الفهرس

المؤلفات

السياسة والدولة

الصفحة الرئيسية

 

تتمة........  1  2

نعم للشورى

مسألة: لا يجوز الاستبداد في الحكم، ولا البقاء فيه طويلاً من دون إرادة الشعب له، ولا توارث الحكم خلفاً عن سلف، ولا التلاعب بالآراء أو حصر المرشحين في القائمين بالحكم، ولا ما أشبه ذلك من الأمور التي تجري اليوم في بلاد المسلمين وكثير من بلاد العالم، وذلك لأن الحكم في الإسلام بالنسبة لغير المعصومين (عليهم السلام) هو بالتناوب، وبالكفاءات، وبالتصويت الحر الذي تتنافس فيه الأحزاب الحرة، وبالتعددية الحقيقية لا الحزب الواحد، وبأكثرية الآراء، وبالشورى، كما يجب توفير بقية الشروط الشرعية أيضاً.

عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «لا يطمعن القليل التجربة المعجب برأيه في رئاسة»[1].

وعنه (عليه السلام) قال: «ثلاث هن قاصمات الظهر، رجل استكثر عمله ونسي ذنوبه وأعجب برأيه»[2].

وورد فيما أوصى به الإمام الصادق (عليه السلام) سفيان الثوري: «وشاور في أمرك الذين يخشون الله عز وجل»[3].

وعن معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «قم بالحق ولا تعرض لما فاتك، واعتزل ما لا يعنيك، وتجنب عدوك، واحذر صديقك من الأقوام إلا الأمين، والأمين من خشي الله، ولا تصحب الفاجر، ولا تطلعه على سرك، ولا تأمنه على أمانتك، واستشر في أمورك الذين يخشون ربهم»[4].

التعددية السياسية

مسألة: ينبغي للمسلمين وربما وجب عليهم، في حياتهم وخاصة السياسية، اتخاذ أسلوب التعددية السياسية والحزبية المتنافسة على البناء والتقدم، لا المتناحرة فيما بينها كما تعارف عند بعض المسلمين في هذا اليوم حيث تشكلت فيهم أحزاب وجماعات تعمل بدل التنافس في الخير والتقدم، على ضرب بعضهم البعض.

وفي الحديث: «إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مر بقوم من الأنصار يترامون، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنا في الحزب الذي فيه ابن الأدرع، فأمسك الحزب الآخر وقالوا: لن يغلب حزب فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: ارموا فإني أرمي معكم فرمى مع كل واحد رشقاً، فلم يسبق بعضهم بعضاً»[5].

الحريات الأساسية

مسألة: لا تجوز مصادرة حريات الناس التي جاء بها الإسلام وجعلها من أوليات حياة الإنسان، فإن الإنسان المسلم حر في كافة شؤونه، وفي كل الدول الإسلامية: سواء في السفر والإقامة، أو الزراعة والتجارة، أو البناء والعمران، أو الكسب والعمل، أو نشر الكتب والمقالات، أو المجلات والجرائد، أو تأسيس محطات البث والإعلام، أو تأسيس الأحزاب والجمعيات، أو التأليف والخطابة، أو اختيار السكن والزواج، فإنه حر في جميع النشاطات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية وغيرها، إلا في المحرمات الشرعية، ولا يحق لأحد منعه من الأمور المذكورة.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «الناس مسلطون على أموالهم»[6].

ومن القاعدة الفقهية: «وعلى أنفسهم»[7].

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «لا تكن عبد غيرك و قد جعلك الله حراً»[8].

وقال (عليه السلام): «الحر حر و إن مسه الضر»[9].

وقال (عليه السلام): «ليس للأحرار جزاء إلا الإكرام»[10].

حرمة الأشخاص والأموال

مسألة: لا يجوز أي نوع من مصادرة الأموال، أو إلقاء القبض على الأشخاص وسجنهم، أو إخراجهم من البلد ونفيهم، إلا في الموارد المقررة شرعاً، وعند ذلك يجب العمل وفق الضوابط الشرعية المذكورة في الفقه.

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن الله عز وجل أوحى إلى نبي من أنبيائه في مملكة جبار من الجبارين أن ائت هذا الجبار فقل له إنني لم أستعملك على سفك الدماء واتخاذ الأموال وإنما استعملتك لتكف عني أصوات المظلومين فإني لم أدع ظلامتهم وإن كانوا كفاراً»[11].

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «العامل بالظلم والمعين له والراضي به شركاء ثلاثتهم»[12].

وعن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «من أكل مال أخيه ظلماً ولم يرده إليه أكل جذوةً من النار يوم القيامة»[13].

لا عنف ولا إرهاب

مسألة: يحرّم الإسلام الغدر والاغتيال وكل ما يسمى اليوم بالعنف والإرهاب، فانه لا عنف في الإسلام، بل الإسلام هو دين السلم والسلام، والصلح والوئام.

ولا يجوز أي عمل يوجب إيذاء الناس وإرعابهم، والغدر بهم وبحياتهم، أو يؤدي إلى تشويه سمعة الإسلام والمسلمين، على تفصيل ذكرناه في كتاب (اللاعنف في الإسلام) [14].

فإن الرفق واللين مستحب في كل الأمور، وفي خصوص الحكم واجب، والعُنف والخُرق مكروه في كل الشؤون، وفي خصوص الحكم حرام.

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ينبغي للمؤمن أن يكون فيه ثماني خصال، وقوراً عند الهزاهز، صبوراً عند البلاء، شكوراً عند الرخاء، قانعاً بما رزقه الله، لا يظلم الأعداء، ولا يتحامل للأصدقاء، بدنه منه في تعب، والناس منه في راحة، إن العلم خليل المؤمن، والحلم وزيره، والعقل أمير جنوده، والرفق أخوه، والبر والده»[15].

