الفهرس

المؤلفات

 التفسير وعلوم القرآن

الصفحة الرئيسية

 

سورة المائدة

(وفيها اثنان وعشرون آية)

1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ / 1.

2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ / 2.

3- الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي / 3.

4- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا / 6.

5- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ / 8.

6- وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ / 9.

7- وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ / 10.

8- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ / 11.

9- وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ / 12.

10- وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ / 16.

11- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ / 35.

12- إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ / 44.

13- فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ / 52.

14- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ / 54.

15- إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ / 55.

16- وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا / 56.

17- قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ / 60.

18- يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ / 67.

19- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ / 87.

20- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ / 95.

21- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ / 105.

22- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ / 106.

((يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)).

المائدة/ 1.

أخرج العلاّمة (الشافعي) محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الدمشقي، المعروف بـ (الذهبي) بسنده عن علي بن بذيمة، عن عكرمة، عن ابن عباس قال:

(ما نزلت آية فيها ((يا أيها الذين آمنوا)) إلاّ وعليٌّ رأسها وأميرها وشريفها، ولقد عاتب الله عزّ وجلّ أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) في غير آية من القرآن، وما ذكر علياً إلاّ بخير[1].

((يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ)).

المائدة/ 2.

روى الحافظ القندوزي (الحنفي) في ينابيع الموّدة (بإسناده) عن علي بن أبي طالب أنّه قال ـ في خطبة له ـ:

(نحن الشعائر، والأصحاب، والخزنة، والأبواب)[2].

(أقول): كلمة الشعائر استعملت في القرآن تارةً مطلقة، وتارةً مقيدة بالبُدن التي تنحر في الحج، وليس معنى ذكر كلمة واحدة مرات عديدة أنّ المراد بمطلقها هو نفس معنى المقيّد ـ كما يذكر ذلك المحققون في علم الأصول ـ.

أضف إلى ذلك: إن مثل علي بن أبي طالب أعلم بمعاني القرآن من غيره، لنزول القرآن في بيته، (وأهل البيت أدرى بما فيه).

((... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً)).

المائدة/ 3.

أخرج العلاّمة (الحنفي) موفّق بن أحمد الخوارزمي في (مقتله) بسنده المذكور عن أبي سعيد الخدري قال: إنّ النبيّ (صلى الله عليه وسلّم) يوم دعا النّاس إلى علي في (غدير خم) أمر بما كانت تحت الشجرة من شوك فقمّ، وذلك يوم الخميس، ثم دعا النّاس إلى علي فأخذ بضبعه ثم رفعه حتى نظر النّاس إلى بياض إبطيهما، ثم لم يتفرقا حتى نزلت هذه الآية:

((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً)).

فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلّم):

(الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضا الرب برسالتي، والولاية لعلي، ثم قال: اللّهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، وأخذُل من خذله).

ثم قال الفقيه الخوارزمي:

وروى هذا الحديث من الصحابة: عمر، وعلي، والبراء بن عازب، وسعد بن أبي وقّاص، وطلحة بن عبيد الله، والحسين بن علي، وابن مسعود، وعمّار بن ياسر، وأبو ذر، وأبو أيوب، وابن عمر، وعمران بن حصين، وبريدة بن الحصيب، وأبو هريرة، وجابر بن عبد الله، وأبو رافع مولى رسول الله، واسمه أسلم، وحبشي بن جنادة، وزيد بن شراحيل، وجرير بن عبد الله، وأنس، وحذيفة بن أسيّد الغفاري، وزيد بن أرقم، وعبد الرحمن بن يعمر الدؤلي، وعمرو بن الحمق، وعمر بن شرحبيل، وناجية بن عمر، وجابر بن سمرة، ومالك بن الحويرث، وأبو ذؤيب الشاعر، وعبد الله بن ربيعة (رضي الله عنهم)[3].

وأخرج نحوه أيضاً في كتابه (مناقب علي بن أبي طالب)[4].

((يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ)).

المائدة/ 6.

أخرج مُفتي العراقَينِ محمد بن يوسف بن محمد القرشي (الشافعي) في كتابه (كفاية الطالب) عن محمد بن عبد الواحد بن المتوكل، بإسناده المذكور عن ابن عباس قال:

(ما نزلت آية فيها ((يا أيها الذين آمنوا)) إلاّ وعليٌّ رأسها، وأميرها وشريفها، ولقد عاتب الله عزّ وجلّ أصحاب محمد في غير آية من القرآن وما ذكر علياً إلاّ بخير)[5].

((يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ)).

المائدة/ 8.

روى علاّمة الحنفية، محمد بن يوسف الزرندي في نظم درر السمطين، عن مجاهد (رضي الله عنه) قال:

(ما كان في القرآن ((يا أيها الذين آمنوا)) فإنّ لعلي (رضي الله عنه) سابقة ذلك، لأنّه سبقهم إلى الإسلام)[6].

((وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ)).

المائدة/ 9

روى علاّمة الحنفية أخطب الخطباء، موفّق بن أحمد في كتابه (المناقب) بإسناده المذكور عن يزيد بن شراحيل الأنصاري كاتب علي، قال: سمعت علياً (كرّم الله وجهه) يقول:

حدثني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وأنا مسنده إلى صدري فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم):

أيْ علي ألم تسمع قول الله (تعالى) ((الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ)) (هم) أنت وشيعتك، وموعدي وموعدكم الحوض، إذا جثت (جاءت ح ل) الأُمم للحساب تُدعون غراء محجّلين)[7].

((وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ)).

المائدة/ 10.

آياتنا: علي بن أبي طالب

أخرج الحافظ (الشافعي) أبو الحسن بن المغازلي في مناقبه، عن الحسن بن أحمد بن موسى (بإسناده المذكور) عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ـ في حديث ـ:

((وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ)).

يعني: بالولاية بحقّ علي، وحق علي الواجب على العالمين[8].

((يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ)).

المائدة/ 11.

روى الحافظ الحاكم الحسكاني (الحنفي) قال: أخبرنا أبو محمد، الحسن بن علي الجوهري (بإسناده المذكور) عن أبي صالح عن ابن عباس قال:

في قوله (تعالى): ((إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ)) ـ:

نزلت في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وعلي وزيد حين أتاهم يستفتيهم في القبلتين[9].

(أقول) يعني: الضمائر الخطابية هي المُراد بها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وعلي (عليه السلام) وزيد، وهي (اذكروا) (عليكم) (إليكم) (وعنكم).

((وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً)).

المائدة/ 12.

