الفهرس | المؤلفات |
تتمة........ 1 2 |
حقن الدماء وحفظها |
مسألة: يحرم في الإسلام حرمة مغلظة دم المسلم بل دم الإنسان مطلقا ـ إلا ما خرج بالدليل ـ وعرضه وماله، فالسياسة الإسلامية غير ملوثة بسفك الدماء والسجن والتعذيب وما أشبه، بل تمنع عن ذلك منعا باتاً إلا في أقصى موارد الضرورة كماً وكيفاً، وذلك حسب الموازين المقررة في الشريعة. قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «إياك والدماء وسفكها بغير حلها، فإنه ليس شيء أدنى لنقمة ولا أعظم لتبعة ولا أحرى بزوال نعمة وانقطاع مدة من سفك الدماء بغير حقها، والله سبحانه مبتدئ بالحكم بين العباد فيما تسافكوا من الدماء يوم القيامة، فلا تقوين سلطانك بسفك دم حرام، فإن ذلك مما يضعفه ويوهنه بل يزيله وينقله، ولا عذر لك عند الله ولا عندي في قتل العمد، لأن فيه قود[1] البدن، وإن ابتليت بخطأ وأفرط عليك[2] سوطك أو سيفك أو يدك بالعقوبة فإن في الوكزة[3] فما فوقها مقتلةً، فلا تطمحن[4] بك نخوة سلطانك عن أن تؤدي إلى أولياء المقتول حقهم»[5]. وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أول ما يحكم الله فيه يوم القيامة الدماء، فيوقف ابني آدم فيفصل بينهما، ثم الذين يلونهما من أصحاب الدماء، حتى لا يبقى منهم أحد ثم الناس بعد ذلك حتى يأتي المقتول بقاتله فيتشخب في دمه وجهه فيقول هذا قتلني، فيقول أنت قتلته، فلا يستطيع أن يكتم الله حديثاً»[6]. وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «ما من نفس تقتل برة ولا فاجرة إلا وهي تحشر يوم القيامة معلقاً بقاتله بيده اليمنى ورأسه بيده اليسرى وأوداجه تشخب دماً يقول: يا رب سل هذا فيم قتلني، فإن كان قتله في طاعة الله يثيب القاتل وذهب بالمقتول إلى النار، وإن قال في طاعة فلان قيل له اقتله كما قتلك ثم يفعل الله فيهما بعد مشيته»[7]. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة وهو آيس من رحمة الله»[8]. وقال النبي (صلى الله عليه وآله): «من أعان على قتل امرئ مسلم ولو بشطر كلمة لقي الله يوم القيامة مكتوبا على جبهته آيس من رحمة الله»[9]. وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من أعان على مؤمن بشطر كلمة لقي الله عز وجل يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمتي»[10]. وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «من أعان على مسلم بشطر كلمة كتب بين عينيه يوم القيامة آيس من رحمة الله»[11]. وقال (عليه السلام): «من أعان على مؤمن فقد برئ من الإسلام»[12]. وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة جاء يوم القيامة بين عينيه مكتوب آيس من رحمة الله تعالى»[13]. وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «يجيء يوم القيامة رجل إلى رجل حتى يلطخه بدم والناس في الحساب فيقول: يا عبد الله ما لي ولك، فيقول أعنت عليّ يوم كذا بكلمة فقتلت»[14]. وعن أبي حمزة عن أحدهما (عليهما السلام) قال: «أتي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقيل له: يا رسول الله قتيل في مسجد جهينة! فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) يمشي حتى انتهى إلى مسجدهم. قال: وتسامع الناس فأتوه، فقال (صلى الله عليه وآله): من قتل ذا؟ قالوا: يا رسول الله ما ندري؟ فقال: قتيل من المسلمين بين ظهراني المسلمين لا يدرى من قتله! والله الذي بعثني بالحق لو أن أهل السماوات والأرض شركوا في دم امرئ مسلم ورضوا به لأكبهم الله على مناخرهم في النار، أو قال على وجوههم»[15]. وعن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «إن العبد يحشر يوم القيامة وما يدمي دما فيدفع إليه شبه المحجمة أو فوق ذلك فيقال له: هذا سهمك من دم فلان، فيقول: يا رب إنك لتعلم أنك قبضتني وما سفكت دما، قال: بلى سمعت من فلان بن فلان كذا وكذا فرويتها عنه فنقلت عنه حتى صار إلى فلان الجبار فقتله عليها فهذا سهمك من دمه»[16]. وعن أبي سعيد الخدري قال: «وجد قتيل على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فخرج (عليه السلام) مغضبا حتى رقي المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يقتل رجل من المسلمين لا يدرى من قتله والذي نفسي بيده لو أن أهل السماوات والأرض اجتمعوا على قتل مؤمن أو رضوا به لأدخلهم الله في النار، والذي نفسي بيده لايجلد أحد أحدا ظلما إلا جلد غدا في نار جهنم مثله والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت أحد إلا أكبه الله على وجهه في نار جهنم»[17]. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لو أن رجلا قتل بالمشرق وآخر رضي بالمغرب كان كمن قتله واشترك في دمه»[18]. وقال (عليه السلام): «من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله وكان كمن هدم الكعبة والبيت المقدس وقتل عشرة آلاف من الملائكة وأول ما يحكم الله تعالى في الدماء»[19]. وعن فضالة عن أبان عمن أخبره عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه سئل عمن قتل نفسا متعمدا، قال: «جزاؤه جهنم»[20]. وعن حمران قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) قول الله عزوجل: ((من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً)) [21] وإنما قتل واحدا؟ فقال: يوضع في موضع من جهنم إليه منتهى شدة عذاب أهلها لو قتل الناس جميعا كان إنما يدخل ذلك المكان ولو كان قتل واحداً كان إنما يدخل ذلك المكان» قلت: فإن قتل آخر؟ قال: «يضاعف عليه»[22]. وعن أبي عبد الله (عليه السلام): «في رجل قتل رجلا مؤمنا قال: يقال له مت أي ميتة شئت إن شئت يهوديا وإن شئت نصرانيا وإن شئت مجوسيا»[23]. وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن أعق الناس على الله تعالى من قتل غير قاتله ومن ضرب من لم يضربه»[24]. وعن سليمان بن خالد قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «أوحى الله عزوجل إلى موسى بن عمران (عليه السلام) يا موسى قل للملأ من بني إسرائيل إياكم وقتل النفس الحرام بغير حق، فإن من قتل منكم نفسا في الدنيا قتله الله في النار مائة ألف قتلة مثل قتلة صاحبه»[25]. وعن عبد الرحمن بن أسلم عنه قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): «من قتل مؤمنا متعمدا أثبت الله تعالى عليه جميع الذنوب وبرئ المقتول منها وذلك قول الله تعالى: ((أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار)) [26]»[27]. وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «من أعان على مسلم ـ مؤمن ـ فقد برئ من الإسلام»[28]. |
إكرام الوفود والدبلوماسيين |
مسألة: ينبغي للحاكم الإسلامي والحكومة الإسلامية إكرام الوفود وتقسيم الجوائز وتوزيع الهدايا بينهم وإن لم يكونوا مسلمين، وذلك اقتداءً برسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) فانهما كانا يفعلان ذلك في أيام حكومتيهما، وقد ذكرنا بعض تفصيل ذلك في المجلد الثاني من كتاب (ولأول مرة في تاريخ العالم). فيما أوصى به أمير المؤمنين (عليه السلام) عند وفاته: «أوصيك بحسن الجوار وإكرام الضيف ورحمة المجهود وأصحاب البلاء وصلة الرحم وحب المساكين ومجالستهم»[29]. وقال أبو عبد الله (عليه السلام) لداود بن سرحان: «يا داود، إن خصال المكارم بعضها مقيد ببعض، يقسمها الله حيث يشاء، تكون في الرجل ولا تكون في ابنه، وتكون في العبد ولا تكون في سيده، صدق الحديث وإعطاء السائل والمكافأة بالصنائع وأداء الأمانة وصلة الرحم والتودد إلى الجار والصاحب وقرى الضيف ورأسهن الحياء»[30]. وعن الحسين بن نعيم قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): «أتحب إخوانك يا حسين» قلت: نعم، قال: «تنفع فقراءهم» قلت: نعم، قال: «أما إنه يحق عليك أن تحب من يحب الله أما والله لا تنفع منهم أحدا حتى تحبه، تدعوهم إلى منزلك؟ » قلت: ما آكل إلا ومعي منهم الرجلان والثلاثة وأقل وأكثر، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «فضلهم عليك أعظم من فضلك عليهم» فقلت: أدعوهم إلى منزلي وأطعمهم طعامي وأسقيهم وأوطئهم رحلي ويكونون علي أفضل منا، قال: «نعم إنهم إذا دخلوا منزلك دخلوا بمغفرتك ومغفرة عيالك وإذا خرجوا من منزلك خرجوا بذنوبك وذنوب عيالك»[31]. |
القائد الإسلامي |
مسألة: ينبغي للقائد الإسلامي رعاية سلوكه وتعامله أكثر من غيره، وذلك في كل الشؤون، وفي مختلف الجوانب، وخاصة في عفوه عن أعدائه وأعداء حكومته مما يعبر عنهم اليوم بالمعارضة، ولقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) والإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وأهل بيته الطاهرون (عليهم السلام)، المثل الأعلى في هذا المجال. قال الحسن (عليه السلام) لأبيه أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد أن أخذ المسلمون ابن ملجم المرادي (لعنه الله): «هذا عدو الله وعدوك ابن ملجم قد أمكن الله منه وقد حضر بين يديك، قال: ففتح أمير المؤمنين (عليه السلام) عينيه ونظر إليه وهو مكتوف وسيفه معلق في عنقه، فقال له بضعف وانكسار صوت ورأفة ورحمة: يا هذا لقد جئت عظيما وارتكبت أمرا عظيما وخطبا جسيما، أبئس الإمام كنت لك حتى جازيتني بهذا الجزاء؟ ألم أكن شفيقا عليك، وآثرتك على غيرك، وأحسنت إليك وزدت في إعطائك؟ ألم يكن يقال لي فيك كذا وكذا فخليت لك السبيل ومنحتك عطائي وقد كنت أعلم أنك قاتلي لا محالة ولكن رجوت بذلك الاستظهار من الله تعالى عليك، يا لكع وعل أن ترجع عن غيك فغلبت عليك الشقاوة فقتلتني يا شقي الأشقياء؟ قال: فدمعت عينا ابن ملجم لعنه الله تعالى وقال: «يا أمير المؤمنين ((أفأنت تنقذ من في النار)) [32]. قال له: صدقت. ثم التفت (عليه السلام) إلى ولده الحسن (عليه السلام) وقال له: ارفق يا ولدي بأسيرك وارحمه وأحسن إليه وأشفق عليه، ألا ترى إلى عينيه قد طارتا في أم رأسه وقلبه يرجف خوفا ورعبا وفزعا. فقال له الحسن (عليه السلام): يا أباه قد قتلك هذا اللعين الفاجر وأفجعنا فيك وأنت تأمرنا بالرفق به، فقال له: نعم يا بني نحن أهل بيت لا نزداد على المذنب إلينا إلا كرما وعفوا والرحمة والشفقة من شيمتنا لا من شيمته، بحقي عليك فأطعمه يا بني مما تأكله واسقه مما تشرب، ولا تقيد له قدما، ولا تغل له يدا، فإن أنا مت فاقتص منه بأن تقتله وتضربه ضربة واحدة، وتحرقه بالنار ولا تمثل بالرجل فإني سمعت جدك رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: (إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور) وإن أنا عشت فأنا أولى بالعفو عنه وأنا أعلم بما أفعل به