المؤلفات |
مقارنة موضوعية بين أسرتين |
قصيدة أبي فراس الحمداني من الروائع الخالدة التي ألقت أضواءً متعددة على أسطر مظلمة من التاريخ الأسود لديكتاتورية بني العباس.. وفي مقابلها رائعة الفرزدق التي كشفت جوانب من سمو مكارم آل البيت (عليه السلام) ننقلهما هنا للمقارنة بين الأسرتين وليعلم كيف يتصرف الديكتاتوريون بالدماء والأعراض والأموال، وليعرف كيف يكون الأئمة المعصومون (عليه السلام) منهاج الاستشارية الإسلامية والحكم الذي أنزله الله سبحانه لضمان سعادة الناس وكرامتهم في الدنيا والآخرة. قال أبو فراس: الدين مختــــرم والحـــق مهتــــــضـم وفــــــيء آل رسول الله مقــتســـــــــــم والنـاس عـــندك لا ناس فيحفظهـــــم سـوء الـــرعـاء ولا شــــــاء ولا نعــــم إنـي أبيت قليــل النـوم أطــرقـــــنـــي قلـب تصــــارع فـــيها الهم والهمـــــــم يا للــــرجـال أمــــا لله منتـصــــــــــر مــــــن الطغـــــــــاة ولا لله منتقــــــــــم بنوا علــى رعـايـا فــــي ديــــارهــــم والأمــــر تملكــــه النسوان والخـــــــدم محلئون فاصفى وردهــــم وشـــــــــل عنـد الـــــورود وأوفـــي وردهـــم لـمم والأرض إلا علـــى ملاّكهـــا سعــــــة والمـــال إلاّ علــــــى أربــابـــه ديـــــــم ومــا السعيد بـها إلا الــــذي ظلمــــوا ومــا الغنــي بها إلا الـذي حـــــرمـــــوا للمتقين مـــن الدنيـــــــا عواقبهــــــــا وأن تعجــــل مــنها الظالــم الإثــــــــــم لا يطغيـــن بنـي العبـــــاس ملكهــــــم بنوا علــى مــــواليـهم وأن رغمـــــــوا أتفخــــرون عليهــــــم لا أباً لكـــــــــم حتــــى كـــــأن رســـــول الله جــدكــــم ومـا توازن يـومــاً بينـــــكم شـــــرف ولا تساوت بكــــم فـي موطن قـــــــــدم ولا لجدكـــــم مسعــــــات جــــــــــدهم ولا نثياتكــــــم مــــــن أمهـــــم أمــــــم ليس الرشيد كموسى في القيــاس ولا مـأمــونكم كالـــرضا أن أنصف الحكــم قــام النبي بها يــــوم الغديــــر لهـــــم والله يشهـــــد والأمــــــلاك والأمـــــــم حتــــى إذا أصبحت فـي غير صاحبهــا باتـــت تنازعـــها الذؤبان والـــرخــــم ثـــم ادعاها بنــــو العبــــاس ملكهـــم ومـــا لهـــم قَــــدمٌ فيهــــا ولا قِـــــــدمُ لا يذكـــرون إذا مـا معشــر ذكــــــروا ولا يحكّــــم فـــــي أمــــر لهــــم حكـــم ولا رعاهــــا أبـــو بكـــر وصــاحبـــه أهلاً لمــا طلبوا منهـــا ومــــا زعمـــوا أما علــي فقـــــد أدنــــى قــــرابتكــــم عنــــد الـــــولاية إن لـم تكفـر النعـــــم أينكــــر الحبـــر عبـــــد الله نعمــــــته أبــــــوكـــــم أم عبيـــــد الله أم قثـــــــم بئس الجـــزاء جـــزيتم في بني حسن أبـــــاهـــــم العلـم الهــــادي وأمهــــــم لا بيعـــــة ردعتكــــم عـن دمــائـهـــم ولا يميــــن ولا قــــــربــــى ولا ذمـــــم ألا صفحتـــم عـــن الأسرى بلا سبـب للصافحيــــن ببـــدر عــــــن أسيركـــــم ألا كففتـــــــم عــن الديبــــاج ألسنكـم وعــــــن بنـــــات رسول الله شتمكـــــم مـا نزهـــــت لــرسـول الله مهجتـــــه عـــــــن السيـــــــاط فإلا نـــزّه الحـــرم مــا نــال مـنهم بنو حرب وإن عظمت تــــلك الجـــــــرائــــم إلا دون نيلكـــــم كـم غدرةٍ لكـــم في الديــــن واضحــة وكــــــــم دم لــــرســــول الله عنـــدكــم أأنتــــــم آلـــه فيمـــــا تـرون وفـــــي أظفـــاركــــــم مـن بنيه الطاهريــــن دم هيهـــــات لا قــربت قــــربى ولا رحم يـــومـــاً إذا أقصـــت الأخـلاق والشيــم كانــــــت مودة سلمان لــــهم رحمــــاً ولــــم يكــــن بيــــن نـــوح وابنه رحـم يا جاهـــــداً فـــي مساويهــــم يكتمـها