فهرس الفصل الرابع | المؤلفات |
الـحــرب |
الحرب حالة استثنائية في الإنسان،
حالها حال إجراء العملية الجراحية، وإلا
فاللازم عند الخلاف تحكيم الحوار، ورضوخ من
ليس له الحق للحق، وقد كان من مفاخر الأديان
أنها تحكم الكلمة قال سبحانه: (اقرأ)(1). والحرب
على قسمين: 1 ـ حرب باطلين. 2
ـ
وحـــرب حق وباطل، والحق لا يقـــدم على الحرب إلا
دفــاعاً أو لأجل إحـــقاق الـــحق وإنقاذ
المستضعفين، ولذا قال سبحانه: (وما لكم لا
تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين)(2)
فهي أيضاً حرب دفاعية، وإن كانت تسمى [بالجهاد
الابتدائي]. واللازم
أن يأخذ الصلح مكان السيف، أما ما ذهب إليه
دارون وأتباعه من أصل [تنازع البقاء] و[بقاء
الأصلح] فذلك ما دل الدليل على خلافه، فهو مثل
أن يقال: [بأصل الجريمة] حيث لا يخلو مجتمع عن
الجريمة، وجاء بعده ماركس ليذهب إلى [حرب
الطبقات] وقد قام الدليل على خلافه. والحرب
كما تقع في المجتمع الإنساني، تقع في بعض
المجتمعات الحيوانية لكن الفرق بين الحربين: 1 ـ إن حرب الحيوانات بدنية،
بينما حرب الإنسان بدنية وغير بدنية. 2 ـ الحيوان لا يستعمل آلات في
حربه بخلاف الإنسان. 3 ـ حرب الحيوان سريعة
الانتهاء، بخلاف حرب الإنسان فإنها قد تطول
مدة. 4
ـ
حرب الحيوان لا تتطور إلى غير الجراح والقتل،
بينما حروب الإنسان تتطور إلى الكلامية ـ
وتسمى بالحرب الباردة ـ والاقتصادية
وغيرهما، وإن كانت تسمية تلك حروباً أشبه
بالمجاز. 5 ـ وأخيراً لا فداء لحرب
الحيوان، بينما جعل الإنسان لحروبه أقساماً
من الفداء. |
الشعوب
تكره الحرب |
وحيث
أن الحرب خلاف طبيعة الإنسان، لأنها تفني
الأفراد وتهدم الديار وتلتهم الأموال، وتبعث
على الخوف والاضطراب، بل وأحياناً توجب هتك
حرمات النساء وسبيهن، وإذلال المغلوب ـ إذا
كان مغلوب ـ فالأمم لا تريد الحروب، وإنما
جماعة من الناس لها مصلحة في الحرب هي التي
تشعل الحرب وغالباً هي تتجنب ويلات الحرب،
فتقف خارج الميدان، بمختلف العناوين وتدفع
بالآخرين إلى الحرب. ولذا
كان سبب الحرب: 1 ـ إما جلب النفع. 2 ـ أو توهم جلبه. 3 ـ أو دفع الضرر. 4 ـ أو توهم دفعه. نعم
قلة من الحروب، هـــي حروب التحرير، مما
تــندفع
الأمم إليها، لأجل دفع المعتدي على العقيدة
الصحيحة، أو على الاقتصاد، أو على ما أشبه ذلك…
ودوافع الحروب، لم تختلف في الحال الحاضر عن
دوافع الحروب عند الإنسان غير المتحضر، فقد
كانوا سابقاً يحاربون، لأجل الغنائم، أو لأجل
إظهار الشجاعة، أو لأجل الخوف من الأعداء [وقاية]
أو لأجل دفع الأعداء [علاجاً] أو لأجل إرضاء
الغرور، مثلاً: كان إنسان من عشيرة يهين شيخ
عشيرة أخرى، فالشيخ إرضاءاً لغروره كان يلقي
بالعشيرة في الحرب مع عشيرة المهين… والجامع
في كل ذلك هي الأمور الأربعة المتقدمة. وعلى
ما ذكرنا فتوهم أن الحرب من طبيعة الإنسان،
مثل الجوع والعطش توهم غير مدعوم بالدليل،
ولو كان كذلك لزم تحقيقها في فواصل زمنية خاصة
مثل سائر الغرائز الإنسانية، مع أن الأمر
بالعكس. |
الفوائد
المزعومة للحرب |
كما
أن توهم كون الحرب لها منافع بقدر ما لها من
أضرار أو أكثر، غير تام، وإن استدل لذلك بأنها