روى أبو الحسن الفقيه، محمد بن علي بن شاذان ـ من طرق العامّة ـ بحذف الإسناد عن ابن عباس قال:

سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقول ـ في حديث طويل ـ حين قام جابر بن عبد الله الأنصاري فقال: يا رسول الله ماعدّة الأئمة؟

قال (صلى الله عليه وآله وسلّم): (يا جابر سألتني ـ رحمك الله ـ عن الإسلام بأجمعه (إلى أنْ قال (صلى الله عليه وآله وسلّم):

عدّتهم عدّة نقباء بني إسرائيل قال الله تعالى: ((وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً)) فالأئمّة يا جابر اثنا عشر إماماً، أولهّم علي بن أبي طالب، وآخرهم القائم)[10].

((وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)).

المائدة/ 16.

روى الحافظ الحاكم الحسكاني (الحنفي) قال: أخبرنا أبو جعفر (بإسناده المذكور) عن اليمان مولى مصعب بن الزبير قال ـ في حديث ـ:

(علي بن أبي طالب يحملهم (أي النّاس) على الطريق المستقيم)[11].

((يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ)).

المائدة/ 35.

أخرج علاّمة الهند (بسمل) بسنده عن عائشة قالت في حديث: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقول عن الخوارج: (هم شرّ الخلق والخليقة، يقتلهم خير الخلق والخليقة، وأقربهم عند الله وسيلة يوم القيامة)[12].

روى الحافظ الحنفي (سليمان القندوزي) عن كتاب مودّة القربى، للسيّد علي الهمداني، قال: وعن علي (كرّم الله وجهه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلّم): الأئمّة من ولدي فمن أطاعهم فقد أطاع الله، ومن عصاهم فقد عصى الله، وهم العروة الوثقى، والوسيلة إلى الله جلّ وعلا)[13].

* * * * *

وأخرج ابن شاذان في المناقب المائة، من طرق العامّة، بسنده عن حذيفة بن اليمان، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال لعلي: ـ في حديث ـ:

(وإنّ لك في الجنّة درجة الوسيلة، فطوبى لك ولشيعتك من بعدك)[14].

* * * * *

وأخرج علاّمة الشافعية، الحافظ الواسطي أبو الحسن بن المغازلي في مناقبه، عن أحمد بن محمد بن عبد الوهاب بن طاوان (بسنده المذكور) عن عائشة ـ في حديث ـ قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) في علي:

(خير الخلق والخليقة، وأقربهم عند الله وسيلة)[15].

ورواه عن الطبراني الحافظ الشافعي، ابن حجر الهيثمي في مجمع الزوائد[16].

ورواه أيضاً عبد الله بسمل، في أرجح المطالب في مناقب علي بن أبي طالب[17].

وآخرون أيضاً...

((إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ...)).

المائدة/ 44.

روى العالم الحنفي الحافظ سليمان القندوزي في ينابيعه، بالسند المذكور هناك، عن جعفر الصادق قال:

أوصى موسى إلى يوشع بن نون (عليه السلام)، وأوصى يوشع إلى ولد هارون، وبشّر موسى ويوشع بالمسيح (عليه السلام) ونبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) فلما بعث الله عزّ وجلّ المسيح قال المسيح لأُمّته: إنّه سوف يأتي من بعدي نبي اسمه أحمد من ولد إسماعيل، يجيئ بتصديقي وتصديقكم، وجرت الوصية من ولد هارون إلى المسيح بوسائط، ومن بعده في الحواريين وفي المستحفظين، وإنما سمّاهم الله عزّ وجلّ المستحفظين، لأنّهم استحفظوا الإسم الأكبر، وهو الكتاب الذي يعلم به كل شيء، وهو كان مع الأنبياء والأوصياء (إلى أنْ قال): فلم تزل الوصية في عالم بعد عالم حتى دفعوها إلى محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) وبعد بعثته سلم له العقب من المستحفظين، فلمّا استكملت أيام نبوّته، أمره الله تبارك وتعالى اجعل الاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوّة عند علي الخ[18].

((فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ)).

المائدة/ 52.

هذا الفتح هو فتح خبير، الذي تمَّ على يد أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ـ كما في بعض التفاسير الإشارة إليه ـ انظر إلى ما ننقله فيما يلي:

قال الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير، عند هذه الآية الكريمة:

(والمعنى: فعسى الله أنْ يأتي بالفتح لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) على أعدائه وإظهار المسلمين على أعدائهم.

((أو أمر من عنده)) يقطع أصل اليهود، أو يخرجهم من بلادهم، فيُصبح المنافقون نادمين على ما حدَّثوا به أنفسهم، وذلك لأنّهم كانوا يشكّون في أمر الرسول، ويقولون: لا نظن أنه يتم له أمره، والأظهر أن تعير الدولة والغلبة لأعدائه...)[19].

ولا يخفى أنّ هذا الشك للمنافقين كان قبل فتح خيبر، الذي تمَّ على يد الكرّار غير الفرّار الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وبعد الفتح ظهرت الغلبة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) على المنطقة. فقوله (يقطع أصل اليهود) في تفسير ((أو أمر من عنده)) إشارة إلى أنَّ الفتح هو ظهور الإسلام على اليهود وغلبته عليهم، وكان ذلك في خيبر.

ونقل المفسّر الكبير، الشيخ الطبرسي في تفسيره (مجمع البيان) عن السّدي قال:

(لمّا كانت وقعة أحد اشتدت على طائفة من النّاس، فقال رجل من المسلمين: أنا ألحق بفلان اليهودي وآخذ منه أماناً، وقال آخر: أنا ألحق بفلان النصراني ببعض أرض الشام، فآخذ منه أماناً، فنزلت الآية)[20].

(وظاهر) أنّ بعد فتح خيبر انتهى هذا الخوف في المسلمين، ولم يعد أحد منهم يخاف يهودياً أو نصرانياً.

وفي سبب نزول هذه الآية، وتفسير هذا الفتح خلافٌ بين العامّة من المفسّرين، لكن فتح خيبر إما مؤكد أو محتمل والله العالم.

((يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ)).

المائدة/ 54.

روى العلاّمة البحراني (قده) عن الثعلبي في تفسير:

((فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)) قال:

(هو علي بن أبي طالب).

* * * * *

وروى أيضاً عن الثعلبي (بإسناده المذكور) عن أبي هريرة، أنه كان يحدّث أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال:

(يرد عليَّ يوم القيامة رهط من أصحابي، فيُجلون عن الحوض فأقول: يا رب أصحابي؟ فيقال: إنّك لا علم لك بما أحدثوا، إنّهم ارتدوا على أدبارهم القهقري[21].