غدر الــــرشيــــد بيحيــــى كيــف ينكتم ذاق الـزبيري غــــب الحنث وانكشفت عــــن ابـــن فاطمـــة الأقــــوال والتهم باءوا بقتل الـــــرضا من بعـــد بيعتــه وأبصـــروا بعـض يـوم رشدهـم فـعموا يــا عصبة شقيت مـــن بعد ما سعـدت ومعشراً هلكوا مـــن بعــد مــا سلمـــوا لبئس مــا لقيــت مــنهــم وإن بليــــت بجانب ألطــف تلك الأعظـم الــــرمـــــم لا عن أبي مسلم فـــي نصحه صفحوا ولا الهبيريُّ نجـــــــيُّ الحلـف والقســم ولا الأمان لأهل المــــوصل اعتمــدوا فيه الــوفاء ولا عــــن عمهــم حلــــموا أبلــغ لديك بنـــي العبــــاس مالكــــــة لا يدّعــــوا ملكـــها، ملاّكـــها العجـــــم خلـــوا الفخـار لعلاّميـــن إن سئلــــوا يـــــوم السؤال وعمــاليـــن إذ عملــــوا لا يغضبــون لغيـــر الله إن غضبــــوا ولا يبيــــعون حكـــــم الله إن حكمــــــوا تبــدو التـــــلاوة مـن أبياتهــــم أبـــدا ومـن بيــــــوتكــــم الأوتــــار والنغـــــم يا باعــة الخمــر خلـــوا عن مفاخـرة لمــعشر بيعهــــم يـــــــوم الفخـــــار دم مــنهم عُليّة أم منكــــم وكـان لكــــــم شيـــــخ المغنيــــن إبـراهيـــم أم لهـــــم أم من تشاد لــــه الألحــــان سائــــرة عليّهـــــم ذو المعالـــــي أم عليّكـــــــــم إذا تلـــــوا سورة عنــــى خطيبكــــــم قف بالديـــــار التــــي لم يعفها الــــقدم مــا فــي منـــــازلهم للخمر معتصـــر ولا بيــــــوتهــــــم للشــــــر معتصـــــم ولا تبيــــــت لهــــم خنثـــى تنــادمهـم ولا يـــــرى لهــــم قــــرد لــــــه حشـم الـــركن والبيت والأستار مــنزلــــــهم وزمــــــزم والصفــا والحجـر والحــرم صلـــى الإله علــيهم كلمــا سجعــــت وَرْقٌ فهــــم للــورى ذخــر ومعتصـــــم وقد ألحقه بعضهم بأبيات أخر في ذمهم وذم الأمويين، حيث أنهما كانا على طريقة واحدة من الإستبداد والفسق والظلم والإستهتار، قال: أميـــــة ثــــم أنتـــــم في قبائحكــــــــم ملأتــــــم الأرض ما لـــم يأتها أثـــم فهــــــل مخنثكــــــم عبــــادة لهــــــــم أم للعقـــــــارب والحيـــات نثــرهـــم وهل صنعتم غلاميــــات أم صنعـــــوا أم إليهــــــودي سنــدي الشقا لهـــــم والسحر فـي مجلس الكوفان كان لهم والقيء للخمــر في المحراب أم لكــم هـل عمموا أمة سكرى تـــؤم وقــــــد صلــــوا وراها وبالإســــلام تهتـكـــم تشبيبكم إذ طمعتــــم فـــي أرينبـــــــة مستهتريـــــن بهــا في خزيكم عـلــم خليفة تلعب الحيتـــــان فــــي سفــــــه والأمــــر يتركــــه ينتابـــه الخــــدم إحـــراقكم خيـــــم الأطهــــــار عادتكم ودار جعفــــر وهو الصادق الشمــــم حتــى خنـى البنت يأتيـــــه خليفتكـــــم عن سطـــر مخزاتــه يستنزه القلـــم إن الجـــرائم فيكـــــم لا عــــداد لهــــا والموبقــــات التــي قد عافها الأمـــم وننقل هنا شرح بعض أبيات القصيدة فمراده من قوله (في البيت 2): (لا شاء ولا نعم) أي ليسوا بناس كاملين. (فيحفظهم) أي يغضبهم ويثير حفيظتهم وحميتهم سوء الرعاء لهم من الحكام والأمراء ولا هم شاء ولا نعم لأنهم من بني آدم والغرض ذم الحكام الرعاة وتحريك حمية الرعية. |
الأمر تملكه النسوان والخدم!! |
ومراده بقوله (في البيت 5) (والأمر تملكه النسوان والخدم) أم المقتدر فقد كان لها كاتب وقهرمانة بمنزلة الوزير. وقد قلد المقتدر أحمد بن العباس كتابة أمه ثم قال: لولا التحكم عليه لكان الناس معه في عيش رغد، لكن أمه وغيرها من حاشيته كانوا يفسدون كثيراً من أمره. وفي سنة ثلاثمائة وستة أمرت أم المقتدر قهرمانة لها تعرف (بمثل) أن تجلس بالرصافة للمظالم يوماً في كل جمعة. وغير أم المقتدر كان لها شبه ذلك كما هو مذكور في التواريخ. |
نسب وحسب |