تنفع: 1
ـ
في توحيد الأقوام، إذ الطرفان يتعارفان بعد
انتهاء الحرب، ويتوحدان أخيراً بعد أن كشف كل
طرف نفسيات الطرف الآخر النظيفة. 2
ـ
وفي تقدم الفكر، حيث تتلاقح أفكار الطرفين،
بما يوجب تقدم الفكر، فإن حال الفكر حال
البدن، في أن تلاقح البدنين يوجب النسل
المقدم للإنسان إلى الأمام. 3
ـ
وفي تقدم الصناعة، حيث أن حالة الحرب تفتق
الكفاءات من جهة أن كل طرف يفكر لإنجاح نفسه،
وكثرة التفكير توجب ظهور الاكتشافات
والاختراعات، مما ينفع الإنسان في حال السلم،
أكثر من ضرره حال الحرب. 4
ـ
وفي تقليل الناس، فتكون سبباً لتحسين حالة
الذين يبقون بعد الحرب ورفاههم. 5
ـ
وأخيراً توجب تجديد المدن والقلاع وما أشبه،
لبنائها من جديد، حيث يصيبها الخراب بواسطة
الحرب، وكذلك تجديد الرياش والأثاث التي تلفت
بسبب الحرب. |
مناقشة |
وفي
الكل نظر، إذ: الأقوام
إنما تتوحد بالثقافة المشتركة، لا بقتل بعضهم
بعضاً، سواء غلب أحدهما على الآخر، أو وقع
يبنهما صلح وهدنة، ولذا نرى أن الأقوام
المختلفة، لما توحدت ثقافتها تحت ظل الإسلام،
توحدوا، بينما الاختلاط والتعامل ونحوهما
بين اليهود والمسلمين، لم يجعل منهما أمة
واحدة، وإن بقي ذلك بينهما أكثر من ألف سنة. 2
ـ
وتلاقح الأفكار فرع وحدة الاتجاه، لا الحرب
فالحرب إن أتت بوحدة الاتجاه ـ أي اطلاع بعضهم
على بعض ـ تلاقحت الأفكار، وإن لم تأت، لم
تتلاقح، وأيهما أصلح هل التحارب حتى تتلاقح
الأفكار أو توحد الاتجاه، بدون حرب حتى
تتلاقح؟ وتوحيد الاتجاه يحصل، بانفتاح
العلماء على أفكار الآخرين وذلك ما عمله
الإسلام، ولذا تجد في كتب الشيخ والعلامة
وغيرهما، ذكر آراء الآخرين، وقبول الصالح
منها، ورد غير الصالح، والحاصل أن التلاقح
وإن حصل بالحرب ـ أحياناً ـ إلا أنه أسوء قسمي
التلاقح، فاللازم الأخذ بالحسن منهما لا
بالسيء. 3
ـ
وكذلك الحال في تقدم الصناعة فتهيئة الأجواء
الصالحة للعلم والعلماء بصنع المختبرات
وتشويق العلماء بالمال والذكر والمنافسة
ونحوها، تعطي نفس النتائج التي تعطيها الحرب،
بدون أضرار الحرب، وهل من التعقل أن يسير
الإنسان في الطريق المعوج وأمامه الصراط
المستقيم؟ 4
ـ
وتحسين حالة الإنسان، يمكن بعدم صرف الثروة
في الهدم والدمار وقد ذكر في تقرير أنه تصرف
الدول كل يوم مليار دولار، في التسليح، فأي
مال ضخم هذا يصرف في الدمار، لو صرف هذا المال
في البناء لم يبق جائع، ولا حاجة معطلة… هذا
مع الغض عن أن كثيراً من الثروة تكدس أو تصرف
إسرافاً وتبذيراً. 5
ـ
ولماذا نجدد المدن والأثاث، بالدمار؟ أليس من
الأفضل أن نجددها بالثروة التي تصرف في
الدمار والتكديس والإسراف؟ أليس مثل ذلك
كإنسان يجرح نفسه ثم يجري عليها عملية
جراحية؟ فهل له أن يفرح بأن اللحم الجديد
أنظر؟ إنه كان من الممكن تحصيل النضارة
بالعيش الحسن، وكان ذلك بدون ضرر وآلام. |
الحرب…
أسبابها… وعلاجها |
ثم
إنه لا فرق في كون الحروب الخارجية،
والمنازعات الداخلية [ومنها الحروب الأهلية]
كلها تنشأ من عدم تحكيم [الكلمة] وعدم التحاكم
إلى [المنطق] ومنشأ عدم التحكيم إما الجهل، أو
الطمع، والجاهل لا يريد أن يسمع كلام
الآخرين، أو يسمع لكن ليس له حاسة التمييز…