فإن عفوت فنحن أهل بيت لا نزداد على المذنب إلينا إلا عفوا وكرما»[33]. وروى أبو محمد الحسن بن محمد العلوي بإسناده قال: وقف على علي بن الحسين (عليه السلام) رجل فأسمعه وشتمه فلم يكلمه، فلما انصرف قال لجلسائه: «قد سمعتم ما قال هذا الرجل، وأنا أحب أن تبلغوا معي إليه حتى تسمعوا ردي عليه». قالوا: نفعل فأخذ نعليه ومشى وهو يقول: ((والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين)) [34]، فعلمنا أنه لا يقول له شيئاً. قال: فخرج حتى أتى منزل الرجل فصرخ به فقال: «قولوا له هذا علي بن الحسين» قال: فخرج إلينا متوثبا للشر وهو لا يشك أنه إنما جاءه مكافئاً له على بعض ما كان منه، فقال له علي بن الحسين (عليه السلام): «يا أخي إنك كنت قد وقفت عليّ آنفاً فقلت وقلت فإن كنت قد قلت ما فيّ فأستغفر الله منه، وإن كنت قلت ما ليس فيّ فغفر الله لك». قال: فقبل الرجل بين عينيه وقال: بل قلت فيك ما ليس فيك، وأنا أحق به»[35]. وروي عن علي بن الحسين (عليه السلام): أنه دعا مملوكه مرتين فلم يجبه ثم أجابه في الثالثة، فقال له: «يا بني، أما سمعت صوتي» قال: بلى، قال: «فما بالك لم تجبني» قال: أمنتك، قال: «الحمد لله الذي جعل مملوكي يأمنني»[36]. |
مع المعارضة السياسية |
مسألة: ينبغي للحاكم الإسلامي والحكومة الإسلامية السماح للمعارضة بأن تعيش في كنف الإسلام، وظلال الحكم الإسلامي، وحقوقها محفوظة ما دام لم تشهر السيف والسلاح ضد المسلمين، وهكذا كان يتعامل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) مع أفراد المعارضة. روي انه دخل الزبير وطلحة على علي (عليه السلام) فاستأذناه في العمرة، فقال (عليه السلام): «ما العمرة تريدان» فحلفا له بالله أنهما ما يريدان غير العمرة. فقال لهما: «ما العمرة تريدان وإنما تريدان الغدرة ونكث البيعة» فحلفا بالله ما الخلاف عليه ولا نكث بيعة يريدان وما رأيهما غير العمرة. قال لهما: «فأعيدا البيعة لي ثانية» فأعاداها بأشد ما يكون من الإيمان والمواثيق فأذن لهما. فلما خرجا من عنده قال (عليه السلام) لمن كان حاضرا: «والله لا ترونهما إلا في فتنة يقتتلان فيها». قالوا: يا أمير المؤمنين فمر بردهما عليك. قال: ((ليقضي الله أمرا كان مفعولا)) [37]. لما خرج الزبير وطلحة من المدينة إلى مكة لم يلقيا أحدا إلا وقالا له ليس لعلي في أعناقنا بيعة وإنما بايعناه مكرهين، فبلغ عليا (عليه السلام) قولهما فقال: «أبعدهما الله وأغرب دارهما، أما والله لقد علمت أنهما سيقتلان أنفسهما أخبث مقتل ويأتيان من وردا عليه بأشأم يوم والله ما العمرة يريدان ولقد أتياني بوجهي فاجرين ورجعا بوجهي غادرين ناكثين والله لا يلقيانني بعد اليوم إلا في كتيبة خشناء يقتلان فيها أنفسهما فبعدا لهما وسحقا»[38]. وعن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قال: لما رجع الأمر إليه أمر أبا الهيثم بن التيهان وعمار بن ياسر وعبيد الله بن أبي رافع فقال: «اجمعوا الناس ثم انظروا ما في بيت مالهم فأقسموه بينهم بالسوية» فحسبوا فوجدوا نصيب كل واحد منهم ثلاثة دنانير فأمرهم يقعدون للناس ويعطوهم، قال: وأخذ مكتله ومسحاته ثم انطلق إلى بئر الملك فعمل فيها، فأخذ الناس ذلك القسم حتى بلغوا الزبير وطلحة وعبد الله بن عمر أمسكوا بأيديهم وقالوا: هذا منكم أو من صاحبكم؟ قالوا: بل هذا أمره لا نعمل إلا بأمره. قالوا: فاستأذنوا لنا عليه. قالوا: ما عليه إذن هو ذا ببئر الملك يعمل. فركبوا دوابهم حتى جاءوا إليه فوجدوه في الشمس ومعه أجير له يعينه فقالوا له: إن الشمس حارة فارتفع معنا إلى الظل. فارتفع (عليه السلام) معهم إليه فقالوا له: لنا قرابة من نبي الله وسابقة وجهاد، إنك أعطيتنا بالسوية ولم يكن عمر ولا عثمان يعطوننا بالسوية، كانوا يفضلوننا على غيرنا. فقال علي (عليه السلام): «أيهما عندكم أفضل عمر أو أبو بكر؟ » قالوا: أبو بكر. قال: «فهذا قسم أبي بكر، وإلا فدعوا أبا بكر وغيره، وهذا كتاب الله فانظروا ما لكم من حق فخذوه». قالا: فسابقتنا؟ قال: «أنتما أسبق مني بسابقتي؟ ». قالوا: لا. قالا: قرابتنا بالنبي (صلى الله عليه وآله)؟ قال: «أهي أقرب من قرابتي؟ ». قالوا: لا. قالوا: فجهادنا؟ قال: «أعظم من جهادي؟ ». قالوا: لا. قال: «فو الله ما أنا في هذا المال وأجيري هذا إلا بمنزلة سواء». قالا: أفتأذن لنا في العمرة؟ قال: «ما العمرة تريدان، وإني لأعلم أمركم وشأنكم، فاذهبا حيث شئتما، فلما وليا قال: ((فمن نكث فإنما ينكث على نفسه)) [39]»[40]. |
النزاهة في الحكم |