(أقول) يُستفاد من الجمع بين هذين الحديثين، خاصة في تفسير هذه الآية التي جمعت في الذكر بين من يحبهم الله ويحبونه، وبين من يرتد عن دينه من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ومن روايات أخر كثيرة، يستفاد: إن المرتدّين عن دينهم، هم الذين تركوا علي بن أبي طالب وارتدوا عنه..

* * * * *

وقال الفخر الرازي في تفسيره الكبير:

(وقال قوم: إنّها نزلت في علي (رضي الله عنه).

ثم قال: (ويدُّل عليه وجهان (الأول) إنّه (صلى الله عليه وآله وسلّم) لمّا دفع الراية إلى علي يوم خيبر قال: لأدفعن الراية غداً إلى رجل يحبُّ الله ورسوله ويحبُّه الله ورسوله، وهذه هي الصفة المذكورة في الآية (والوجه الثاني) أنّه تعالى ذكر بعد هذه الآية قوله: ((إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ)).

وهذه الآية في حقّ علي (رضي الله عنه) فكان الأولى جعلُ ما قبلها أيضاً في حقه[22].

* * * * *

وأخرج علاّمة الشوافع، محمد بن محمد بن محمد الجزري في أسنى المطالب، بأسانيد عديدة وصحّحه وقال (متفق على صحته): ـ إنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال في علي:

(يحبُّ الله ورسوله ويحبّه اللهُ ورسوله)[23].

((إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ)).

المائدة/ 55.

أخرج علاّمة المفسّرين، الشيخ شهاب الدين السيويسي ثم الاياتلوغي في تفسيره المخطوط المزجي، عند ذكر هذه الآية قال:

((يؤون الزكاة)) المفروضة أو الصدقة.

((وهم راكعون)) أي: يفعلون الخيرات في حال ركوعهم.

لأنَّ علياً تصدّق بخاتمه وهو في الصلاة، فنزلت الآية في شأنه[24].

* * * * *

وذكر المفسّر الهندي في تفسيره المخطوط المهمل الكلمات بلا نقطة قال: ((وهم راكعون)).

موردها أسد الله الكرار، حال ما سأله صعلوك وأعطاه وطرح له ما معه، وهو راكع مصلّ[25].

* * * * *

وقال السّيوطي (الشافعي) في حاشية مخطوطة له على تفسير البيضاوي، عند تفسير هذه الآية الكريمة:

قوله: (نزلت في علي حين سأله سائل) الحديث.

قال: أخرجه ابن مردويه عن ابن عباس وعمّار بن ياسر وابن أبي حاتم، عن سلمة بن سهل، والثعلبي عن أبي ذر، والحاكم في علوم الحديث عن علي[26].

* * * * *

وفي تفسير الصّوفي المعروف، محيي الدين بن عربي قال:

((وهم راكعون)) خاضعون في البقاء لله بنسبة كمالاتهم وصفاتهم إلى الله، كأمير المؤمنين (عليه السلام) النازل في حقه هذا القائل[27].

* * * * *

وأخرج علاّمة الأحناف، الموفّق بن أحمد، أخطب الخطباء الخوارزمي في مناقبه، بسنده المفصّل عن محمد بن السايب، عن أبي صالح عن ابن عباس حديث نزول آية ((إنّما وليكم الله)) في شأن علي بن أبي طالب (عليه السلام) وخروج النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى المسجد... إلى أنْ قال:

(فكبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ثم قرأ: ((وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ))[28].

* * * * *

وروي (البلاذري) قال: وحدثت عن حمّاد بن سلمة (بإسناده المذكور) عن ابن عباس قال: نزلت في علي:

((إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ)). الآية[29].

(أقول) الروايات في شأن نزول هذه الآية في علي بن أبي طالب (عليه السلام) كثيرة وكثيرة جداً تعدُّ بالعشرات، هذا كلّه من طرق غير الشيعة، وأمّا من طرقهم فكثيرة أيضاً، ويكفيك أنّ العلاّمة البحراني، والحاكم الحسكاني ذكرا من طُرق غير الشيعة في ذلك، أكثر من خمسين حديثاً (وعلى هذه فقس ما سواها) إلاّ أنّنا حيث قصدنا في هذا الكتاب الإشارة لا التفصيل، اكتفينا هنا بذكر حديثين يثبت بهما المطلوب، ومن أراد التفصيل فعليه بالمفصلات.

(وأخرج) محمد كرد علي في (خطط الشام) حديث أبي هارون العبدي قال:

كنت أرى رأي الخوارج، لا أتولّى غيرهم حتى جلست إلى أبي سعيد الخدري فسمتعه يقول: أمر النّاس بخمس فعملوا بأربع وتركوا واحدة.

فقال له رجل: يا أبا سعيد ما هذه الأربعة التي عملوا بها؟

قال: الصلاة، والزكاة، والحج، والصوم صوم شهر رمضان.

قال: فما الواحدة التي تركوها؟

قال: ولاية علي بن أبي طالب.

قال: وإنّها مفترضة معهن؟

قال: نعم.

قال: فقد كفر النّاس.

قال: فما ذنبي[30].

* * * * *

والكثير الكثير من الحفّاظ والأثبات، رووا بأسانيد عديدة نزول هذه الآية الكريمة في شأن علي بن أبي طالب (عليه السلام) مضافاً إلى من أسلفنا ذكرهم:

(فمنهم) شيخ المفسّرين ابن جرير الطبري في تفسيره الكبير[31].

(ومنهم) مفسّر الشوافع ابن كثير الدمشقي في تفسيره[32].

(ومنهم) العلاّمة الواحدي، أبو الحسن علي بن أحمد في أسباب النزول[33].

(ومنهم) المؤلف المكثر الشافعي، جلال الدين بن أبي بكر السّيوطي في تفسيره[34]. ولبابه[35] جميعاً.

(ومنهم) علاّمة الحنفية المتّقي الهندي في كنز العمال[36].

(ومنهم) العلاّمة الشوكاني في فتح القدير[37].

(ومنهم) ابن الأثير في جامع الأصول[38].

(ومنهم) العلاّمة الكنجي (الشافعي) في كفاية الطالب[39].

(ومنهم) محمد بن أحمد بن أبي بكر الأنصاري (القرطبي) في تفسيره[40].

(ومنهم) الحافظ القندوزي الحنفي في ينابيع الموّدة[41].

وآخرون غيرهم كثيرون...

((وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ)).

المائدة/ 56.

روى الحافظ الحاكم الحسكاني قال: حدثني الجري (بإسناده المذكور) عن ابن عباس في قوله (تعالى): ((وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا)):

إنّها نزلت في علي خاصة[42].

