجاج، للطبرسي: ج1، ص244، مطبعة النعمان ـ النجف الأشرف.