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من زي الإيمان الفقه، ومن زي الفقه الحلم، ومن زي الحلم الرفق، ومن زي الرفق اللين، ومن زي اللين السهولة»[16].

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يجيء كل غادر يوم القيامة بإمام مائل شدقه حتى يدخل النار»[17].

وعن طلحة بن زيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن قريتين من أهل الحرب لكل واحدة منهما ملك على حدة اقتتلوا ثم اصطلحوا ثم إن أحد الملكين غدر بصاحبه فجاء إلى المسلمين فصالحهم على أن يغزو معهم تلك المدينة، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «لا ينبغي للمسلمين أن يغدروا ولا يأمروا بالغدر ولا يقاتلوا مع الذين غدروا، ولكنهم يقاتلون المشركين حيث وجدوهم، ولا يجوز عليهم ما عاهد عليه الكفار»[18].

وعن هشام بن سالم رفعه قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «لولا أن المكر والخديعة في النار لكنت أمكر الناس»[19].

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «والله ما معاوية بأدهى مني ولكنه يغدر ويفجر ولو لا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس، ولكن كل غدرة فجرةً، وكل فجرة كفرةً، ولكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة»[20].

لا للتجسس

مسألة: يحرم التجسس على المسلمين ووضع الجواسيس عليهم، فان التجسس خلاف حرية الإنسان التي أقرها الإسلام، بل ورد الأمر بحسن الظن وحمل فعل الغير على محامل الخير.

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في كلام له: «ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يغلبك منه ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملا»[21].

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «وليكن أبعد رعيتك منك وأشنأهم[22] عندك أطلبهم[23] لمعايب الناس، فإن في الناس عيوباً الوالي أحق من سترها، فلا تكشفن عما غاب عنك منها، فإنما عليك تطهير ما ظهر لك والله يحكم على ما غاب عنك، فاستر العورة ما استطعت يستر الله منك ما تحب ستره من رعيتك»[24].

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إن الله تعالى حرم من المسلم دمه وماله وأن يظن به ظن السوء»[25].

حقوق الإنسان السياسية

مسألة: تجب رعاية حقوق الإنسان السياسية وغيرها على الوجه الذي أمر به الإسلام، فإن الإسلام ضمن أكبر الحريات السياسية للأفراد والأحزاب وما أشبه ضماناً لم يضمنه غيره من الأديان الأخرى، ولا سائر المبادئ الأرضية الأخر.

قال الصادق (عليه السلام): «السرور في ثلاث خلال: في الوفاء ورعاية الحقوق والنهوض في النوائب»[26].

وعن الحسن بن علي الجرجاني عمن حدثه عن أحدهما (عليه السلام) قال: «لاتدخل في شيء مضرته عليك أعظم من منفعته لأخيك»[27].

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «ثم جعل من حقوقه حقوقاً فرضها لبعض الناس على بعض، فجعلها تتكافى في وجوهها ويوجب بعضها بعضاً ولا يستوجب بعضها إلا ببعض، فأعظم مما افترض الله تبارك وتعالى من تلك الحقوق حق الوالي على الرعية، وحق الرعية على الوالي، فريضة فرضها الله عزوجل لكل على كل، فجعلها نظام ألفتهم وعزاً لدينهم وقواماً لسنن الحق فيهم، فليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاة ولا تصلح الولاة إلا باستقامة الرعية، فإذا أدت الرعية من الوالي حقه وأدى إليها الوالي كذلك عز الحق بينهم، فقامت مناهج الدين واعتدلت معالم العدل وجرت على أذلالها السنن، وصلح بذلك الزمان وطاب بها العيش وطمع في بقاء الدولة ويئست مطامع الأعداء»[28].

لا للتعذيب

مسألة: التعذيب حرام في الإسلام، ولا يجوز انتزاع الإقرار ممن يحتمل فيه الإجرام سياسيا كان أم غير سياسي بالضرب والتعذيب، بل يجب التوصل إليه بالطرق الشرعية، وإذا أقرّ في هذه الصورة فلا اعتبار به.

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا أراد أن يبعث سريةً دعاهم فأجلسهم بين يديه ثم يقول: سيروا بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا تغلوا ولا تمثلوا ولا تغدروا، ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا صبياً ولا امرأةً، ولا تقطعوا شجراً إلا أن تضطروا إليها»[29].

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيته للحسن (عليه السلام): «يا بني عبد المطلب لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضاً تقولون قُتل أمير المؤمنين، ألا لا يقتلن بي إلا قاتلي، انظروا إذا أنا مت من ضربته هذه فاضربوه ضربةً بضربة، ولا تمثلوا بالرجل فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور»[30].

ثم أقبل على ابنه الحسن (عليه السلام) فقال: «يا بني أنت ولي الأمر وولي الدم، فإن عفوت فلك وإن قتلت فضربةً مكان ضربة ولا تأثم»[31].

هكذا يؤخذ الاعتراف

وفي الحديث أن أمير المؤمنين (عليه السلام) دخل يوماً إلى مسجد الكوفة من الباب القبلي فاستقبله نفر فيهم فتىً حدث يبكي والقوم يسكتونه، فوقف عليهم أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال للفتى: «ما يبكيك»؟

فقال: يا أمير المؤمنين إن أبي خرج مع هؤلاء في سفر للتجارة فرجعوا ولم يرجع أبي، فسألتهم عنه فقالوا: مات، وسألتهم عن ماله فقالوا: لم يخلف مالا، فقدمتهم إلى شريح فلم يقض لي عليهم بشيء غير اليمين، وأنا أعلم يا أمير المؤمنين أن أبي كان معه مال كثير. فقال لهم أمير المؤمنين (عليه السلام): «ارجعوا».