* * * * *

وروى هو أيضاً قال: أخبرنا أبو العباس المحمدي (بإسناده المذكور) عن ابن عباس قال: أتى عبد الله بن سلام ورهط معه من أهل الكتاب نبي الله (صلى الله عليه وسلّم) عند صلاة الظهر، فقالوا: يا رسول الله إنّ بيوتنا قاصية، ولا نجد مسجداً دون هذا المسجد، وإنّ قومنا لمّا رأونا صدقنا الله ورسوله وتركنا دينهم أظهروا لنا العداوة، وأقسموا أنْ لا يخالطونا ولا يجالسونا، ولا يكلّمونا، فشقّ ذلك علينا، فبينما هم يشكون إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) إذ نزلت هذه الآية:

((إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ)).

فلمّا قرأها عليهم قالوا: رضينا بالله، وبرسوله وبالمؤمنين، فأذّن بلال بالصلاة، وخرج رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) إلى المسجد والنّاس يصلّون بين راكع وساجد، وقائم وقاعد ـ وإذا مسكين يسأل فدعاه رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) فقال له: هل أعطاك أحد شيئاً؟ قال: نعم! قال (صلى الله عليه وآله وسلّم) ماذا؟ قال: خاتم من فضة! قال (صلى الله عليه وآله وسلّم): من أعطاكه؟ قال: ذلك الرجل القائم، فإذا هو علي بن أبي طالب. قال (صلى الله عليه وآله): على أي حال أعطاكه؟ قال: أعطانيه وهو راكع، فزعموا أنَّ رسول الله كبّر عند ذلك وقال: يقول الله تعالى: ((وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ))[43].

((قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ)).

المائدة/ 60.

من يلعن علياً يُقلب خنزيراً

روى العلاّمة البحراني عن صاحب (المناقب الناضرة في العترة الطاهرة) (بإسناده المذكور) عن محمد المسكوي، عن سليمان الأعمش[44] قال:

بعث إليّ المنصور في جوف الليل، فجزعت وقلت في نفسي ما بعث إليّ في هذه الساعة إلاّ لخبر، ولا شك أنّه يسألني عن فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فإنْ أخبرته يقتلني، فنهضتُ وتطهرتُ ولبستُ ثياباً نظيفة جعلتها أكفاني، وتحنطتُ وكتبت وصيتي، وسرتُ إليه، فوجدت عنده عمرو بن عبيد، فحمدتُ الله، وقلتُ وجدتُ رجلاً عون صدق، فلمّا صرتُ بين يديه قال لي: ادنُ مني يا سليمان، فدنوتُ منه، فلمّا قربت منه أقبلت إلى عمرو بن عبيد أسأله، ففاح له مني ريح الحنوط فقال لي المنصور:

يا سليمان ما هذه الرائحة والله لئن لم تصدقني لأقتلنك.

فقلت: يا أمير المؤمنين لمّا أتاني رسولك في جوف الليل قلت ما بعث إليّ في هذا الوقت إلاّ ليسألني عن فضائل أهل البيت فإنْ أخبرته قتلني، فكتبت وصيتي، ولبست ثياباً جعلتها أكفاني، وتحنطتُ، وكان (المنصور) متكئاً فاستوى جالساً، وقال: لا حول ولا قوة إلاّ بالله العليّ العظيم.

ثم قال: يا سليمان ما اسمي؟

قلت: أمير المؤمنين عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس.

قال: صدقت.

قال: فأخبرني كم حديثاً تروي عن رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) في فضائل أهل البيت؟

فقلت: يسيراً.

قال: على كم ذلك؟

قلت: عشرة آلاف حديث، وما زاد.

قال: يا سليمان، لأحدثنك في فضائلهم حديثين يأكلان الأحاديث إنْ حلفت أنْ لا ترويهما لأحد من الشيعة.

فقلت: والله لا أخبر بهما أحداً، وحلفتُ له بنعمته.

فقال: اسمع يا سليمان، كنتُ هارباً من مروان، أدور في البلاد، وأتقرب إلى النّاس بفضائل علي بن أبي طالب، وكانوا يأتونني ويزورونني ويطعمونني حتى وردت بلاد الشام وأنا في خلق كساء ما عليّ غيره، فسمعت الأذان في مسجد فدخلت لأصلي وفي نفسي أنْ أكلّم النّاس في عشاء أتعشى به، فصلّيت وراء الإمام، فلمّا سلَّم اتكأ على الحائط وأهل المسجد حضور، ما رأيت أحداً يتكلم توقيراً لإمامهم، وأنا جالس، فإذا صبيان قد دخلا المسجد، فلمّا نظر إليهما الإمام قال: مرحباً بكما ومرحباً بمن سُميتما باسميهما.

فقلت في نفسي قد أصبتُ حاجتي، وكان إلى جنبي شاب فقلت له: من يكون ذان الصبيان، ومن الشيخ؟

فقال: هو جدّهما وليس في هذه المدينة من يحبُّ علياً سواه، فلذلك قد سماهمّا حسناً وحسيناً، فملتُ بوجهي إلى الشيخ وقلت له: هل لك في حديث أُقرُّ به عينيك؟

فقال: ما أحوجني إلى ذلك، فإنْ أقررت عيني أقررتُ عينك.

فقلتُ: حدّثني جدي، عن أبيه، قال: كنّا ذات يوم عند رسول الله، إذ أقبلت فاطمة وهي تبكي، فقال لها النبي (صلى الله عليه وسلّم): ما يبكيك يا قرة عيني؟

قال: يا أبتاه الحسن والحسين خرجا البارحة ولم أعلم أين باتا، وإنّ علياً يمسي على الدالية يسقي البستان منذ خمسة أيام.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلّم): لا تبكي يا فاطمة فإن الذي خلقهما ألطف مني ومنك بهما، ورفع يده إلى السماء وقال (صلى الله عليه وآله وسلّم):

(اللّهم إنْ كانا أخذا براً وبحراً فاحفظهما وسلّمهما).

فهبط جبرائيل وقال: يا محمد لا تهتمْ ولا تحزنْ هما فاضلان في الدنيا والآخرة، وإنّهما في حديقة بني النّجار باتا، وقد وكّل الله بهما ملكاً يحفظهما.

فقام رسول الله، وجبرائيل عن يمينه، ومعه جماعة من أصحابه حتى أتوا إلى الحديقة وإذا الحسن معانق للحسين والملك الموكل بهما إحدى جناحيه تحتهما والأخرى فوقهما، فانكبّ الرسول (صلى الله عليه وسلّم) عليهما يقبلهما، فانتبها من نومهما، فحمل النبي (صلى الله عليه وسلّم) الحسن، وحمل جبرائيل الحسين، حتى خرجا من الحديقة والنبي (صلى الله عليه وسلّم) يقول: لأشرفهما اليوم كما أكرمهما الله تعالى.