مسألة: ينبغي للحاكم الإسلامي والحكومة الإسلامية النزاهة الكاملة عن حب الدنيا وجمع الأموال، فإن المال إذا كان بيد الحاكم والحكومة، أفلس الناس وعاشوا الفقر والجهل والمرض والموت، وإذا كان بيد الناس كان علامة على سلامة الحاكم والحكومة، وقد خصص بيت المال للتوزيع العادل على الناس. ومن هنا انتفى الفقر في حكومة أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى أنه رأى يوماً عاجزاً يتكفف فسأل متعجباً: «ما هذا؟ » ولم يقل: من هذا، ثم أجرى له من بيت مال المسلمين راتباً حتى لا يبقى فقير واحد في الحكومة الإسلامية. عن محمد بن أبي حمزة عن رجل بلغ به أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: مر شيخ مكفوف كبير يسأل فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «ما هذا»، فقالوا: يا أمير المؤمنين نصراني، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «استعملتموه حتى إذا كبر وعجز منعتموه أنفقوا عليه من بيت المال»[41]. وقال الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام): «من دخل في الإسلام طائعاً وقرأ القرآن ظاهراً فله في كل سنة مائتا دينار في بيت مال المسلمين وإن منع في الدنيا أخذها يوم القيامة وافيةً أحوج ما يكون إليها»[42]. وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لما ولي علي (عليه السلام) صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما إني والله ما أرزؤكم من فيئكم هذا درهماً ما قام لي عذق بيثرب فليصدقكم أنفسكم أ فتروني مانعاً نفسي ومعطيكم، قال: فقام إليه عقيل فقال له: لتجعلني وأسود بالمدينة سواءً؟ فقال: اجلس أما كان هاهنا أحد يتكلم غيرك وما فضلك عليه إلا بسابقة أو بتقوى»[43]. وعن أبي مخنف الأزدي قال: أتى أمير المؤمنين (عليه السلام) رهط من الشيعة، فقالوا: يا أمير المؤمنين لو أخرجت هذه الأموال ففرقتها في هؤلاء الرؤساء والأشراف وفضلتهم علينا حتى إذا استوسقت الأمور عدت إلى أفضل ما عودك الله من القسم بالسوية والعدل في الرعية، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «أتأمروني ويحكم أن أطلب النصر بالظلم والجور في من وليت عليه من أهل الإسلام، لا والله لا يكون ذلك ما سمر السمير وما رأيت في السماء نجماً والله لو كانت أموالهم ملكي لساويت بينهم فكيف وإنما هي أموالهم»[44]. |
الساسة وحياة التقشف |
مسألة: ينبغي للحكومة الإسلامية والحاكم الإسلامي الزهد في الدنيا، والعزوف عنها، وعدم الافتتان بها، أو الانغماس فيها، وترك مباهجها وزخارفها، تجنّباً للوعيد الذي توعّد به الله الحكام المترفين، من النار والأغلال إذا هم لم يزهدوا في الدنيا، وعليهم الاقتداء برسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) الذين واسوا بأنفسهم أضعف رعيتهم في المسكن والملبس، والمأكل والمشرب. عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا أراد الله تبارك وتعالى بعبد خيراً زهده في الدنيا وفقهه في الدين وبصره عيوبه، ومن أوتي هذا فقد أوتي خير الدنيا والآخرة» وقال: «لم يطلب أحد الحق بباب أفضل من الزهد في الدنيا وهو ضد لما طلب أعداء الحق» قلت: جعلت فداك مما ذا؟ قال: «من الرغبة فيها» وقال: «ألا من صبار كريم فإنما هي أيام قلائل ألا إنه حرام عليكم أن تجدوا طعم الإيمان حتى تزهدوا في الدنيا»[45]. وقال أبو عبد الله (عليه السلام): «أوحى الله إلى موسى (عليه السلام) أن عبادي لم يتقربوا إلي بشيء أحب إلي من ثلاث خصال، قال موسى (عليه السلام): وما هي؟ قال: يا موسى الزهد في الدنيا والورع عن المعاصي والبكاء من خشيتي، قال موسى (عليه السلام): يا رب فما لمن صنع ذلك؟ فأوحى الله إليه: يا موسى أما الزاهدون فأحكمهم في الجنة، وأما البكاءون من خشيتي ففي الرفيع الأعلى، وأما الورعون عن المعاصي فإني أناقش الناس ولا أناقشهم»[46]. وقال أمير المؤمنين في نهج البلاغة: «لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر وما أخذ الله على العلماء أن لا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز»[47]. وفي النهج أيضا: «ولقد كان في رسول الله (صلى الله عليه وآله) كاف لك في الأسوة ودليل لك على ذم الدنيا وعيبها وكثرة مخازيها ومساويها»[48]. وقال (عليه السلام) في ذم الدنيا في خطبة خطبها: «اعلموا أنكم ميتون ومبعوثون من بعد الموت وموقوفون على أعمالكم ومجزون بها، ((فلا تغرنكم الحياة الدنيا)) [49] فإنها دار بالبلاء محفوفة، وبالعناء معروفة، وبالغدر موصوفة، وكل ما فيها إلى زوال، وهي بين أهلها دول وسجال، لا تدوم أحوالها ولا يسلم من شرها، بينا أهلها منها في رخاء و سرور إذ هم منها في بلاء و غرور، أحوال مختلفة وتارات متصرفة، العيش فيها مذموم والرخاء فيها لا يدوم، وإنما أهلها فيها أغراض مستهدفة، ترميهم بسهامها وتقصمهم بحمامها وكل حتفه فيها مقدور وحظه منها موفور واعلموا عباد الله أنكم وما أنتم فيه من هذه الدنيا على سبيل من قد مضى ممن كان أطول منكم باعا وأشد منكم بطشا وأعمر ديارا وأبعد آثارا، فأصبحت أصواتهم هامدة خامدة من بعد طول تغلبها وأجسادهم بالية وديارهم خالية وآثارهم عافية، فاستبدلوا بالقصور المشيدة والستور والنمارق الممهدة الصخور والأحجار المسندة في القبور التي قد بني للخراب فناؤها فمحلها مقترب وساكنها مغترب بين أهل عمارة موحشين وأهل محلة متشاغلين لا يستأنسون بالعمران ولا يتواصلون تواصل الجيران والإخوان على ما بينهم من قرب الجوار ودنو الدار وكيف يكون بينهم تواصل وقد طحنهم بكلكله البلى وأكلتهم الجنادل والثرى فأصبحوا بعد الحياة أمواتا وبعد غضارة العيش رفاتا، فجع بهم الأحباب وسكنوا التراب وظعنوا فليس لهم إياب، هيهات هيهات ((إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون)) [50] فكان قد صرتم إلى ما صاروا إليه من البلى والوحدة في المثوى وارتهنتم في ذلك المضجع وضمكم ذلك المستودع فكيف بكم لو قد تناهت الأمور وبعثرت القبور وحصل ما في الصدور ووقفتم للتحصيل بين يدي ملك جليل