فردهم معه ووقف على شريح فقال: «ما يقول هذا الفتى يا شريح؟ ».

فقال شريح: يا أمير المؤمنين إن هذا الفتى ادعى على هؤلاء القوم دعوى فسألته البينة فلم يحضر أحداً فاستحلفتهم.

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «هيهات يا شريح ليس هكذا يحكم في هذا».

قال شريح: فكيف أحكم يا أمير المؤمنين فيه؟

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «أنا أحكم فيه ولأحكمن اليوم فيه بحكم ما حكم به بعد داود النبي (عليه السلام) أحد».

ثم جلس (عليه السلام) في مجلس القضاء ودعا بعبيد الله بن أبي رافع وكان كاتبه وأمره أن يحضر صحيفةً ودواةً ثم أمر بالقوم أن يفرقوا في نواحي المسجد ويجلس كل رجل منهم إلى سارية، وأقام مع كل واحد منهم رجلا وأمر بأن تغطى رؤوسهم وقال لمن حوله: «إذا سمعتموني كبرت فكبروا».

ثم دعا برجل منهم فكشف عن وجهه ونظر إليه وتأمله وقال: «أتظنون أني لا أعلم ما صنعتم بأبي هذا الفتى، إني إذاً لجاهل» ثم أقبل عليه فسأله، فقال: مات يا أمير المؤمنين، فسأله كيف كان مرضه وكم مرض وأين مرض وعن أسبابه في مرضه كلها وحين احتضر ومن تولى تغميضه ومن غسله وما كفن فيه ومن حمله ومن صلى عليه ومن دفنه.

فلما فرغ من السؤال رفع صوته وقال: «الحبس الحبس» وكبر، وكبر من كان معه فارتاب القوم ولم يشكوا أن صاحبهم قد أقر.

ثم دعا برجل آخر فقال له مثل ما قال للأول فقال الرجل: يا أمير المؤمنين إنما كنت واحداً من القوم ولقد كنت علم الله كارهاً لقتله وأقر بالقتل.

ثم دعاهم واحداً واحداً فأقروا أجمعين ما خلا الأول، وأقروا بالمال فردوه وألزمهم ما يجب في القصاص.

فقال شريح: يا أمير المؤمنين كيف كان حكم داود في مثل هذا الذي أخذته عنه؟

فقال (عليه السلام): «مر داود (عليه السلام) بغلمان يلعبون وفيهم غلام منهم ينادونه (يا مات الدين) فيجيبهم، فوقف عليه داود (عليه السلام) فقال: يا غلام ما اسمك؟

فقال: مات الدين.

قال: ومن سماك بهذا الاسم؟

قال: أمي.

قال: وأين أمك.

قال: في بيتها.

قال: امض بين يدي إليها.

فمضى الغلام واستخرج أمه، فقال لها داود (عليه السلام): هذا ابنك؟

قالت: نعم.

قال: ما اسمه؟

قالت: مات الدين.

قال: ومن سماه بهذا الاسم؟

قالت: أبوه.

قال: وأين أبوه؟

قالت: خرج مع قوم في سفر لهم بتجارة فرجعوا ولم يرجع فسألتهم عنه، فقالوا: مات، وسألتهم عن ماله، فقالوا: ذهب، فقلت: أوصاكم في أمري بشيء، فقالوا: نعم أوصانا وأعلمنا بأنك حبلى فمهما ولدت من ولد فسميه مات الدين.

قال: وأين هؤلاء القوم؟

قالت: حضور.

قال: امضي معي إليهم، فجمعهم وفعل في أمرهم مثل الذي فعلته وحكم بما حكمت.

وقال للمرأة: سمي ابنك هذا عاش الدين»[32].

لا تضربوهم

وفي الحديث: انه أقبلت قريش وبعثوا عبيدها ليستقوا من الماء، فأخذهم أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقالوا لهم: من أنتم؟

قالوا: نحن عبيد قريش.

قالوا: فأين العير.

قالوا: لا علم لنا بالعير.

فأقبلوا يضربونهم وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلي فانفتل من صلاته فقال: «إن صدقوكم ضربتموهم وإن كذبوكم تركتموهم عليّ بهم» فأتوه بهم فقال لهم: «من أنتم؟ »

قالوا: يا محمد نحن عبيد قريش.

قال: «كم القوم؟ »

قالوا: لا علم لنا بعددهم.

قال: «كم ينحرون كل يوم جزوراً؟ »

قالوا: تسعة أو عشرة.

فقال (صلى الله عليه وآله): «تسعمائة أو ألف»[33].

حرمة الظلم

مسألة: لا يجوز الظلم سواء من الحاكم أو غيره، فانه من أشد المحرمات شرعاً، كما يجب التحلي بالعدل والإنصاف.

عن أبي بصير قال: دخل رجلان على أبي عبد الله (عليه السلام) في مداراة بينهما ومعاملة، فلما أن سمع كلامهما قال: «أما إنه ما ظفر أحد بخير من ظفر بالظلم، أما إن المظلوم يأخذ من دين الظالم أكثر مما يأخذ الظالم من مال المظلوم» ثم قال: «من يفعل الشر بالناس فلا ينكر الشر إذا فعل به، أما إنه إنما يحصد ابن آدم ما يزرع وليس يحصد أحد من المر حلواً، ولا من الحلو مراً، فاصطلح الرجلان قبل أن يقوما»[34].

وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «لما حضر علي بن الحسين (عليه السلام) الوفاة ضمني إلى صدره ثم قال: يا بني أوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة وبما ذكر أن أباه أوصاه به، قال: يا بني إياك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلا الله»[35].