فاستقبله أبو بكر وقال: يا رسول الله ناولني أحدهما لأحمله عنك.

فقال النبي (صلى الله عليه وسلّم): نِعْمَ الحمولة ونعم المطيةُ وأبوهما خير منهما، حتى أتى المسجد فقال لبلال: هلُم إلى النّاس، فاجتمعوا، فقام النبي (صلى الله عليه وسلّم) وقال:

(يا معاشر المسلمين ألا أدلكم على خير النّاس جداً وجدة)؟

قالوا: بلى يا رسول الله، قال (صلى الله عليه وآله وسلّم): هذان الحسن والحسين جدّهما رسول الله وجدتهما خديجة، ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلّم): ألا أدلكم على خير النّاس أباً وأماً؟

قالوا: بلى يا رسول الله.

قال (صلى الله عليه وآله): هذان الحسن والحسين أبوهما علي بن أبي طالب، وأمهما فاطمة ابنة محمد، سيّدة نساء العالمين.

(ثم) قال (صلى الله عليه وآله وسلّم): ألا أدلكم على خير النّاس خالاً وخالة؟

قالوا: بلى يا رسول الله.

فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم): هذا الحسن والحسين خالهما القاسم ابن رسول الله، وخالتهما زينب بنت رسول الله.

ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلّم): ألا أدلكم على خير النّاس عماً وعمة؟

قالوا: بلى يا رسول الله.

قال: هذا الحسن والحسين عمُّهما جعفر الطيار، وعمتهما أم هانئ بنت أبي طالب.

ثم قال (صلى الله عليه وآله): اللّهم إنّك تعلم أنّ الحسن والحسين في الجنّة وجدهما وجدتهما في الجنّة، وأباهما وأمهما في الجنّة، وخالهما وخالتهما في الجنّة، وعمّهما وعمّتهما في الجنّة، اللهم وأنت تعلم أن من يحبهما في الجنّة، ومن يبغضهما في النّار.

قال المنصور: فلمّا جئت الشيخ بهذا الحديث قال: من أين أنت؟

فقلت: من الكوفة.

قال: عربي أو موالي؟

فقلت: عربي.

قال: وأنت تحدّث بمثل هذا الحديث وأنت على مثل هذه الحالة؟ ـ ورأى كسائي خلقاً ـ فخلع عليّ، وحملني على بغلته، وقال: قد أقررتَ عيني لأرشدنك إلى فتى تقرُّ به عينك.

ثم أرشدني إلى باب دار بقربه، فأتيتُ الدار التي وصفها لي، فإذا بشاب صبيح الوجه. فلمّا نظر إليَّ قال: والله إنّي لأعرف الكسوة والبغلة، أما كساك أبو فلان خلعته، وحملك على بغلته إلاّ وأنت تحب الله ورسوله، فأنزلني وحدّثته في فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وقلت له: أخبرني والدي عن جدّي عن أبيه، قال: كنّا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) ذات يوم، إذ أقبلت فاطمة والحسن والحسين على كتفيها وهي تبكي، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلّم): ما يبكيك يا فاطمة؟ قالت: يا رسول الله نساء قريش عيّرتني فقلن لي إنّ أباك زوّجك برجل معدم لا مال له ولا نعم، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وسلّم): ما أنا بالذي زوّجتك، بل الله عزّ وجلّ زوجك من فوق سماواته، وأشهد جبرائيل وميكائيل واسرافيل، فأوحى الله إليّ أنْ أزوجك في أرضه بعلي، وأنّ الله اطّلع على الأرض اطلاعة، فاختار فيها علياً بعلاً فزوّجك إياه، فعلي أشجع النّاس قلباً، وأعظم النّاس حلماً، وأعلم النّاس علماً، وأقدم النّاس إيماناً، وأمنح النّاس كفاً. (يا فاطمة) إنّي لآخذ مفاتيح الجنّة بيدي ولواء الحمد أيضاً، فارفعهما إلى علي، فيكون آدم ومن ولده تحت لوائه (يا فاطمة) إنّي غداً أقيم على حوضي علياً يسقي من عرف من أمتي (يا فاطمة) يُكسى أبوك حليتين من حلل الجنّة، ويُكسى علي حليتين من حلل الجنّة، ولواء الحمد في يدي، وأمتي لمحت لوائي فأناوله لعلي إكراماً له من الله عزّ وجلّ، وينادي منادٍ: يا محمد نعم الجدّ جدّك إبراهيم، ونِعمَ الأخ أخوك علي، وإذا دعاني رب العالمين دعا علياً معي، وإذا جيء بي جيء به معي، وإذا شفعت شفع معي. وإذا أجبت أجاب معي، وإنّه يوم القيامة عوني على مفاتيح الجنّة، قومي يا فاطمة فإنّ علياً وشيعته الفائزون غداً في الجنّة.

قال المنصور: فلمّا حدثت الشاب هذا الحديث قال لي: ومن أين أنت؟

قلت: من الكوفة.

قال: عربي أو موالي؟

قلت: عربي.

وكساني عشرين ثوباً، وأعطاني عشرين ألف درهم، وقال: قد أقررتَ عيني بهذا الحديث، ولي إليك حاجة.

فقلت مقضية إنْ شاء الله تعالى.

قال: إذا كان غداً فآت مسجد بني فلان كيما ترى أخي الشقي، ثم فارقته، وطالت عليّ ليلتي، فلمّا أصبحت أتيت المسجد الذي وصفه لي، وقمت أصلي معه في الصف الأول وإذا أنا برجل شاب، وهو معتم على رأسه ووجهه، فلمّا ذهب كي يركع سقطت العمامة عن رأسه، فرأيت رأسه رأس خنزير، وجهه وجه خنزير، فما عقلت ما أقول في صلاتي حتى سلّم الإمام، فالتفتُّ إليه، وقلت له: ما هذا الذي أدى بك؟

فقال لي: لعلّك صاحب أخي بالأمس.

قلت: نعم.

فأخذ بيدي، وأقامني وهو يبكي، حتى أتينا إلى المنزل فقال: ادخل، فدخلتْ.