فطارت القلوب لإشفاقها من سالف الذنوب وهتكت عنكم الحجب والأستار وظهرت منكم العيوب والأسرار هنالك ((تجزى كل نفس بما كسبت)) [51] إن الله عزوجل يقول: ((ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى)) [52] وقال: ((ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا)) [53] جعلنا الله وإياكم عاملين بكتابه متبعين لأوليائه حتى يحلنا وإياكم دار المقامة من فضله إنه حميد مجيد»[54]. وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من زهد في الدنيا أثبت الله الحكمة في قلبه، وأنطق بها لسانه، وبصره عيوب الدنيا داءها ودواءها، وأخرجه من الدنيا سالما إلى دار السلام»[55]. وعن حفص بن غياث عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «جعل الخير كله في بيت وجعل مفتاحه الزهد في الدنيا»[56]. وقال أبو جعفر (عليه السلام): «ملك ينادي كل يوم: ابن آدم لد للموت واجمع للفناء وابن للخراب»[57]. وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ما لي وللدنيا إنما مثلي ومثلها كمثل الراكب رفعت له شجرة في يوم صائف فقال[58] تحتها ثم راح وتركها»[59]. وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «مكتوب في التوراة: ابن آدم كن كيف شئت كما تدين تدان، من رضي من الله بالقليل من الرزق قبل الله منه القليل من العمل، ومن رضي باليسير من الحلال خفت مئونته وزكت مكسبته وخرج من حد الفجور»[60]. وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «إن الله جعلني إماماً لخلقه ففرض علي التقدير في نفسي ومطعمي ومشربي وملبسي كضعفاء الناس كي يقتدي الفقير بفقري ولايطغي الغني غناه»[61]. وفي احتجاج أمير المؤمنين (عليه السلام) على عاصم بن زياد حين لبس العباء وترك الملاء وشكاه أخوه الربيع بن زياد إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قد غم أهله وأحزن ولده بذلك، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «عليّ بعاصم بن زياد»، فجيء به، فلما رآه عبس في وجهه فقال له: «أما استحييت من أهلك، أما رحمت ولدك، أترى الله أحل لك الطيبات وهو يكره أخذك منها، أنت أهون على الله من ذلك، أو ليس الله يقول: ((والأرض وضعها للأنام، فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام)) [62]، أوليس الله يقول: ((مرج البحرين يلتقيان، بينهما برزخ لا يبغيان)) إلى قوله ((يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان)) [63]، فبالله لابتذال نعم الله بالفعال أحب إليه من ابتذالها بالمقال، وقد قال الله عزوجل: ((وأما بنعمة ربك فحدث)) [64]». فقال عاصم: يا أمير المؤمنين فعلى ما اقتصرت في مطعمك على الجشوبة وفي ملبسك على الخشونة؟ فقال: «ويحك إن الله عزوجل فرض على أئمة العدل أن يقدروا أنفسهم بضعفة الناس كيلا يتبيغ بالفقير فقره». فألقى عاصم بن زياد العباء ولبس الملاء[65]. |
الحكم والتأسي بالمعصومين (عليهم السلام) |
مسألة: يجب على الحكومة الإسلامية والحاكم الإسلامي أن يتأسوا برسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في النزاهة والأمانة أيام إدارة الحكم. قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «والله لأن أبيت على حسك السعدان مسهداً، أو أجرّ في الأغلال مصفداً، أحب إلي من أن ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالماً لبعض العباد وغاصباً لشيء من الحطام، وكيف أظلم أحداً لنفس يسرع إلى البلى قفولها ويطول في الثرى حلولها، والله لقد رأيت عقيلا وقد أملق حتى استماحني من بركم صاعاً، ورأيت صبيانه شعث الشعور غبر الألوان من فقرهم كأنما سودت وجوههم بالعظلم، وعاودني مؤكداً وكرر عليّ القول مردداً، فأصغيت إليه سمعي فظن أني أبيعه ديني وأتبع قياده مفارقاً طريقتي، فأحميت له حديدةً ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها، فضج ضجيج ذي دنف من ألمها وكاد أن يحترق من ميسمها، فقلت له: ثكلتك الثواكل يا عقيل أتئن من حديدة أحماها إنسانها للعبه وتجرني إلى نار سجرها جبارها لغضبه، أ تئن من الأذى ولا أئن من لظى، وأعجب من ذلك طارق طرقنا بملفوفة في وعائها ومعجونة شنئتها كأنما عجنت بريق حية أو قيئها فقلت: أصلة أم زكاة أم صدقة فذلك محرم علينا أهل البيت، فقال: لا ذا ولا ذاك ولكنها هدية، فقلت: هبلتك الهبول أعن دين الله أتيتني لتخدعني أمختبط أنت أم ذو جنة أم تهجر، والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلته وإن دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها، ما لعلي ولنعيم يفنى ولذة لا تبقى نعوذ بالله من سبات العقل وقبح الزلل وبه نستعين»[66]. وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «في قوله تعالى: ((فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة)) [67] يا معاشر شيعتنا اتقوا الله واحذروا أن تكونوا لتلك النار حطبا وإن لم تكونوا بالله كافرين فتوقوها بتوقي ظلم إخوانكم المؤمنين، وإنه ليس من مؤمن ظلم أخاه المؤمن المشارك له في موالاتنا إلا ثقل الله في تلك النار سلاسله وأغلاله ولن يقله يكفه منها إلا بشفاعتنا ولن نشفع إلى الله تعالى إلا بعد أن نشفع له في أخيه المؤمن فإن عفا شفعنا وإلا طال في النار مكثه»[68]. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من أرضى الخصماء من نفسه وجبت له الجنة بغير حساب، ويكون في الجنة مدائن من نور، وعلى المدائن أبواب من ذهب مكلل بالدر والياقوت، وفي جوف المدائن قباب من مسك وزعفران، من نظر إلى تلك المدائن يتمنى أن يكون له مدينة منها، قالوا: يا نبي الله لمن هذه المدائن؟ قال: للتائبين النادمين المرضين الخصماء من أنفسهم، فإن العبد إذا رد درهما إلى الخصماء أكرمه الله كرامة سبعين شهيدا، فإن درهما يرد العبد إلى الخصماء خير له من صيام النهار وقيام الليل، ومن رد درهما ناداه ملك من تحت العرش يا عبد الله استأنف العمل فقد غفر لك ما تقدم من ذنبك»[69]. |