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «وليس شيء أدعى إلى تغيير نعمة الله وتعجيل نقمته من إقامة على ظلم فإن الله سميع دعوة المضطهدين وهو للظالمين بالمرصاد، وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق وأعمها في العدل وأجمعها لرضى الرعية فإن سخط العامة يجحف[36] برضى الخاصة وإن سخط الخاصة يغتفر مع رضى العامة»[37].

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اتقوا الظلم فإنه ظلمات يوم القيامة»[38].

وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال: «من عذر ظالماً بظلمه سلط الله عليه من يظلمه فإن دعا لم يستجب له ولم يأجره الله على ظلامته»[39].

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): اعرفوا الله بالله والرسول بالرسالة وأولي الأمر بالأمر بالمعروف والعدل والإحسان»[40].

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «العدل أحلى من الماء يصيبه الظمآن، ما أوسع العدل إذا عدل فيه وإن قل»[41].

وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن لله جنةً لا يدخلها إلا ثلاثة، رجل حكم على نفسه بالحق ورجل زار أخاه المؤمن في الله ورجل آثر أخاه المؤمن في الله»[42].

أهم واجبات الحاكم والحكومة

مسألة: من أهم ما يجب على الحاكم والحكومة الإسلامية أن تتعامل مع شعبها أفضل وأنظف تعامل إنساني يمكن تعامله مع الشعوب، وذلك في جميع المجالات، وبما للكلمة من معنى.

ويشاهد ذلك بوضوح في حكومة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام).

ماذا تظنون؟

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لما قدم رسول الله (صلى الله عليه وآله) مكة يوم افتتحها، فتح باب الكعبة فأمر بصور في الكعبة فطمست فأخذ بعضادتي الباب فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ما ذا تقولون وما ذا تظنون؟

قالوا: نظن خيراً ونقول خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم وقد قدرت.

قال: فإني أقول كما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين، ألا إن الله قد حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض فهي حرام بحرام الله إلى يوم القيامة، لا ينفر صيدها، ولا يعضد شجرها، ولا يختلى خلاها، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد.

فقال العباس: يا رسول الله إلا الأذخر فإنه للقبر والبيوت؟

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إلا الأذخر»[43].

مع عكرمة بن أبي جهل

وفي التاريخ أنه هرب عكرمة بن أبي جهل إلى اليمن حتى ركب البحر، فجاءت زوجته أم حكيم بنت الحارث بن هشام إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) في نسوة... فقالت أم حكيم امرأة عكرمة: يا رسول الله إن عكرمة هرب منك إلى اليمن خاف أن تقتله فأمنه.

فقال (صلى الله عليه وآله): «هو آمن».

فخرجت أم حكيم في طلبه ومعها غلام لها رومي، فراودها عن نفسها، فجعلت تمنيه حتى قدمت به على حي فاستغاثت بهم عليه، فأوثقوه رباطا وأدركت عكرمة، وقد انتهى إلى ساحل من سواحل تهامة فركب البحر فهاج بهم فجعل نوتي السفينة يقول له أن أخلص.

قال: أي شي‏ء أقول. قال: قل لا إله إلا الله.

قال عكرمة: ما هربت إلا من هذا.

فجاءت أم حكيم على هذا من الأمر فجعلت تلح عليه وتقول: يا ابن عم جئتك من عند خير الناس وأوصل الناس وأبر الناس لا تهلك نفسك، فوقف لها حتى أدركته فقالت: إني قد استأمنت لك رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأمنك.

قال: أنت فعلت.

قالت: نعم أنا كلمته فأمنك، فرجع معها.

فلما دنا من مكة قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأصحابه: «يأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمنا، فلا تسبوا أباه فإن سب الميت يؤذي الحي ولا يبلغ الميت».

فلما وصل عكرمة ودخل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وثب إليه (صلى الله عليه وآله) وليس عليه رداء فرحا به ثم جلس فوق عكرمة بين يديه ومعه زوجته منقبة فقال: يا محمد إن هذه أخبرتني أنك أمنتني؟

فقال: «صدقت أنت آمن».

فقال عكرمة: فإلى م تدعو؟

فقال: «إلى أن تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله وأن تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة» وعد خصال الإسلام.

فقال عكرمة: ما دعوت إلا إلى حق وإلى حسن جميل ولقد كنت فينا من قبل أن تدعو إلى ما دعوت إليه وأنت أصدقنا حديثا وأعظمنا برا، ثم قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لا تسألني اليوم شيئا أعطيه أحدا إلا أعطيتكه».

قال: فإني أسألك أن تغفر لي كل عداوة عاديتكها أو مسير أوضعت فيه أو مقام لقيتك فيه أو كلام قلته في وجهك أو أنت غائب عنه.

فقال: «اللهم اغفر له كل عداوة عادانيها وكل مسير سار فيه إلي يريد

بذلك إطفاء نورك، واغفر له ما نال مني ومن عرضي في وجهي أو أنا غائب عنه».

فقال عكرمة: رضيت بذلك يا رسول الله، ثم قال: أما والله لا أدع نفقة كنت أنفقها في صد عن سبيل الله إلا أنفقت ضعفها في سبيل الإسلام وفي سبيل الله ولأجتهدن في القتال بين يديك حتى أقتل شهيدا.

قال: فرد عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) امرأته بذلك النكاح الأول[44].

مع أسرى صفين

أسر أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أسرى يوم صفين فخلى سبيلهم، فأتوا معاوية، وقد كان عمرو بن العاص يقول لأسرى أسرهم معاوية: اقتلهم، فما شعروا إلا بأسراهم قد خلى سبيلهم علي (عليه السلام).