فقال لي: انظر إلى هذا الدكان، فنظرت إلى دكة فقال: كنت مؤدباً أؤدِّب الصبيان على هذه الدكّة، وكنت ألعن علياً بين كل أذان وإقامة ألف مرة، فخرجت يوماً من المسجد وأتيت الدار فانطرحت على هذه الدكّة نائماً، فرأيت في منامي كأنني في الجنّة متكئاً على هذا الدكان، وجماعة جلوس يحدثونني فرحين مسرورين بعضهم ببعض، وكان النبي (صلى الله عليه وسلّم) قد أقبل (ومعه علي بن أبي طالب)، وعن يمينه الحسن، ومعه إبريق، وعن يساره الحسين ومعه كأس، فقال للحسن: اسق أباك علياً، فسقاه فشرب، ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلّم): اسق الجماعة فسقاهم، ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلّم): اسق هذا النائم المتكئ على الدكان، فقال: يا جداه أتأمرني أنْ أسقيه وهو يلعن أبي في كل وقت أذان ألف مرة، وفي يومنا هذا قد لعنه أربعة آلاف مرة، فرأيت النبي (صلى الله عليه وسلّم) قد أقبل إليَّ، وقال لي: ما بالك تلعن أباه، وهو منّي وأنا منه، فعليك غضب الله، ثم ضربني برجله، وقال: غيّر الله ما بك من نعمة، فانتبهت ورأسي رأس خنزير، ووجهي وجه خنزير.

ثم قال المنصور: يا سليمان بالله هذان الحديثان عندك؟

فقلت: لا.

فقال: يا سليمان (حب علي إيمان، وبغضه نفاق).

فقال الأعمش: فقلت: يا أمير المؤمنين ما تقول في قاتل الحسين؟

قال: في النّار، وكذلك من قتل ولده.

فأطرق (المنصور) ثم رفع رأسه وقال: يا سليمان الملك عقيم، حدِّث في فضائل علي ما شئت[45].

 ((يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاس)).

المائدة/ 67.

روى الحافظ الحاكم الحسكاني قال: أخبرنا أبو عبد الله الدينوري (بإسناده المذكور) عن أبي إسحاق الحميدي قال:

نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب: ((يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ))[46].

* * * * *

وروى هو أيضاً، قال: أخبرنا أبو بكر السكري (بإسناده المذكور) عن عبد الله بن أبي أوفى، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) يقول يوم غدير خم ـ وتلا هذه الآية ـ:

((يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ)).

ثم رفع يديه حتى (صار) يرى بياض إبطيه ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلّم):

ألا من كنتُ مولاه فعليّ مولاه، اللّهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه.

ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلّم): اللّهم اشهد[47].

وأخرج (ابن قتيبة) في (الإمامة والسياسة) قال: وذكروا أنّ رجلاً من همدان يقال له (برد) قدم على معاوية فسمع عمرو يقع في علي فقال له: يا عمرو إنّ أشياخنا سمعوا رسول الله يقول: (من كنت مولاه فعلي مولاه) فحقٌّ ذلك أم باطل؟ فقال عمرو: حق، وأنا أزيدك أنّه ليس لأحد من صحابة رسول الله مناقب مثل مناقب علي ففزع الفتى الخ[48].

وروى العلاّمة النيسابوري (نظام الدين) أبو بكر محمد بن الحسن (الشافعي) في تفسيره قال: عن أبي سعيد الخدري: إنّ هذه الآية: ((يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ)) الآية نزلت في فضل علي بن أبي طالب (كرّم الله وجهه) يوم (غدير خم) فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) بيده وقال: (من كنتُ مولاه فهذا عليّ مولاه، اللّهم وال من والاه، وعاد من عاداه، فلقيه عمر وقال: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي، ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة[49].

(أقول) الروايات في نزول هذه الآية في قصة (الغدير)، وفي قصة الغدير نفسها كثيرة جداً، زادت على أعالي مراتب التواتر ـ كما لا يخفى ذلك على المتتبع ـ وكتب التفسير، والحديث، والتاريخ، مشحونة ومليئة بذلك (ويكفيك) أنّ العلاّمة الأميني (قده) في كتابه (الغدير) ذكر رواة (الغدير) فكانوا من الصحابة فقط (مائة وعشرة) من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ونادراً ما يوجد أنْ يصلنا شيء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) برواية مائة وعشرة من أصحابه.

وأخرج الخوارزمي في (مقتل الحسين) عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري، أنّ حسان بن ثابت أنشد عند ذلك هذه الأبيات:

(يناديهم يوم الغدير نبيهم***بخمٍّ وأسمـــع بالرسول مناديا)
(يقول فمن مولاكم ونبيكم***فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا)
(إلهك مولانا وأنــت ولينا***ولم تر منّا فـي الولاية عاصيا)
(فقال له قم يا علي فإنني***رضيتك من بعدي إماماً وهادياً)[50].

(وأخرج) حديث الغدير ونزول هذه الآية الكريمة في شأن أمير المؤمنين، عز الدين، أبو الحسن، علي بن محمد بن عبد الكريم الشيباني الجزري (الشافعي) المعروف بابن الأثير[51].

وأخرجه أيضاً المحبّ الطبري (الشافعي)[52].

وأخرجه أيضاً إمام الحنابلة، أحمد بن حنبل[53].

وأخرجه كذلك الحافظ البلخي، محمد بن يوسف (الشافعي) في مناقبه[54].

وأخرجه أيضاً فقيه المالكية، ابن الصبّاغ[55].

وأخرجه أيضاً فقيه الشافعيةّ جلال الدين السيوطي[56].

وأخرج الإمام الذهبي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قوله (من كنت مولاه فعلي مولاه)[57].

وأخرج تفسير هذه الآية الكريمة في قصة الغدير، محمد بن علي بن شاذان في مناقبه المائة، من طرق العامّة أيضاً[58].

وأخرج نقل هذه الجمل عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) في حديث المناشدة، عن زيد بن يثيع، عن علي (عليه السلام) جمع آخر من المحدِّثين والفطاحل:

(منهم) علاّمة الشافعية، ابن حجر العسقلاني في تهذيب تهذيب الكمال[59].

(ومنهم) العلاّمة الذهبي في ميزان الاعتدال[60].

(ومنهم) أحمد بن شعيب النسائي في خصائصه[61].

(ومنهم) ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (وفيه: زيد بن نفيع)[62].

وأخرج الحافظ أبو القاسم سليمان الطبراني في معجمه الصغير، بإسناده عن ابن طاووس، عن أبيه قال ـ في حديث ـ:

قال رسول الله (صلى الله عليه وسلّم):

(من كنت مولاه فإن علياً مولاه)[63].

وهكذا نقله بنصه وبنفس السند، الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في أخبار أصفهان[64].

وأخرج أستاذ الطبراني، أبو بشر الدولابي في (الكنى والأسماء) عن زيد بن أرقم قال ـ في حديث ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وسلّم):

(... فمن كنتُ مولاه فإن علياً مولاه، اللَّهم عاد من عاداه، ووال من والاه)[65].