لا للحرب |
مسألة: الحرب في الإسلام هي خلاف الأصل، ولذا يقتصر فيها على أقصى موارد الضرورة، وقد راعى الإسلام في الحرب أخلاقيات عالية لم تر البشرية مثلها قط رغم كثرة المنظمات الدولية اليوم التي تدعي بأنها تراقب الحروب، وتندد بالانتهاكات التي تتكرر فيها. عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «كان رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا بعث سريةً دعا بأميرها فأجلسه إلى جنبه وأجلس أصحابه بين يديه ثم قال: سيروا بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله، لا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقطعوا شجرةً إلا أن تضطروا إليها، ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا صبياً ولا امرأةً، وأيما رجل من أدنى المسلمين وأفضلهم نظر إلى أحد من المشركين فهو جار حتى يسمع كلام الله، فإذا سمع كلام الله عز وجل فإن تبعكم فأخوكم في دينكم، وإن أبى فاستعينوا بالله عليه وأبلغوه مأمنه»[70]. وعن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) قال: «قرأت في كتاب علي (عليه السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كتب كتاباً بين المهاجرين والأنصار ومن لحق بهم من أهل يثرب أن كل غازية غزت بما يعقب بعضها بعضاً بالمعروف والقسط بين المسلمين وانه لايجار حرمة إلا بإذن أهلها وأن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم وحرمة الجار كحرمة أمه وأبيه لا يسالم مؤمن دون مؤمنين في قتال في سبيل الله إلا على عدل وسواء»[71]. وعن أبي حمزة الثمالي قال: قلت لعلي بن الحسين (عليه السلام): إن علياً (عليه السلام) سار في أهل القبلة بخلاف سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أهل الشرك، قال: فغضب ثم جلس ثم قال: «سار والله فيهم بسيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم الفتح، إن علياً (عليه السلام) كتب إلى مالك وهو على مقدمته في يوم البصرة بأن لا يطعن في غير مقبل ولا يقتل مدبراً ولا يجيز على جريح، ومن أغلق بابه فهو آمن»[72]. |
أسرى الحروب |
مسألة: ينبغي للقائد المسلم والجيش الإسلامي حسن التعامل مع أسرى الحرب، فإن التعامل مع الأسرى في الإسلام هو أفضل تعامل عرفته البشرية إلى اليوم. عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لما قدم رسول الله (صلى الله عليه وآله) مكة يوم افتتحها فتح باب الكعبة فأمر بصور في الكعبة فطمست فأخذ بعضادتي الباب فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ما ذا تقولون وما ذا تظنون؟ قالوا: نظن خيراً ونقول خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم وقد قدرت. قال: فإني أقول كما قال أخي يوسف (عليه السلام): ((لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين)) [73]، ألا إن الله قد حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض فهي حرام بحرام الله إلى يوم القيامة لا ينفر صيدها ولا يعضد شجرها ولا يختلى خلاها ولا تحل لقطتها إلا لمنشد»[74]. وعن الشعبي قال: لما أسر علي (عليه السلام) الأسرى يوم صفين فخلى سبيلهم أتوا معاوية وقد كان عمرو بن العاص يقول لأسرى أسرهم معاوية: اقتلهم فما شعروا إلا بأسراهم قد خلى سبيلهم علي (عليه السلام)، فقال معاوية: يا عمرو لو أطعناك في هؤلاء الأسرى لوقعنا في قبيح من الأمر أ لا ترى قد خلى سبيل أسرانا، فأمر بتخلية من في يديه من أسرى علي (عليه السلام) وقد كان علي (عليه السلام) إذا أخذ أسيراً من أهل الشام خلى سبيله إلا أن يكون قد قتل من أصحابه أحداً فيقتله به[75]. |
القانون الإسلامي العالمي |
مسألة: إن القانون في الإسلام من أحسن ما يكون وأكمله وهو القانون الذي يصلح أن يكون عالمياً، كما شهد به الخبراء وعلماء القانون، مضافاً إلى الواقع الخارجي والتاريخ الماضي والمعاصر، ومن ثم يجب أن يكون تطبيق هذا القانون أيضا من أحسن ما يكون، علماً بأن تشريع القوانين خاص بالشارع المقدس، وليس لغيره سوى التطبيق. قال تعالى: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً)) [76]. وعن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما نزلت هذه الآية قال: «الله أكبر الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي وولاية علي ابن أبي طالب من بعدي»[77]. وعن عبد العزيز بن مسلم قال: كنا مع الرضا (عليه السلام) بمرو فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة في بدء مقدمنا فأداروا أمر الإمامة وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها، فدخلت