فقال معاوية: يا عمرو لو أطعناك في هؤلاء الأسرى لوقعنا في قبيح من الأمر، ألا تراه قد خلى سبيل أسرانا، فأمر بتخلية من في يديه من أسرى علي (عليه السلام) وكان علي إذا أخذ أسيرا من أهل الشام خلى سبيله إلا أن يكون قد قتل أحدا من أصحابه.

وكان أمير المؤمنين علي (عليه السلام) لا يجهز على الجرحى ولا على من أدبر بصفين[45].

مهمة الحاكم

مسألة: مهمة الحاكم والحكومة في الإسلام هي: إدارة البلاد والعباد، إدارة تؤدي إلى عمران البلاد وازدهارها، وصلاح العباد وتقدمهم تقدماً مطلوباً في جميع مجالات الحياة، ومن ذلك يلزم على الحاكم والحكومة أن تكون انتخابية واستشارية، ومتواضعة وخدومة، وحكومة الرسول (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) خير أسوة في ذلك.

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في كتابه لمالك الأشتر لما ولاه مصر: «ثم انظر في أمور عمالك فاستعملهم اختباراً ولا تولهم محاباةً وأثرةً فإنهما جماع من شعب الجور والخيانة، وتوخ منهم أهل التجربة والحياء من أهل البيوتات الصالحة والقدم في الإسلام المتقدمة، فإنهم أكرم أخلاقاً وأصح أعراضاً وأقل في المطامع إشراقاً وأبلغ في عواقب الأمور نظراً، ثم أسبغ عليهم الأرزاق فإن ذلك قوة لهم على استصلاح أنفسهم وغنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم وحجة عليهم إن خالفوا أمرك أو ثلموا أمانتك، ثم تفقد أعمالهم وابعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم، فإن تعاهدك في السر لأمورهم حدوة لهم على استعمال الأمانة والرفق بالرعية وتحفظ من الأعوان فإن أحداً منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها عليه عندك أخبار عيونك اكتفيت بذلك شاهداً فبسطت عليه العقوبة في بدنه وأخذته بما أصاب من عمله ثم نصبته بمقام المذلة ووسمته بالخيانة وقلدته عار التهمة، وتفقد أمر الخراج بما يصلح أهله فإن في صلاحه وصلاحهم صلاحاً لمن سواهم ولا صلاح لمن سواهم إلا بهم لأن الناس كلهم عيال على الخراج وأهله، وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد ولم يستقم أمره إلا قليلا فإن شكوا ثقلا أو علةً أو انقطاع شرب أو بالة أو إحالة أرض اغتمرها غرق أو أجحف بها عطش خففت عنهم بما ترجو أن يصلح به أمرهم، ولا يثقلن عليك شيء خففت به المئونة عنهم فإنه ذخر يعودون به عليك في عمارة بلادك وتزيين ولايتك مع استجلابك حسن ثنائهم وتبجحك باستفاضة العدل فيهم معتمداً فضل قوتهم بما ذخرت عندهم من إجمامك لهم والثقة منهم بما عودتهم من عدلك عليهم ورفقك بهم فربما حدث من الأمور ما إذا عولت فيه عليهم من بعد احتملوه طيبةً أنفسهم به فإن العمران محتمل ما حملته وإنما يؤتى خراب الأرض من إعواز أهلها وإنما يعوز أهلها لإشراف أنفس الولاة على الجمع وسوء ظنهم بالبقاء وقلة انتفاعهم بالعبر»[46].

لا للخيانة والغلول

مسألة: يحرّم الإسلام الخيانة والغلول حرمة شديدة، وخاصة خيانة الحكام وغلولهم بالنسبة إلى شعوبهم، فإنها من أشد المحرمات كما جاء في القرآن والروايات الشريفة.

قال تعالى: ((وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)) [47].

وقال سبحانه: ((يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)) [48].

وقال عز من قائل: ((إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ)) [49].

وقال جل وعلا: ((إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً)) [50].

عن عمار بن مروان قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الغلول، فقال: «كل شيء غل من الإمام فهو سحت، وأكل مال اليتيم سحت، والسحت أنواع كثيرة منها ما أصيب من أعمال الولاة الظلمة، ومنها أجور القضاة، وأجور الفواجر، وثمن الخمر والنبيذ والمسكر والربا بعد البينة فأما الرشوة يا عمار في الأحكام فإن ذلك الكفر بالله العظيم ورسوله»[51].

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ليس منا من أخلف بالأمانة»[52].

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «الأمانة تجلب الرزق، والخيانة تجلب الفقر»[53].

حسن التعامل حتى مع الأعداء

مسألة: يجب حسن التعامل مع الآخرين، أو يستحب ـ كل بحسبه ـ وهذا الحكم يجري حتى في التعامل مع الأعداء والكفار، وقد ذكرنا في بعض كتبنا: ان الإسلام بعد الحث على وجوب أو استحباب رعاية حق المؤمن والمسلم والرفق به أخذ يحث ويوصي حتى بالنسبة إلى الأعداء، كما يلاحظ ذلك بوضوح في سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار (عليهم السلام) وقد أشرنا إلى بعض ذلك في كتاب (ولأول مرة في تاريخ العالم) [54].

عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال: «الرفق نصف العيش»[55].

وعن ثعلبة بن ميمون عمن حدثه عن أحدهما (عليهما السلام) قال: «إن الله رفيق يحب الرفق»[56].

وعن تميم الداري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من يضمن لي خمسا أضمن له الجنة» قيل: وما هي يا رسول الله؟ قال: «النصيحة لله عزوجل والنصيحة لرسوله والنصيحة لكتاب الله والنصيحة لدين الله والنصيحة لجماعة المسلمين»[57].