ومراده بقوله (ولا نثيلتكم من أمهم أمم) أمم أي قريبة، ونثيلتهم أمّ العباس وضرار، ابني عبد المطلب بن هاشم وهي (نثيلة) ابنة كليب بن مالك بن خباب. وأم عبد الله أبى النبي (صلى الله عليه وآله) فاطمة بنت عمرو بن عائد كانت شريفة في قومها. وقوله (في البيت 21): (أبوكم أم عبيد الله أم قثم)، فإنه لما ولي الإمام أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) الخلافة، ولّى عبد الله بن العباس البصرة، وأخاه عبيد الله اليمن، وأخاهما قثماً المدينة أو مكة أو هما على الاختلاف في التواريخ. |
نكث وخيانة |
أما قوله (في البيت 23): (ولا يمين ولا قربى ولا ذمم) فقد ذكر المؤرخون أنه كان المنصور وجماعة من بني هاشم قد بايعوا محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) في آخر دولة بني أمية، فلما أفضى الأمر إلى المنصور طلب محمداً فاختفى فحبس أباه عبد الله بالمدينة وأهل بيته ثم حملهم إلى العراق فحبسهم بالهاشمية، ولما خرج عليه محمد وإبراهيم ابنا عبد الله بن الحسن هدم عليهم الحبس فماتوا جميعاً. |
إذلال الأسير |
وأما قوله (في البيت 24): (للصافحين ببدر عن أسيركم) فالمراد بالأسرى بلا سبب أي بلا ذنب عبد الله بن الحسن وأهل بيته وبأسيرهم ببدر العباس بن عبد المطلب، ولما جيء بعبد الله وأهل بيته إلى الربذة مغلولين مكبلين عليهم المسوح، وخرج المنصور ناداه عبد الله: يا أبا جعفر ما هكذا فعلنا بأسراكم يوم بدر فأخساه المنصور. |
التنكيل بالأحرار |
ومراده (في البيت 25) (عن بنات رسول الله شتمكم) و (بالديباج) محمد بن عبد الله بن عمر بن عثمان بن عفان وهو أخو بني حسن لأمهم فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) فإنه كان يلقب بالديباج لحسنه، أخذه المنصور مع بني حسن وكانت ابنته رقية تحت إبراهيم بن عبد الله بن حسن، فلما أدخل على المنصور قال: أيهاً يا ديوث مم حملت ابنتك وقد أعطيتني الإيمان أن لا تغشني فأنت بين أن تكون خائناً أو ديوثاً وأيم الله إني لأهم برجمها. فقال له محمد: أما ما رميت به الجارية فإن الله قد أكرمها وطهرها بولادة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولكنني ظننت حين ظهر حملها أن زوجها ألمّ بها على حين غفلة فأغضبه كلامه فأمر بشق ثيابه، فشق قميصه عن أزاره فكشف عن عورته، ثم أمر به فضرب ما ئتين وخمسين سوطاً، والمنصور يفتري عليه ويسبه ولا يكنّى فأصاب سوط منها وجهه فقال: ويحك أكفف عن وجهي فإن له حرمة برسول الله. فقال للجلاد: الرأس الرأس فضرب على رأسه نحواً من ثلاثين سوطاً وأصاب سوط منها إحدى عينيه فسالت كما قال بعض المؤرخين. |
افتراء وتنكيل |
وعن ابن الأثير قال: وأحضر المنصور محمد بن إبراهيم بن الحسن وكان أحسن الناس صورة فقال له: أنت الديباج الأصفر. قال: نعم. قال: لأقتلنك قتلة لم أقتلها أحداً، ثم أمر فبنى عليه أسطوانة وهو حي فمات فيها، وقد اختلفوا في أن المراد بالديباجي أيهما، ولم يستبعد أن يكون المراد الثاني لا الأول الذي تقدم الكلام حوله وإن كان كلاهما ينسبان إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أحدهما بالأب والآخر بالأم. قوله (في البيت 26): (فإلا نزّه الحرم) يشير بذلك إلى ضرب محمد بن عبد الله بالسياط مع اتصال نسبه برسول الله (صلى الله عليه وآله) من قبل أمه فاطمة بنت الحسين (عليه السلام) مع الإفتراء على ابنته رقية زوجة إبراهيم. وإلى الإفتراء عليه من المنصور ولا يكنّى وقول المنصور له: يا بن اللخناء. فقال له محمد: بأي أمهاتي تعيرني أبفاطمة بنت الحسين أم بفاطمة الزهراء أم برقية؟. |
الغدر بالنبلاء |