وآخرون ـ أيضاً...

((يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ)).

المائدة/ 87.

روى الحافظ الحاكم الحسكاني قال: أخبرنا أبو سعد الصفار (بإسناده المذكور) عن محمد بن إبراهيم بن الحرث التيمي (قال):

إنّ علياً، وعثمان بن مظعون، ونفراً من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) تعاقدوا أنْ يصوموا النهار ويقوموا الليل ولا يأكلوا اللحم، فبلغ رسول الله، فأنزل الله تعالى:

((يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ))[66].

(أقول) قد يتوهم عدم كون ذلك فضيلة للإمام أمير المؤمنين، علي بن أبي طالب لكونه نهياً، لكنّه وهمٌ خاطئ، إذ النهي لا يكون دائماً للزجر، وإنّما قد يكون لمصالح أخرى، كالإشفاق وغيره، ممّا فصّله المحققون في كتب الأصول (كيف) وقد ورد في القرآن الحكيم النهي الموجه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) نفسه، في مثل قوله تعالى: ((يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ)) الخ.

سورة الأحزاب/ الآية: 1.

وقوله سبحانه: ((يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ)).

سورة التحريم/ آية: 1.

وقوله عزّ من قائل: ((وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ)).

سورة القلم/ آية: 48.

وقوله تعالى: ((لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ)).

سورة القيامة/ آية: 16.

وقوله تعالى: ((وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ ممّا يَمْكُرُونَ)).

سورة النمل/ آية: 70.

وغير ذلك.

((يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ)).

المائدة/ 95.

روى المفسّر المحدِّث، جلال الدين بن أبي بكر السّيوطي (الشافعي) في تفسيره (بإسناده المذكور) عن مجاهد، عن ابن عباس قال:

(ما أنزل الله آية فيها: ((يا أيها الذين آمنوا)) إلاّ وعليٌّ رأسها وأميرها[67].

 ((يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ)).

المائدة/ 105.

روى الحافظ الحاكم الحسكاني (الحنفي) قال: أخبرني أبو بكر الحافظ (بإسناده المذكور) عن مجاهد قال:

(ما كان في القرآن ((يا أيها الذين آمنوا)) فإنّ لعلي سابقةَ ذلك وفضيلته)[68].

((يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ)).

المائدة/ 106.

أخرج العلاّمة المصري المعاصر، خريج الجامعة الأزهرية، الشيخ أحمد محمد داود في كتابه الذي أسماه بـ (مناقب علي بن أبي طالب (كرّم الله وجهه) قال: عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: (ما أنزل الله ((يا أيها الذين آمنوا)) إلاّ وعليٌّ أميرها وشريفها)[69].

((... وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم)).

المائدة/ 117-118.

أخرج علاّمة الشافعية، الكنجي القرشي قال: أخبرنا المشايخ الحفّاظ (منهم) محمد بن جعفر القرطبي ـ (إلى أنْ قال) والحافظ يوسف بن خليل[70] بحلب، قالوا جميعاً (إلى أن قال) اخبرنا أبو سعيد، محمد بن عبد الرحمن الكنجرودي[71] (بسنده المذكور) عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) ـ (في حديث) ـ.

(ألا وإنّ ناساً من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: أصحابي أصحابي!

قال: فيقال: إنّهم لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم.

فأقول ـ كما قال العبد الصالح، عيسى ابن مريم ـ:

((وكنت شهيداً عليهم ما دمت فيهم.... (إلى قوله) العزيز الحكيم))[72].

(وأخرج) نحواً من ذلك بأسانيد متعددة، وألفاظ مختلفة أحياناً، ومعنى واحد متحد جماعة.

(منهم) الحافظ محمد بن إسماعيل البخاري، صاحب الجامع الصحيح[73].

(ومنهم) الحافظ عماد الدين بن كثير الدمشقي الشافعي في تفسيره[74].

وآخرون...

(أقول) قراءة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) هذه الآية الكريمة، المنقولة عن لسان عيسى ابن مريم (عليهما السلام) دليل واضح على التنظير الدقيق بين القصتين والتاريخين.. وقد دلّت الروايات الكثيرة في أبواب مختلفة على أنّ هذه الرّدة هي ما كان بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وبذلك يتّضح الأمر ولله الحمد.

((قالَ اللهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)).

المائدة/ 119.

أخرج علاّمة الهند (بسمل) في كتابه أرجح المطالب، بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلّم):

(علي سيّد الصادقين)[75].

(أقول) هذه الآية الكريمة نزلت في الصادقين، وعلي (عليه السلام) سيّدهم ـ كما يؤكد النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلّم) ـ فيكون علي (عليه السلام) أول وأفضل وأولى من نزلت فيه هذه الآية.

[1] ميزان الاعتدال/ ج3/ ص311.

[2] ينابيع الموّدة/ ص135.

[3] مقتل الحسين (عليه السلام) للخوارزمي/ ج1/ ص47-48.

[4] المناقب للخوارزمي/ ص80.

[5] كفاية الطالب/ 140.

[6] نظم درر السمطين/ ص89.

[7] المناقب للخوارزمي/ ص187.

[8] المناقب لابن المغازلي/ ص322-323.

[9] شواهد التنزيل/ ج1/ ص135.

[10] المناقب المائة/ المنقبة الحادية والأربعون/ ص28-29.

[11] شواهد التنزيل/ ج1/ ص65.

[12] أرجح المطالب/ ص591-592.

[13] ينابيع الموّدة/ ص446.

[14] المناقب المائة/ المنقبة الثالثة والخمسون/ ص36.

[15] المناقب لابن المغازلي/ ص56.

[16] مجمع الزوائد/ ج6/ ص239.

[17] أرجح المطالب/ 599 طبع لاهور الهند.

[18] ينابيع الموّدة/ ص78.

[19] تفسير الفخر الرازي/ ج12/ ص17.

[20] مجمع البيان/ ج3/ ص206.

[21] غاية المرام/ 374.

[22] مفاتيح الغيب/ ج12/ ص20.

[23] أسنى المطالب للجزري/ ص10-11.

[24] عيون التفاسير للفضلاء لسماسير/ الصفحة الأولى/ الورقة/ 126.

[25] سواطع الإلهام المخطوط/ لا أرقام لصفحاته.

[26] حاشية السّيوطي علي البيضاوي المخطوطة/ لا رقم لصفحاتها.

[27] تفسير محي الدين بن عربي/ ج1/ ص334.

[28] المناقب للخوارزمي/ ص186.

[29] أنساب الأشراف/ ج2/ ص150.