مع الأقليات الدينية

مسألة: ينبغي للحاكم والحكومة الإسلامية أن تتعامل بالتي هي أحسن حتى مع غير المسلمين مما يصطلح عليهم اليوم بالأقليات، ولافرق بين

كون الأقليات أديانا كالنصارى، أو غير أديان كالبرهمية على تفصيل ذكرناه في الفقه.

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق»[58].

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «بعث النبي (صلى الله عليه وآله) خالد بن الوليد إلى البحرين، فأصاب بها دماء قوم من اليهود والنصارى والمجوس، فكتب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أني أصبت دماء قوم من اليهود والنصارى فوديتهم ثمانمائة ثمانمائة وأصبت دماء قوم من المجوس ولم تكن عهدت إليّ فيهم عهداً؟

قال: فكتب إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله): أن ديتهم مثل دية اليهود والنصارى وقال: إنهم أهل كتاب»[59].

وعن سماعة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن مسلم قتل ذمياً؟ قال: فقال (عليه السلام): «هذا شي‏ء شديد لا يحتمله الناس فليعط أهله دية المسلم حتى ينكل عن قتل أهل السواد وعن قتل الذمي، ثم قال: لو أن مسلماً غضب على ذمي فأراد أن يقتله ويأخذ أرضه ويؤدي إلى أهله ثمانمائة درهم إذن يكر القتل في الذميين ومن قتل ذمياً ظلماً فإنه ليحرم على المسلم أن يقتل ذمياً حراماً ما آمن بالجزية وأداها ولم يجحدها»[60].

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ليس بين أهل الذمة معاقلة فيما يجنون من قتل أو جراح إنما يؤخذ ذلك من أموالهم، فإن لم يكن لهم مال رجعت الجناية على إمام المسلمين، لأنهم يؤدون الجزية إليه كما يؤدي العبد الضريبة إلى سيده»[61].

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لا تدخلوا على نساء أهل الذمة إلا بإذن»[62].

وقال (عليه السلام): «من آذى ذميا فكأنما آذاني»[63].

حسن التعامل مع جميع الدول

مسألة: يجب على الحاكم والحكومة الإسلامية أن تحافظ على حسن تعاملها مع جميع الدول، سواء المجاورة منها أو البعيدة، مسلمة أو غير مسلمة، وأن تراعي جميع المعاهدات الدولية التي تعقدها مع الدول الأخرى، حتى غير الإسلامية منها، فان الإسلام قد أمر باحترام كل ذلك.

قال تعالى: ((وأوفوا بالعقود)) [64].

وقال سبحانه: ((أوكلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون)) [65].

وقال عزوجل: ((الموفون بعهدهم إذا عاهدوا)) [66].

وقال تعالى: ((وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا)) [67].

وقال سبحانه: ((واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد)) [68].

وقال تعالى: ((والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون)) [69].

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «المؤمنون عند شروطهم»[70].

وفي حديث آخر: «المسلمون عند شروطهم»[71].

مضافاً إلى روايات حسن الجوار فإنها تشمل ذلك في الجملة.

عن أبي أسامة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «عليك بتقوى الله والورع والاجتهاد وصدق الحديث وأداء الأمانة وحسن الخلق وحسن الجوار وكونوا دعاةً إلى أنفسكم بغير ألسنتكم وكونوا زيناً ولا تكونوا شيناً»[72].

وعن أبي مسعود قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): «حسن الجوار زيادة في الأعمار وعمارة الديار»[73].

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أعوذ بالله من جار السوء في دار إقامة تراك عيناه ويرعاك قلبه إن رآك بخير ساءه وإن رآك بشر سره»[74].

وعن أبي مالك قال: قلت لعلي بن الحسين (عليه السلام): أخبرني بجميع شرائع الدين؟ قال: «قول الحق والحكم بالعدل والوفاء بالعهد»[75].

وعن الحسين بن مصعب قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «ثلاثة لا عذر لأحد فيها: أداء الأمانة إلى البر والفاجر، والوفاء بالعهد للبر والفاجر، وبر الوالدين برين كانا أو فاجرين»[76].

وعن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: «تقبلوا لي بست أتقبل لكم بالجنة، إذا حدثتم فلا تكذبوا، وإذا وعدتم فلا تخلفوا، وإذا ائتمنتم فلا تخونوا، وغضوا أبصاركم، واحفظوا فروجكم، وكفوا أيديكم وألسنتكم»[77].

وعن الصادق (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أقربكم غدا مني في الموقف أصدقكم للحديث وآداكم للأمانة وأوفاكم بالعهد وأحسنكم خلقا وأقربكم من الناس»[78].

وقال (عليه السلام): «إن العهود قلائد في الأعناق إلى يوم القيامة فمن وصلها وصله الله، ومن نقضها خذله الله، ومن استخف بها خاصمته إلى الذي أكدها وأخذ خلقه بحفظها»[79].

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: «كن منجزاً للوعد موفياً بالنذر»[80].

لا إكراه في الدين

مسألة: لا يجبر الإسلام أحداً على أن يسلم، فإنما هو بالاقتناع والرضى، وليس بالجبر والإكراه. قال تعالى: ((لا إكراه في الدين)) [81].

وفي حديث الرفع قال (صلى الله عليه وآله): «رفع عن أمتي... ما استكرهوا عليه»[82].

ومن هنا أسلم الناس في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان منهم عامة اليهود في المدينة المنورة حيث رأوا أخلاق رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحسن تعامله معهم وعدم جبرهم على الإسلام.