قوله (في البيت 32) (غدر الرشيد بيحيى كيف ينكتم) هو يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن خرج ببلاد الديلم سنة مائة وست وسبعين فأمنه الرشيد ثم غدر به حيث أحضر نسخة الأمان، وقال لمحمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة: ما تقول فيه؟ قال: صحيح. فحاجه فيه الرشيد فقال له محمد: ما تصنع بالأمان، لو كان محارباً ثم أعطيته الأمان هل كان آمناً؟ ثم سأل أبا البختري فقال: هذا منتقض. قال الرشيد: فمزقه. فمزقه أبو البختري. وحبس الرشيد يحيى فبقي محبوساً شهراً ومات. ولم يستبعد أن يكون قد سمه الرشيد أو قتله تحت التعذيب. |
تظلم وابتهال |
قوله (في البيت 33): (عن ابن فاطمة الأقوال والتهم) الزبيري هو عبد الله بن مصعب بن عبد الله بن الزبير ادعى عند الرشيد أن يحيى بن عبد الله بن الحسن دعاه إلى بيعته فباهله يحيى بعد ما صلى كل منهما ركعتين وشبك يحيى يمينه في يمين الزبيري وقال: اللهم إن كنت تعلم أني دعوت عبد الله بن مصعب إلى الخلاف على هذا، فاسحتني بعذاب من عندك وكلني إلى حولي وقوتي وإلا فكله إلى حوله وقوته واسحته بعذاب من عندك وتفرقا، فما وصل الزبيري إلى داره حتى جعل يصيح: بطني، بطني، ومات. |
غدر ومكر |
قوله (في البيت 34): (فعموا) يشير إلى بيعة المأمون للرضا (عليه الصلاة والسلام) بولاية العهد ثم ندم فسمه في عنب فتوفى بخراسان، لكن الظاهر أن المأمون كان قد مكر بالإمام الرضا حين طلبه من المدينة لا أنه أبصر بعض يوم، كما قاله الشاعر. والقصة طويلة مذكورة في المفصلات. |
هدم قبر الإمام الحسين (ع) |
قوله (في البيت 36): (تلك الأعظم الرمم) يشير إلى ما فعله جعفر المتوكل بقبر الحسين (عليه السلام) فإنه أمر مناديه فنادى عند قبره من وجد به بعد ثلاث برأت منه الذمة، وأمر بهدم قبته وخراب الدور التي حوله وحرث الأرض وأجرى فيها الماء في سنة مائتين وست وثلاثين. |
قتل أبو مسلم |
قوله (في البيت 37): (الحلف والقسم) المراد بأبي مسلم هو أبو مسلم الخراساني مؤسس دولة بني العباس، قتله المنصور بعد مسيره إلى لقاء عمه عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس، لما دعا إلى نفسه بعد موت السفاح وبايعه أهل الشام، فندب إليه المنصور أبا مسلم فخذله الجند لما رأوا أبا مسلم، وفرّ عبد الله، واحتوى أبو مسلم على ما في عسكره، فأرسل المنصور من يحصى ذلك، فقال أبو مسلم: أمين على الدماء خائن في الأموال، وسار قاصداً خراسان، فاحتال عليه المنصور حتى رده وقتله. |
الغدر والقتل |
والهبيري هو يزيد بن عمرو بن هبيرة كان الوالي على العراقَين وخراسان وغيرها من قبل بني أمية، حاربه بنو العباس في خلافة السفاح ثم أمّنوه، فخرج إلى المنصور بعد استيثاقه بالإيمان وشروط الصلح ومشاورة العلماء والفقهاء فيها أربعين يوماً، وأجازها السفاح وأمضاها ثم غدروا به وقتلوه، وقتلوا قواده والأكابر من أولاده وعشائره. |
المجزرة الرهيبة!! |
قوله (في البيت 38): (ولا عن عمهم حلموا) حكي عن ابن الأثير أنه قال: استعمل السفاح أخاه يحيى بن محمد على الموصل بدل محمد بن صول، لأن أهل الموصل امتنعوا عن طاعته وأخرجوه، فسار يحيى إليها في إثني عشر ألفاً، فقتل منهم إثني عشر رجلاً فنفروا منه وحملوا السلاح فأمّنهم ونادى: من دخل الجامع فهو آمن وأقام الرجال على أبواب الجامع فقتل الناس قتلاً ذريعاً قيل أنه قتل فيه أحد عشر ألفاً ممن له خاتم وممن ليس له خاتم فسمع في الليل صراخ النساء اللاتي قتل رجالهن، فأمر بقتل النساء والصبيان ثلاثة أيام، وكان معه قائد معه أربعة آلاف زنجي، فغصبوا النساء الباقيات قهراً. |
عبد الله بن علي |
والمراد بعمهم عبد الله بن علي فإنه لما فر من أبي مسلم قدم على أخوته بالبصرة واختفى عند سليمان بن علي فكتب المنصور إلى سليمان بإحضاره، فحضر مع أخوته وكان وعدهم بالصفح عنه فخادعهم وحبسه في بيت وأقفله عليه مدة، ثم قتله بهدم البيت عليه. |
شتان بينهما |