[30] خطط الشام/ ج5/ ص251.

[31] جامع البيان/ ج6/ ص165.

[32] تفسير القرآن العظيم/ ج2/ ص71.

[33] أسباب النزول/ ص148.

[34] الدّر المنثور/ ج2/ ص295.

[35] لباب النقول/ ص90.

[36] كنز العمّال/ ج6/ ص405.

[37] فتح القدير/ ج2/ ص50.

[38] جامع الأصول/ ج9/ ص478.

[39] كفاية الطالب/ ص250.

[40] تفسير القرطبي/ ج9/ ص336.

[41] ينابيع الموّدة/ ص202.

[42] شواهد التنزيل/ ج1/ ص184.

[43] شواهد التنزيل/ ج1/ ص185-186.

[44] هو أبو محمّد، سليمان بن مهران الكاهلي الأسدي الكوفي، الملقب بـ(الأعمش) من كبار التابعين، ومن الأعلام المشهدين بعلم الحديث والقراءة، روى عن عدد من الصحابة، وعن عدد من التابعين، وروى عنه العديد من التابعين وتابعيهم، نقل أحاديثه أصحاب الصحاح الستة وغيرهم في الصحاح والمسانيد والسنن وغيرها، نقل أيضاً ـ في نقل ـ العديد من الأحاديث الشريفة في فضائل أهل البيت، وخاصة في فضائل علي بن أبي طالب أمير المؤمنين (عليه السلام) في التفسير وفي غيره أيضاً، مات عام (148) للهجرة.

ترجم له العديد من الرجاليين، والمؤرخين، وأصحاب السير، نذكر جمعاً منهم ـ من العامّة ـ للمراجعة:

محمّد بن سعد في (الطبقات الكبرى) ج6 ص238.

ومحمّد بن إسماعيل البخاري في (التاريخ الكبير) ج2/ القسم2/ ص38.

وفي (التاريخ الصغير) ص172.

ومسلم بن الحجّاج القشيري في (المنفردات) ص15.

وعبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري في كتاب (المعارف) ص214و230.

وأبو علي بن رسته في (الأعلاق النفسية) ص217و219.

ومحمّد بن أحمد الدولابي في (الكنى والأسماء) ج2/ ص96.

والإمام الطبري في (الذيل المذيل) ص103و121.

وابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) ج2/ قسم1/ ص146.

والحاكم النيسابوري في (معرفة علوم الحديث) ص107و304و245.

وأبو نعيم في (حلية الأولياء) ج5/ ص46.

والخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد) ج9/ ص3.

وفي (موضع أوهام الجمع التفريق) ج2/ ص122.

وابن القيران في (الجمع بين رجال الصحيحين) ص179.

وابن الجوزي في (تلقيح مفهوم أهل الأثر) ص248و268.

وفي (صفة الصّفوة) ج3/ ص65.

وابن الأثير في (الكامل في التاريخ) ج5/ ص237.

والخوارزمي في (جامع المسانيد) ج2/ ص466.

وابن خلّكان في (وفيات الأعيان) ج1/ قسم1/ ص30.

والذهبي في (تذكرة الحفّاظ) ج1/ ص145.

وفي (دول الإسلام) ج1/ ص72.

واليافعي في (مرآة الجنان) ج1/ ص305.

وابن كثير في (البداية والنهاية) ج10/ ص105.

وأبو الخير الجزري في (غاية النهاية) ج1/ ص315.

وابن حجر العسقلاني في (تهذيب التهذيب) ج4/ ص322.

وفي (تقريب التهذيب) ص160.

والعيني في (عمدة القاري) ج1/ ص249.

والسّيوطي في (تلخيص الطبقات) ص32.

وأحمد بن عبد الله الخزرجي في (خلاصة تهذيب الكمال) ص155.

وابن العماد في (شذرات الذّهب) ج1/ ص220.

والزّركلي في (الأعلام) ج3/ ص198.

وآخرون كثيرون...

[45] غاية المرام/ ص656-657.

[46] شواهد التنزيل/ ج1/ ص188.

[47] شواهد التنزيل/ ج1/ ص190.

[48] الإمامة والسياسة.

[49] تفسير النيسابوري (غرائب القرآن ورغائب الفرقان) هامش تفسير الطبري)/ ج6/ ص194-195.

[50] مقتل الإمام الحسين (عليه السلام)/ ج1/ ص47.

[51] أسد الغابة/ ج2/ ص28.

[52] ذخائر العقبى/ ص67.

[53] مسند أحمد بن حنبل/ ج4/ ص281.

[54] المناقب للبلخي/ ص28.

[55] الفصول المهمة/ الفصل الأول.

[56] الدّر المنثور/ ج2/ ص298.

[57] تذكرة الحفّاظ/ ج1/ ص10.

[58] المناقب المائة/ المنقبة السادسة والخمسون/ ص37.

[59] تهذيب التهذيب/ ج3/ ص327.

[60] ميزان الاعتدال/ ج2/ ص107.

[61] خصائص أمير المؤمنين/ ص89.

[62] الجرح والتعديل/ ج1/ قسم2/ ص573.

[63] المعجم الصغير/ ج1/ ص71.

[64] أخبار أصفهان/ ج1/ ص126.

[65] الكنى والأسماء/ ج2/ ص61.

[66] شواهد التنزيل/ ج1/ ص195.

[67] الدّر المنثور/ ج1/ ص104.

[68] شواهد التنزيل/ ج1/ ص54.

[69] المناقب للشيخ أحمد محمّد داود/ ص28.

[70] هو الحافظ شمس الدين، أبو الحجّاج الدمشقي الأدمي، محدّث حلب المتوفى عام (648) وقد ترجم له:

(البغدادي) في هدية العارفين/ ج2/ ص554.

وشمس الدين (الذهبي) في كتابه (العِبر) ج5/ ص201.

و(تذكرة الحفّاظ) ج4/ ص، 1410، وآخرون...

[71] وقيل: أبو طالب النيسابوري، المتوفى عام (548) للهجرة، ذكره جماعة

(منهم) شمس الدين (الذهبي) في تذكرة الحفّاظ/ ج4/ ص1313.

(ومنهم) صلاح الدين الصفدي في (الوافي بالوفيات) ج3/ ص231.

(ومنهم) أبو بكر السّيوطي في (بغية الدعاة) ج1/ ص157.

وآخرون...

[72] كفاية الطالب/ ص87.

[73] صحيح البخاري/ ج4/ ص82، كتاب الرقاة/ باب كيف الحشر.

[74] تفسير القرآن العظيم لابن كثير/ ج2/ ص120.

[75] أرجح المطالب/ ص19.