عن أبي عبد الله (عليه السلام): «أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، وعليّ أولى به من بعدي، فقيل له ما معنى ذلك؟ فقال: قول النبي (صلى الله عليه وآله) من ترك ديناً أو ضياعاً فعلي ومن ترك مالا فلورثته، فالرجل ليست له على نفسه ولاية إذا لم يكن له مال، وليس له على عياله أمر ولا نهي إذا لم يجر عليهم النفقة، والنبي وأمير المؤمنين (عليهما السلام) ومن بعدهما ألزمهم هذا فمن هناك صاروا أولى بهم من أنفسهم وما كان سبب إسلام عامة اليهود إلا من بعد هذا القول من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإنهم آمنوا على أنفسهم وعلى عيالاتهم»[83].

وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «دخل يهودي على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعائشة عنده فقال: السام عليكم.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): عليكم.

ثم دخل آخر فقال مثل ذلك، فرد (صلى الله عليه وآله) عليه كما رد على صاحبه.

ثم دخل آخر فقال مثل ذلك، فرد رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما رد على صاحبيه.

فغضبت عائشة فقالت: عليكم السام والغضب واللعنة يا معشر اليهود، يا إخوة القردة والخنازير!

فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا عائشة إن الفحش لو كان ممثلا لكان مثال سوء، إن الرفق لم يوضع على شيء قط إلا زانه ولم يرفع عنه قط إلا شانه.

قالت: يا رسول الله أما سمعت إلى قولهم السام عليكم؟

فقال: بلى، أ ما سمعت ما رددت عليهم قلت عليكم، فإذا سلم عليكم مسلم فقولوا سلام عليكم وإذا سلم عليكم كافر فقولوا عليك»[84].

العفو هو الطابع العام

مسألة: ينبغي على الحاكم الإسلامي والحكومة الإسلامية إذا قامت، إصدار العفو العام عن كل من أجرم قبل قيام الحكم الإسلامي، كما عفا النبي (صلى الله عليه وآله) عن أهل مكة، وعفا أمير المؤمنين (عليه السلام) عن أهل البصرة، فان العفو هو الطابع العام للسياسة الإسلامية، ويدل على ذلك عمومات أدلة العفو وغيرها مضافاً إلى سيرتهما الطاهرة. وهكذا بالنسبة إلى المجرمين بعد قيام الدولة، ولكن بالمقدار الذي لا يخل بحقوق الناس والأمن العام.

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في رسالته إلى الأشتر النخعي ـ كما سبق ـ: «وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم، واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق، يفرط منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ، فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضى أن يعطيك الله من عفوه وصفحه، فإنك فوقهم ووالي الأمر عليك فوقك والله فوق من ولاك، وقد استكفاك أمرهم وابتلاك بهم، ولا تنصبن نفسك لحرب الله، فإنه لا يد لك بنقمته، ولا غنى بك عن عفوه ورحمته، ولا تندمن على عفو»[85].

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): عليكم بالعفو، فإن العفو لا يزيد العبد إلا عزاً فتعافوا يعزكم الله» [86].

وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «ثلاث لا يزيد الله بهن المرء المسلم إلا عزاً الصفح عمن ظلمه وإعطاء من حرمه والصلة لمن قطعه»[87].

وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتي باليهودية التي سمت الشاة للنبي (صلى الله عليه وآله) فقال لها: ما حملك على ما صنعت؟ فقالت: قلت إن كان

نبياً لم يضره، وإن كان ملكاً أرحت الناس منه، قال: فعفا رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنها»[88].

[1] بحار الأنوار: ج72 ص98 ب48 ح2.

[2] معاني الأخبار: ص343 باب معنى قاصمات الظهر ح1.

[3] الخصال: ج1 ص169 باب الثلاثة ح222.

[4] وسائل الشيعة: ج12 ص31-32 ب16 ح15564.

[5] غوالي اللآلي: ج3 ص266 ق2 باب السبق والرماية ح5.

[6] نهج الحق: ص494 المسألة الثامنة ف7.

[7] انظر موسوعة الفقه، كتاب القواعد الفقهية، قاعدة السلطنة.

[8] نهج البلاغة، الرسائل: 31 ومن وصية له (عليه السلام) للحسن بن علي (عليه السلام) كتبها إليه بحاضرين عند انصرافه من صفين.

[9] غرر الحكم ودرر الكلم: ص335 ق4 ب1 ف5 ح7711.

[10] غرر الحكم ودرر الكلم: ص335 ق4 ب1 ف5 ح7713.

[11] الكافي: ج2 ص333 باب الظلم ح14.

[12] وسائل الشيعة: ج16 ص55-56 ب80 ح20965.

[13] بحار الأنوار: ج72 ص331 ب79 ح66.

[14] يقع الكتاب في 248 صفحة وهو من إصدارات مركز الجواد للتحقيق والنشر. ويشتمل على الفصول التالية: اللاعنف في القرآن، اللاعنف في الحديث الشريف، اللاعنف في سيرة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، اللاعنف في سيرة أهل البيت (عليهم السلام)، اللاعنف في المجتمع، اللاعنف السياسي، من معالم اللاعنف، اللاعنف والمرأة، ماذا عن العنف، و...

[15] الكافي: ج2 ص47 باب خصال المؤمن ح1.

[16] وسائل الشيعة: ج12 ص159 ب106 ح15945.

[17] الكافي: ج2 ص337 باب المكر والغدر والخديعة ح2.

[18] وسائل الشيعة: ج15 ص69 ب21 ح20003.

[19] الكافي: ج2 ص336 باب المكر والغدر والخديعة ح1.

[20] نهج البلاغة، الخطب: 200 من كلام له (عليه السلام) في معاوية.

[21] تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص209.