ومراده بقوله (في البيت 39): (ملاكها العجم) أراد بهم ملوك آل بويه في العراق وفارس والسامانية بخراسان وما وراء النهر، والرشيدية بمصر والشام. وعُليّة وإبراهيم كانا مغنيين وفاسدين، والمراد بإبراهيم، إبراهيم بن المهدي بن المنصور فقد كان مغنياً فاسداً (وعُليّة) أخته وكانت عوّادة تضرب بالعود ويدخل عليها الرجال. والمراد بقوله: (في البيت 45): (أم عليّهم) علي بن أبي طالب (عليه الصلاة والسلام) أمير المؤمنين، وعليّ بني العباس هو المكتفي بالله وكان رجلاً فاسقاً ماجناً يشرب الخمور ويركب الفجور كسائر بني العباس. قوله (في البيت 46): (قف بالديار التي لم يعفها القدم) هو شطر بيت لزهير بن أبي سلمى من قصيدة أولها: (قف بالديار التي لم يعفها القدم) (بلى وغيّرها الأرواح والديم). يشير بذلك أن أهل البيت يتلون سور القرآن، أما أنتم فتعشقون الأغاني وتشببون بالنساء إلى غير ذلك. |
إكرام القردة |
قوله (في البيت 48): (ولا تبيت لهم) وقوله: (قرد له حشم) قال عبادة الوليد بن عبيد البحري كنا بليلة في مجلس المتوكل وهو يشرب وقد دخلت سندانة الضراطة وقد لبست لحيتها التي كانت تلبسها وتعممت عليها، فقال المتوكل للفتح: من هذا؟ قال: يا سيدي هذه سندانة. قال: من تشبه؟ قال: لا أدري. قال: تشبه ابن أبي حفصة أحمل إليها عشرة آلاف دينار الساعة. وأما القرد الذي له حشم فقد كان لزبيدة قرد تُلبسه الديباج وتجلس في بعض أبهاء البيت وتطالب الناس إذا دخلوا بالسلام عليه وتقبيل يده، حتى قتل هذا القرد يزيد بن مزيد الشيباني. |
دمية المتوكل |
قوله (في البيت 54): (مخنثكم عبادة لهم) كان للمتوكل عبادة المخنث فيشد على بطنه مخدة، ويشبّهه بالإمام أمير المؤمنين استهزاءاً بالإمام (عليه الصلاة والسلام) فكان يمشي في مجلس المتوكل ويقول: (أنا أمير المؤمنين أنا الأنزع البطين) ولما عارضه ابنه المستنصر في هذا العمل استهزأ المتوكل بابنه وأنشد: غـــــار الفتــــــى لابـــن عمــــه رأس الفتــــــى فــــي حـــرامـــه فغضب المستنصر ودخل عليه وعنده فتح ابن خاقان وكانا قد شربا الخمر كثيراً، فقطعهما ومن كان معهما بالسيف قطعة قطعة. |
نثر الحيات والعقارب |
قوله: (أم للعقارب والحيات نثرهم) فقد رووا أن المتوكل كان يملأ الأكياس من العقارب والحيات، ويجعل تلك الأكياس إلى جنبه فإذا دخل عليه الوزراء والقواد والضباط وسائر الناس، نثر تلك الأكياس فجأة في المجلس مما يسبب فرار الحاضرين وأحياناً تلدغهم العقارب والحيات ويتقهقه المتوكل ويستغرق في الضحك. |
تشبيه الرجال بالنساء |
قوله (في البيت 53): (هل صنعتم غلاميات) كان من عادتهم تشبيه النساء في الملابس والأزياء بالرجال، والرجال بالنساء فيرقصون ويعزفون في مجالس الخلفاء والأمراء. |
جلواز هارون |
قوله: (أم اليهودي سندي الشقا لهم) فقد كان السندي جلواز هارون يهودياً يؤذي المسلمين وهو الذي قتل الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) بأمر هارون. |
مجالس السحر |
قوله (في البيت 54): (والسحر في مجلس الكوفان) إشارة إلى بعض ولاتهم في الكوفة في أيام الخليفة الثالث حيث كان يأتي بالسحرة في مجلسه فيسحرون بتسخير الألباب، وقد قتل أحد المسلمين الساحر في مجلس الوالي في قصة طويلة. |
خمور وفجور |
(والقيء للخمر في المحراب) يراد به ما كان يتقيأه بعض الولاة في محراب مسجد الكوفة، فإنه كان يشرب في الليل الخمر ويقذف تلك الخمور في النهار في المحراب وينشد عوض قراءة (الحمد) في الصلاة: علق القلب الربابا بعد أن شابت وشابا. |
إمامة الحادية في المسجد |
أما قوله (في البيت 55): (عمموا أمة سكرى) فالمراد به الوليد حيث أنه باشر جاريته ليلاً ثم في الصباح عممها وأمرها وهي جنب سكرى أن تذهب إلى المسجد فتصلي بالناس، ففعلت ما أمرت به واقتدى بها الذين سموا أنفسهم بالمسلمين وصلوا وراءها. |
الطمع في نساء الناس |