على سيدي (عليه السلام) فأعلمته خوض الناس فيه، فتبسم (عليه السلام) ثم قال: «يا عبد العزيز جهل القوم وخدعوا عن آرائهم، إن الله عزوجل لم يقبض نبيه (صلى الله عليه وآله) حتى أكمل له الدين وأنزل عليه القرآن فيه تبيان كل شيء، بين فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام وجميع ما يحتاج إليه الناس كملا، فقال عز وجل: ((ما فرطنا في الكتاب من شيء)) [78] وأنزل في حجة الوداع وهي آخر عمره (صلى الله عليه وآله): ((اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً)) [79] وأمر الإمامة من تمام الدين، ولم يمض (صلى الله عليه وآله) حتى بيّن لأمته معالم دينهم وأوضح لهم سبيلهم وتركهم على قصد سبيل الحق وأقام لهم علياً (عليه السلام) علماً وإماماً وما ترك لهم شيئاً يحتاج إليه الأمة إلا بينه»[80]. وعن جعفر بن محمد (عليه السلام) أنه سئل عما يقضي به القاضي؟ قال: «بالكتاب». قيل: فما لم يكن في الكتاب؟ قال: «بالسنة». قيل: فما لم يكن في الكتاب ولا في السنة؟ قال: «ليس شيء من دين الله إلا وهو في الكتاب والسنة، قد أكمل الله الدين، قال الله تعالى: ((اليوم أكملت لكم دينكم)) [81]، ثم قال (عليه السلام): «يوفق الله ويسدد لذلك من شاء من خلقه وليس كما تظنون»[82]. |
الحدود الجغرافية تناقض العولمة |
مسألة: الحدود الجغرافية المصطنعة بين بلاد الإسلام من المحرمات الشرعية، بل إن الحدود الجغرافية هي تناقض صريح للعولمة المبتنية على جعل العالم بيتاً واحداً وأسرة واحدة، وإنما تكون هذه الحدود المصطنعة محرمة لأنها توجب تبديد شمل المسلمين وتفريق جمعهم وهي مضادة لوحدتهم التي صرح بها القرآن الحكيم في أكثر من آية وصرحت بها الأحاديث الشريفة العديدة. قال تعالى: ((إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)) [83]. وقال سبحانه: ((وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ)) [84]. ومن هنا جاء التعبير في الروايات عن البلاد الإسلامية بدار الإسلام في قبال دار الشرك او دار الكفر أو دار الحرب، مما يدل على أنه لا حدود جغرافية بين البلاد الإسلامية. كقوله (عليه السلام) في حديث: «فمن كان منهم في دار الإسلام»[85]. وفي حديث: «أن رسُول الله (صلى الله عليه وآله) نهى عن قتال النساء والولدان في دار الحرب إلا أن يقاتلوا فإن قاتلت أيضا فأمسك عنها ما أمكنك ولم تخف خللا فلما نهى عن قتلهن في دار الحرب كان في دار الإسلام أولى»[86]. وفي حديث آخر: «إنما أخرجُوهُم من الشرك إلى دار الإسلام»[87]. وقال (عليه السلام): «وليس لهُ أن يُخرجها من دار الإسلام إلى غيرها»[88]. وقال (عليه السلام): «إن أراد أن يخرج بها إلى بلاد المسلمين ودار الإسلام فله ما اشترط عليها»[89]. وقال (عليه السلام): «أيهما أعظم حرمة دار الإسلام أو دار الشرك»[90]. وعن أبي عبد الله (عليه السلام): «في رجل كان له عبد فأدخل دار الشرك ثم أخذ سبيا إلى دار الإسلام»[91]. وعنه (عليه السلام) قال: «الناس كلهم في دار الإسلام المخالفون وغيرهم أهل هدنة ترد ضالتهم وتؤدى أمانتهم ويوفى بعهدهم، إن الأمانة تؤدى إلى البر والفاجر، والعهد يوفى به للبر والفاجر وأد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك ولا تأخذن ممن جحدك مالا لك عليه شيئا بوجه خيانة»[92]. وعن جعفر بن محمد (عليه السلام) قال: «إذا خرج الحربي إلى دار الإسلام فأسلم ثم لحقته امرأتُه فهما على النكاح»[93]. وعن أبي عبد الله (عليه السلام): «أنه كان يورث الحميل، والحميل ما ولد في بلد الشرك فعرف بعضُهُم بعضا في دار الإسلام وتقاروا بالأنساب»[94]. وعن الإمام علي (عليه السلام) أنه قال: «إذا سبي الرجل وامرأته من المشركين فهما على النكاح ما لم يكن أحدهما سبي و أحرز في دار الإسلام دون الآخر فإذا كان ذلك فلا عصمة بينهما»[95]. وعن يونس عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: قلت له: جعلت فداك إن رجلا من مواليك بلغه أن رجلا يعطي السيف والفرس في سبيل الله فأتاه فأخذهما منه وهو جاهل بوجه السبيل ثم لقيه أصحابه فأخبروه أن السبيل مع هؤلاء لا يجوز وأمروه بردهما، فقال: «فليفعل» قال: قد طلب الرجل فلم يجده وقيل له قد شخص الرجل، قال: «فليرابط ولا يقاتل» قال: ففي مثل قزوين والديلم وعسقلان وما أشبه هذه الثغور، فقال: «نعم» فقال له: يجاهد؟ قال: «لا إلا أن يخاف على ذراري المسلمين» فقال: أرأيتك لو أن الروم دخلوا على المسلمين لم ينبغ لهم أن يمنعوهم، قال: «يرابط ولا يقاتل وإن خاف على بيضة الإسلام والمسلمين قاتل فيكون قتاله لنفسه وليس للسلطان» قال: قلت: فإن جاء العدو إلى الموضع الذي هو فيه مرابط كيف يصنع؟ قال: «يقاتل عن بيضة الإسلام لا عن هؤلاء لأن في دروس الإسلام دروس دين محمد (صلى الله عليه وآله) »[96]. وعن أبي بصير قال: سألته عن الإنفاء من الأرض كيف هو؟ قال: «ينفى من بلاد الإسلام كلها»[97]. قال صاحب أوائل المقالات: أقول إن الحكم في الدار على الأغلب فيها وكل موضع غلب فيه الكفر فهو دار كفر وكل موضع غلب فيه الإيمان فهو دار إيمان وكل موضع غلب فيه الإسلام دون الإيمان فهو دار إسلام[98]. |