[22] أشنؤهم: أبغضهم.

[23] الأطلب للمعائب: الأشد طلباً لها.

[24] نهج البلاغة، الرسائل: 53 من كتاب له (عليه السلام) كتبه للأشتر النخعي لما ولاه على مصر وأعمالها.

[25] كشف الريبة: ص21 ف1.

[26] تحف العقول: ص323 من كلام له (عليه السلام) سماه بعض الشيعة نثر الدر.

[27] الكافي: ج4 ص33 باب في آداب المعروف ح3.

[28] بحار الأنوار: ج74 ص356-357 ب14 ح32.

[29] تهذيب الأحكام: ج6 ص138 ب60 ح1.

[30] نهج البلاغة، الرسائل: 47 من وصية له (عليه السلام) للحسن والحسين (عليهما السلام) لما ضربه ابن ملجم (لعنه الله).

[31] من لا يحضره الفقيه: ج4 ص189 باب رسم الوصية ح5433.

[32] مستدرك الوسائل: ج17 ص385-387 ب16 ح21644.

[33] راجع تفسير القمي: ص260 سورة الأنفال – غزوة بدر.

[34] الكافي: ج2 ص334 باب الظلم ح22.

[35] وسائل الشيعة: ج16 ص48 ب77 ح20945.

[36] يجحف برضا الخاصة: يذهب برضاهم.

[37] نهج البلاغة، الرسائل: 53 من كتاب له (عليه السلام) كتبه للاشتر النخعي، لما ولاه على مصر وأعمالها.

[38] بحار الأنوار: ج72 ص330 ب79 ح63.

[39] الكافي: ج2 ص334 باب الظلم ح18.

[40] الكافي: ج1 ص85 باب أنه لا يعرف إلا به ح1.

[41] وسائل الشيعة: ج15 ص293 ب37 ح20550.

[42] عدة الداعي: ص188 ب4 ق2 الرابع عشر الدعاء للإخوان والتماسه منهم.

[43] الكافي: ج4 ص225-226 باب أن الله عزوجل حرم مكة حين خلق السماوات والأرض ح3.

[44] راجع شرح نهج البلاغة: ج18 ص9-10 ذكر بقية الخبر عن فتح مكة.

[45] انظر وقعة صفين: ص518-519 معاملة الأسرى.

[46] نهج البلاغة، الرسائل: 53 من كتاب له (عليه السلام) كتبه للاشتر النخعي لما ولاه على مصر وأعمالها.

[47] سورة آل عمران: 161.

[48] سورة غافر: 19.

[49] سورة الحج: 38.

[50] سورة النساء: 107.

[51] معاني الأخبار: ص211 باب معنى الغلول والسحت ح1.

[52] الكافي: ج5 ص133 باب أداء الأمانة ح7.

[53] الكافي: ج5 ص133 باب أداء الأمانة ح7.

[54] يقع الكتاب في مجلدين، ويتناول البحث عن حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسيرته العطرة. طبع عدة مرات.

[55] وسائل الشيعة: ج15 ص270 ب27 ح20483.

[56] بحار الأنوار: ج72 ص63 ب42 ح33.

[57] مستدرك الوسائل: ج12 ص387 ب21 ح14366.

[58] نهج البلاغة، الرسائل: 53 من كتاب له (عليه السلام) كتبه للأشتر النخعي لما ولاه على مصر وأعمالها.

[59] من لا يحضره الفقيه: ج4 ص121 باب المسلم يقتل الذمي أو العبد أو المدبر ح5250.

[60] تهذيب الأحكام: ج10 ص188 ب14 ح35.

[61] علل الشرائع: ج2 ص541 ب327 ح1.

[62] الجعفريات: ص82 باب الاستئذان على أهل الذمة.

[63] شرح نهج البلاغة: ج17 ص147.

[64] سورة المائدة: 1.

[65] سورة البقرة: 100.

[66] سورة البقرة: 177.

[67] سورة الإسراء: 34.

[68] سورة مريم: 54.

[69] سورة المؤمنون: 8، سورة المعارج: 32.

[70] تهذيب الأحكام: ج7 ص371 ب31 ح66.

[71] الكافي: ج5 ص169 باب الشرط والخيار في البيع ح1.

[72] الكافي: ج2 ص77 باب الورع ح9.

[73] وسائل الشيعة: ج12 ص129 ب87 ح15846.

[74] الكافي: ج2 ص669 باب حق الجوار ح16.

[75] مستدرك الوسائل: ج11 ص316 ب37 ح13139.

[76] الخصال: ج1 ص123-124 باب الثلاثة ح118.

[77] بحار الأنوار: ج72 ص94 ب47 ضمن ح9، والبحار: ج74 ص115 ب6 ح5.

[78] الأمالي للشيخ الطوسي: ص229 المجلس8 ح403.

[79] غرر الحكم ودرر الكلم: ص252 ق3 ب2 ف2 الوفاء بالنذر ح5277.

[80] غرر الحكم ودرر الكلم: ص252 ق3 ب2 ف2 الوفاء بالنذر ح5284.

[81] سورة البقرة: 256.

[82] مستدرك الوسائل: ج6 ص423 ب26 ح7136.

[83] بحار الأنوار: ج16 ص260 ب9 ح49.

[84] الكافي: ج2 ص648 باب التسليم على أهل الملل ح1.

[85] نهج البلاغة، الرسائل: 53 من كتاب له (عليه السلام) كتبه للأشتر النخعي لما ولاه مصر وأعمالها.

[86] مشكاة الأنوار: ص228 ب5 ف3 في العفو.

[87] الكافي: ج2 ص108-109 باب العفو ح10.

[88] وسائل الشيعة: ج12 ص170 ب112 ح15985.