قوله (في البيت 56): (تشبيبكم إذ طمعتم) يراد به قصة يزيد الذي طمع في (أرينبة) زوجة عبد الله بن سلام في الكوفة واحتال معاوية في جلب أرينبة إليه في قصة معروفة. |
مقرّطة الأمين؟! |
قوله (في البيت 57): (خليفة تلعب الحيتان) المراد به الأمين فإنه كان يلعب بالحيتان، وكانت له سمكة تسمى: المقرّطة، لأقراطها الذهبية التي جعلها في آذانها، ولما حاصر المأمون بغداد كان في شغل ولعب مع تلك الحيتان حتى ذهب الملك من يده، ولما جاءه بعض ذويه قبل سقوط بغداد يقول له: لماذا هذا الحزن أيها الخليفة؟ قال: ليس حزني على بغداد، وإنما حزني على المقرّطة التي ذهبت في الماء ولم أتمكن من استردادها. |
تجاسر واعتداء |
قوله (في البيت 58): (إحراقكم خيم الأطهار) إشارة إلى ما أحرقوه من مخيم الإمام أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) في كربلاء كما أنهم أحرقوا دار الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) بالمدينة. |
الوليد يقفز على بنته |
قوله (في البيت 59): (حتى خنا البنت) إشارة إلى ما فعله الوليد حيث قفز على بنته للفاحشة، وهي في حجر جارية لها، فلما نهته الجارية وقالت: إن هذا من فعل المجوس. قال الوليد: (فاز باللذات من كان جسوراً)! ما مضى كان قطرة من بحر الجرائم والإنحرافات، وسطوراً مختصرة من التاريخ الأسود المظلم، الذي سجلته أصابع الديكتاتوريين من غاصبي الخلافة الإسلامية من أصحابها الشرعيين... |
سياسة المأمون الماكرة |
وحيث أن بني العباس لم يفهموا مغزى مكيدة المأمون السياسية وظنوا الأمر على ظاهره (حيث قد أحكم المكيدة بلبس الأخضر بدلاً عن الأسود وكان السواد - كما قاله بعض أهل التواريخ - شعار العباسيين، والأخضر شعار العلويين، وكتب بذلك إلى عماله في جميع الأقطار، وضرب السكة باسم الإمام الرضا (عليه السلام). وأمر الخطباء أن يخطبوا باسمه لولاية العهد وزوّجه ابنته (أم حبيب) ثقل الأمر على العباسيين وعدوّه بالإضافة إلى ولاية العهد محاولة قطعية لتجريدهم من جميع امتيازاتهم وشعاراتهم، وأنه يريد نقل الحكم إلى العلويين، فتكتلوا ضده وولّوا أمرهم المغني المشهور (إبراهيم بن المهدي) وبايعوه بالخلافة والتفوا حوله. وجاء في بعض التواريخ: إن بني العباس اجتمعوا إلى (زينب بنت سليمان) وسألوها أن تدخل على المأمون وتسأله الرجوع إلى لبس السواد وترك الخضرة وقد خافوا أن يجعل المأمون ولاية العهد بعد الإمام الرضا (عليه السلام) إلى ولده محمد الجواد (عليه السلام). فلما دخلت عليه رحب المأمون بقدومها وأكرمها، فقالت له: يا أمير إنك على بر أهلك من ولد أبي طالب والأمر في يدك أقدر منك على برّهم والأمر في يد غيرك، أو في أيديهم، فدع لباس الخضرة وعد إلى لباس أهلك ولا تطمعن أحداً فيما كان منك. فقال المأمون لها: والله يا عمة ما كلمني أحداً وقع من كلامك في قلبي، ولا أقصد لما أردتي وأنا أحاكمهم إلى عقلك. فقالت: وما ذاك؟ قال: أليس تعلمين أن أبا بكر تولى الخلافة بعد رسول الله فلم يول أحداً من بني هاشم شيئاً. ثم تولاها عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان فكانا كذلك، ولما تولاها علي بن أبي طالب أقبل على بني هاشم فولى عبد الله بن العباس البصرة، وعبيد الله اليمن، وولى معبداً مكة، والقثم بن العباس البحرين، ولم يترك أحــداً ينتمي إلى العباس إلا ولاّه، فكانت له هذه في أعناقنا، فكافأته في ولده بما فعل. فقالت له: لله درك يا بني، لو لم تكن لمصلحة لبني عمك من ولد أبي طالب ما قلته لك. فقال: لا يكون إلا ما تحبون. |
السواد شعار العباسيين |