[1] القود: القصاص وإضافته للبدن لأنه يقع عليه. [2] أفرط عليك سوطك: عجل بما لم تكن تريده: أردت تأديباً فأعقب قتلاً. [3] الوكزة بفتح فسكون الضربة بجمع الكف بضم الجيم: أي قبضته وهي المعروفة باللكمة. [4] تطمحن بك: ترتفعن بك. [5] نهج البلاغة، الرسائل: 53 من كتاب له (عليه السلام) كتبه للأشتر النخعي لما ولاه مصر وأعمالها. [6] الكافي: ج7 ص271 باب القتل ح2. [7] ثواب الأعمال: ص278 عقاب من قتل نفساً متعمداً. [8] مستدرك الوسائل: ج18 ص211 ب2 ح22528. [9] نهج الحق: ص312 نماذج أخرى من نسب معاوية وأنسابه وهم الشجرة الملعونة. [10] تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص163. [11] المحاسن: ج1 ص103 ب40 ح80. [12] مستدرك الوسائل: ج18 ص214 ب2 ضمن ح22538. [13] غوالي اللآلي: ج1 ص365 ب1 المسلك الثاني ح57. [14] بحار الأنوار: ج7 ص217 ب8 ح124. [15] بحار الأنوار: ج101 ص383 ب 2 ح3. [16] المحاسن: ج1 ص104-105 ب44 ح84. [17] الأمالي للمفيد: ص216-217 المجلس25 ح3. [18] روضة الواعظين: ج2 ص461 مجلس في ذكر قتل النفس والزنى. [19] أعلام الدين: ص410 باب ما جاء من عقاب الأعمال. [20] وسائل الشيعة: ج29 ص14 ب1 ح35032. [21] سورة المائدة: 32. [22] معاني الأخبار: ص379 باب نوادر المعاني ح2. [23] تهذيب الأحكام: ج10 ص165 ب11 ح36. [24] ثواب الأعمال: ص278 عقاب من قتل نفساً متعمداً. [25] المحاسن: ج1 ص105-106 ب45 ضمن ح87. [26] سورة المائدة: 29. [27] ثواب الأعمال: ص278-279 عقاب من قتل نفساً متعمداً. [28] غرر الحكم ودرر الكلم: ص456 ق6 ب5 ف1 ذم الظلم ح10409. [29] بحار الأنوار: ج71 ص411 ب30 ح22. [30] الأمالي للطوسي: ص301 المجلس11 ح597. [31] المحاسن: ج2 ص390-391 ب1 ح28. [32] سورة الزمر: 19. [33] بحار الأنوار: ج42 ص287-288 ب127 كيفية شهادته (عليه السلام) ووصيته. [34] سورة آل عمران: 134. [35] الإرشاد: ج2 ص145-146 باب ذكر طرف من الأخبار لعلي بن الحسين (عليه السلام). [36] إعلام الورى: ص261-262 الركن الثالث ب3 ف4. [37] سورة الأنفال: 42و44. [38] شرح نهج البلاغة: ج1 ص232-233 أمر طلحة والزبير مع علي بن أبي طالب (عليه السلام) بعد بيعتهما له. [39] سورة الفتح: 10. [40] الخرائح والجرائح: ج1 ص186-187 ب2 في معجزات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام). [41] تهذيب الأحكام: ج6 ص292-293 ب92 ح18. [42] وسائل الشيعة: ج6 ص185 ب9 ح7685. [43] الكافي: ج8 ص182 خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام) ح204. [44] وسائل الشيعة: ج15 ص105-106 ب39 ح20077. [45] مستدرك الوسائل: ج12 ص43-44 ب62 ح13470. [46] مكارم الأخلاق: ص316 ب10 ف3 في البكاء. [47] نهج البلاغة، الخطب: 3 من خطبه له (عليه السلام) وهي المعروفة بالشقشقية. [48] نهج البلاغة، الخطب: 160 من خطبة له (عليه السلام). [49] سورة لقمان: 33. [50] سورة المؤمنون: 100. [51] سورة غافر: 17. [52] سورة النجم: 31. [53] سورة الكهف: 49. [54] بحار الأنوار: ج70 ص117-118 ب122. [55] الكافي: ج2 ص128 باب ذم الدنيا والزهد فيها ح1. [56] وسائل الشيعة: ج16 ص12 ب62 ح20831. [57] بحار الأنوار: ج70 ص64 ب122 ح32. [58] أي نام قليلاً، من القيلولة. [59] الكافي: ج2 ص134 باب ذم الدنيا والزهد فيها ح19. [60] وسائل الشيعة: ج21 ص531 ب15 ح27777. [61] بحار الأنوار: ح40 ص336 ب98 ح17. [62] سورة الرحمن: 10-11. [63] سورة الرحمن: 19-22. [64] سورة الضحى: 11. [65] الكافي: ج1 ص410-411 باب سيرة الإمام (عليه السلام) في نفسه وفي المطعم والملبس إذا ولي الأمر ح3. [66] نهج البلاغة، الخطب: 224 من كلام له (عليه السلام) يتبرأ من الظلم. [67] سورة البقرة: 24. [68] مستدرك الوسائل: ج12 ص101 ب77 ح13630. [69] بحار الأنوار: ج101 ص295-296 ب10 ح14. [70] الكافي: ج5 ص30 باب وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) في السرايا ح9. [71] تهذيب الأحكام: ج6 ص140-141 ب61 ح5. [72] وسائل الشيعة: ج15 ص74 ب24 ح20012. [73] سورة يوسف: 92. [74] بحار الأنوار: ج21 ص135 ب26 ح26. [75] مستدرك الوسائل: ج11 ص50 ب21 ح12406. [76] سورة المائدة: 3. [77] بحار الأنوار: ج37 ص249 ب52 أخبار الغدير وما صدر في ذلك اليوم. [78] سورة الأنعام: 38. [79] سورة المائدة: 3. [80] الكافي: ج1 ص198-199 باب نادر جامع في فضل الإمام وصفاته ح1. [81] سورة المائدة: 3. [82] دعائم الإسلام: ج2 ص535 كتاب آداب القضاة ح1900. [83] سورة الأنبياء: 92. [84] سورة المؤمنون: 52. [85] الخصال: ج1 ص274 باب الخمسة ح18. [86] الكافي: ج5 ص29 باب وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) في السرايا ح6. [87] تهذيب الأحكام: ج6 ص162 ب75 ح6. [88] الاستبصار: ج3 ص183 ب118 ح6. [89] غوالي اللآلي: ج3 ص367 باب النكاح ح341. [90] من لا يحضره الفقيه: ج4 ص69 باب حد السرقة ح5125. [91] تهذيب الأحكام: ج6 ص160 ب74 ح4. [92] مستدرك الوسائل: ج14 ص9-10 ب2 ح15953. [93] دعائم الإسلام: ج2 ص251 كتاب النكاح ف13 ح947. [94] مستدرك الوسائل: ج17 ص216 ب6 ح21185. [95] دعائم الإسلام: ج2 ص252 كتاب النكاح ف13 ح953. [96] الكافي: ج5 ص21 باب الغزو مع الناس إذا خيف على الإسلام ح2. [97] وسائل الشيعة: ج28 ص318 ب4 ح34853. [98] أوائل المقالات: ص94 ب81 القول في حكم الدار. |
تتمة........ 1 2 |