ثم أن المأمون لما وصل إلى مأربه من ضرب العلويين والعباسيين والأمويين، الجماعات الثلاث الذين كانوا ينازعونه الحكم، قلب ظهر المجن فقتل الإمام الرضا (عليه السلام) والعلويين الذين ظنوا أن الإمام الرضا وصل إلى الحكم حقيقة، ولم يعرفوا أنه خديعة عباسية وجلس لبني العباس وجمعهم ودعا بحلة سوداء فلبسها وترك الخضرة، ولم تلبس الخضرة في بغداد سوى ثمانية أيام. ثم أنه ينبغي أن ننبه على شيء قد اشتهر بين الناس وهــو أن السواد كان شعار العباسيين وأن الخضرة كانت شعار العلويين، إن القطعة الأولى من التاريخ صحيحة فإن (أبا مسلم الخرساني) لبس السواد وجعل السواد شعار جيشه وأمر كل من لم يلبس السواد من القواد ومن أشبه بسجنه أو تعذيبه أو قتله، وقد ادعى أنهم في عزاء مــن القتلى الذين قتلهم الأمويون من العلويين وغيرهم. وجاء في التاريخ: أنه قال لبعض عبيده البس الملابس المختلفة حتى أرى أن أيها أهيب. فلبس الأبيض، والأخضر، والأحمر، والأصفر، وكان يمر أمامه كلما لبس من تلك الملابس، حتى إذا لبس السواد ومر أمامه قال: هذا اللباس الذي ينبغي أن نجعله شعاراً، فجعله شعاراً. |
البياض شعار العلويين |
أما القطعة الثانية من التاريخ (وهي أن الخضرة شعار العلويين) فالظاهر أنه اشتباه، فإنا لم نجد في رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أو علي أو الحسن أو الحسين وإلى الإمام الرضا (عليهم الصلاة والسلام) إن الأخضر كان لباسهم أو شعارهم، بل ذكر بعض المؤرخين أن الخضرة كانت لباس ملوك الفرس، وأما لباس العلويين فقد كان الأبيض وفي الأحاديث (نعم الثوب البياض)(1) وقد تنبه لمكيدة المأمون في لباسه الأخضر بعض مستشاريه، فقد ذكر بعض المؤرخين أن المأمون لما استشار وزراءه وخاصته في اللباس قال له نعيم بن حازم - وكان من ثقاته ومستشاريه -: إنما تريد أن تزيل الملك عن بني العباس إلى ولد علي ثم تحتال عليهم فتصيّر الملك كسروياً، ولولا أنك أردت ذلك لما عدلت عن لبسة علي وولده وهي البياض، إلى الخضرة وهي لباس كسرى والمجوس. ولذا نشاهد في التاريخ أن الفاطميين في مصر اختاروا البياض شعاراً لهم حين أرادوا أن ينسبوا ملكهم إلى رسول الله وعلي (عليهما الصلاة والسلام). كما نجد أن العلويين كانوا إذا خرجوا يلبسون البياض فقد ذكر المؤرخون: أنه خرج ابن طباطبا ولبس البياض شعاراً له فيما كان قتال بين الأمين والمأمون، كما خرج علي بن محمد بن جعفر بن محمد بالبصرة وغلب عليها وقد لبس البياض. وهكذا غيرهما من العلويين الثائرين كانوا يجعلون شعارهم البياض، وعلى أي حال فقول أبي فراس, إما محمول على الظاهر، وإما أنه هو أيضاً غفل عن المكيدة، فظن أن المأمون أبصر رشده في بعض الوقت ثم عمي، ولتحقيق المطلب موضع آخر والله سبحانه العالم. |
أهل البيت (ع) قمة المكارم |
أهل البيت (عليهم السلام) كانوا عبارة عن مدرسة في الأخلاق والفضائل.. وسجلوا تاريخاً حافلاً بأسطر من نور.. وقصيدة الفرزدق الميمية الخالدة لمحة خاطفة من سمو فضائلهم.. ومن الجدير إيرادها هنا بعد قصيدة أبي فراس التي كشفت عن جانب من سلوك العباسيين، وكما أن الشاعر المنصف إذا وجد الباطل ذمه وقدحه وإن كان فيه رقبته، كذلك الشاعر المنصف إذا وجد الحق مدحه وأطراه وإن كان فيه خطر على حياته. فقد رووا: أنه حج هشام بن عبد الملك في خلافة أخيه الوليد، وهو آنذاك أمير الحجاز ومعه رؤساء أهل الشام، فجهد أن يستلم الحجر فلم يقدر من ازدحام الناس، فنصب له منبر فجلس عليه ينظر إلى الناس وأقبل علي بن الحسين (عليهما السلام) وهو أحسن الناس وجهاً وأنظفهم ثوباً وأطيبهم رائحة، فطاف بالبيت فلما بلغ الحجر الأسود تنحى الناس كلهم عنه وأخلوا له الحجر ليستلمه هيبة وإجلالاً له، فأغضب ذلك هشاماً وبلغ منه كل مبلغ. فقال رجل لهشام: من هذا أصلح الله الأمير؟ قال: لا أعرفه! وكان به عارفاً، ولكنه خاف أن يرغب فيه أهل الشام ويدخل حبه في قلبهم، فقال الفرزدق - وكان حاضراً -: أنا أعرفه، فسلني عنه يا شامي، قال: ومن هو؟ فأنشأ في جوابه هذه القصيدة الخالدة: هـذا الــذي تعـــرف البطحــــاء وطأته والبيت يعـــــــــرفه والحـل والحــــــرم هذا ابـــــن خيـــــر عبـــاد الله كلهــــم هذا التقـــــي النقــــــي الطاهـــــر العلم هذا ابــــــن فاطمـــــــة إن كنت جاهله بجــــــــده أنبيــــاء الله قــــد ختمـــــوا هذا علــــي رسول الله (ص) والـــــده أمســــــت بنــــور هداه تهتــــدي الأمم إذا رأتـــه قريـــــش قـــــال قائلـــــــها إلى مكـــــارم هــــــذا ينتهــــي الكـــرم يكاد يمسكـــــه عرفــــــان راحتــــــــه ركــــن الحطيــــــم إذا ما جاء يستلــــم الله شـــــرّفه قدمـــــــاً وعظمـــــــــــة جرى بــــــذاك لـــه فــــي لوحهِ القـلــم أي الخلائــــــق ليســــــــت في رقابهم لأوّليـــــــة هـــــــذا أولـــــــــه نعـــــــم من يشكـــــر الله يشكـــــــر أوّليـــة ذا فالديـــــــن مــن بيــــت هذا ناله الأمــم ينمـى إلـــى ذروة العز التي قصــــرت عن نيلهـــــــا عرب الإســلام والعجـــم يغضي حيــــاءً ويغضي من مهابتـــــه ومــــا يكلــــــــم إلا حيــــــن يبتســــــم في كفـــــــه خيزران ريحـــــــــه عبق من كـــــــف أروع في عرنينـــه شمـــم من جــــــدّه دان فضـــــل الأنبيـــاء له وفضـــــل أمتــــــه دانـــــت له الأمــــم مشتقة مـــــن رســول الله نبعتـــــــــه طابت عناصـــــــره والخيــــم والشيـــم ينشق ثوب الدجـــــى عن نور غرتـــه كالشمــــس ينجاب عن إشراقها الظلـم ما قـــــال لا قـــــط إلا فــــي تشهــــده لــولا التشهـــد كانـــــت لاؤه نعــــــــم حمال أثقـــــــال أقـــــوام إذا فدحـــــوا حلـــــــو الشمائـــــل تحلو عنده نعـــــم عم البريـــــــة بالإحســــــان فانقشعت عنهــــا العنايــــــة والإملاق والعـــــدم كلتا يديـــــــه غيـــــــاث عم نفعهمــــا يستمطـــران ولا يعـــروهمـــــا العــــدم سهل الخليقـــــة لا تخشــــى بـــوادره يزينـــــه اثنــــان حسن الخلق والكـــرم لا يخلف الوعــــــد ميمـــــون نقيبتـــه رحــــب الفنــــاء أريـــب حيـــن يعتـزم من معشــــــر حبهــــم دين وبغضهــم كفــــر وقــربهـــــم منجـــــى ومعتصــم يستدفع الســــــوء والبلــــوى بحبهــم ويستــــدر بـــه الإحســــان والنعـــــــم مقدم بعـــــد ذكــــر الله ذكـــــرهـــــــم فــــي كــــل بـــــدء ومختوم بـه الكلـــم إن عــــد أهــــل التقــــى كانوا أئمتهم أو قيـــل من خير أهل الأرض قيل هــم لا يستطيع جــــواد بعـــــد جودهـــــــم ولا يـــدانيـــــــهم قــــــوم وإن كرمــوا هـم الغيوث لا إذا مـــا أزمـــــة أزمـت والأســــد أسد الشـــرى والبأس محتدم يأبى لهم أن يحــــل الذنـــــب ساحتهم خيــــم كـــــريم وأيـــــد بـــالندى هضـم لا ينقـــص العســـر بسطاً من أكفـــهم سيـــــان ذلك إن أثــــروا وإن عدمـــوا وليس قولك مــــن هــــذا بضـــــــائره العــــرب تعـــــرف مــن أنكرت والعجم فغضب هشام غضباً شديداً وأمر بحبس الفرزدق (بعسفان) بين مكة والمدينة، وقال والله لأحرمنه العطاء. فقال الفرزدق يهجوه: أيحبسني بين المدينة والتــي إليها قلوب الناس يهوى منيبها يقلب رأساً لم يكن رأس سيد وعيـــن له حولاء باد عيوبـــها فوجه إليه علي بن الحسين (عليهما السلام) عشرة آلاف درهم وقال: اعذرنا يا أبا فراس فلو كان عندنا في هذا الوقت أكثر من هذا لوصلناك به. فردها وقال: ما نظمت ذلك إلا لله وما كنت لأرزأ عليه شيئاً. فقال له علي بن الحسين (عليه السلام): قد رأى الله مكانك فشكرك، ولكنا أهل البيت إذا نفذنا شيئاً لم نرجع فيه، فأقسم عليه فقبلها(2).
|
1 ـ وسائل الشيعة: الباب 14 من أبواب لباس المصلي ص355. 2 ـ بحار الأنوار: ج46 الباب 8 ص127. |