والطامع يعرف ويحرف، وقد أشار إلى كلا
السببين القرآن الحكيم، فقال: ـ بصدد الأول ـ (ومنهم
أميون لا يعلمون الكتاب إلا أمانيّ)(3)
ـ وبصدد الثاني ـ (يعرفون نعمة الله ثم
ينكرونها)(4)… وقال: (وجحدوا
بها واستيقنتها أنفسهم)(5). وحيث
أن علاج الجهل العلم وعلاج الطمع نظافة
النفس، والإنسان لا يستعد بسهولة للتعلم
ولتنظيف نفسه، كان اللازم على العقلاء
والمصلحين ترسيم خريطة: 1 ـ التوعية العامة تعليماً
وتنظيفاً. 2
ـ
وجعل الطامعين في قفص الاتهام، حتى لا
يتمكنوا من التحرك، وذلك ممكن إذا وعي الشعب:
أن الباعث على الحرب أطماع قلة من المستكبرين
في تحسين أوضاعهم السياسية أو الاقتصادية أو
الاجتماعية. فإن
وعى الشعب ذلك ـ لم يقدر أولئك القلة ـ أن
تغريه بالحرب باسم مصالح الشعب، كما هي
العادة في القلة، حيث أنهم يريدون منافعهم،
لكنهم يظهرون أنهم يريدون منافع الشعب، وبذلك
يتمكنون من تزييف الواقع والدفع بالشعب الغر
إلى أتون الحرب. |
بين
حرب الاستغلال… وحرب التحرير |
وعلى
ما ذكرنا، فالحرب تنقسم إلى: 1 ـ حرب التحرير. 2 ـ حرب الاستغلال: والهدف في
الحربين متضاد. فالأولى:
لأجل إنقاذ الناس عن الاستغلال. والثانية:
لأجل إدخال الناس في ربقة الاستغلال، وحيث أن
الباطل يلبس ثوب الحق، وكل مشعل للحرب يقول
أنه يحارب لأجل التحرير، كان اللازم ملاحظة
علائم الحرب التي تقع، هل هي علامة هذه أو
تلك؟ فإن
الفارق بين الحربين أمران: 1
ـ
هل إن الأمة دخلت في الحرب بملأ إرادتها، أم
أن الحرب فرضت عليها فرضاً، حيث أن الأمة لا
تدخل إلا في حرب التحرير، أما حرب الاستغلال
فإنها تفرض على الأمة فرضاً… ومن الممكن
معرفة الأمرين، بملاحظة أجواء الحرية
وعدمها، فالحرب في أجواء الحرية لا تكون إلا
حرب تحرير [سواء كان تحريراً عن مستغل متسلط،
أو عن مستغل يريد التسلط] بخلاف الحرب في
أجواء الكبت فإنها لا تكون إلا حرب استغلال. وعلامة
الحرية: الانتخابات الحرة، وعدم الاستخلاف من
الرئيس السابق للرئيس اللاحق بأي لون كان
الاستخلاف، والصحف الحرة، والإعلام الحرفي
إذاعة وتلفزيون وغيرهما، فإن في مثل هذا الجو
يتحكم الناس في مصا ير أنفسهم، بالعكس من
أجواء غير الحرية، حيث يتحكم الديكتاتور
المستغل في الناس، فالحرب لا تكون إلا
استغلالية. 2
ـ
عدم كون أصحاب المصالح [السياسية، أو
الاقتصادية، أو الاجتماعية أو غيرها] وراء
الحرب، ولا الذين يريدون المصالح في المستقبل
[إذ قد لا يكون وراء الحرب أصحاب المصالح
الحالية، وإنما الذين يريدون تحصيل المصالح
في المستقبل]. وحيث
أن الإنسان، إذا رأى جماعة يريدون سحب البساط
من تحت أصحاب الامتياز، لا يعرف هل أن هؤلاء
مخلصون، ويعملون لنجاة الأمة، أم أنهم يريدون
الامتياز لأنفسهم، مكان أصحاب الامتياز
السابقين، فاللازم: أن يرى هل أن المخطط
لهؤلاء الذين يريدون إشعال الحرب [تمركز
القدرة] أو [توزيع القدرة] بأن تكون القدرة في
يد إنسان وجماعته فقط، أو في يد كل القادة وكل
جماعاتهم؟ فإذا كان الأول دل ذلك على أن الحرب
إنما هي لتبديل أصحاب امتياز بأصحاب امتياز
آخرين، وإن كان الثاني دل على واقعية الحرب،
وأنها حرب تحرير للأمة. وكثيراً
ما تبتدأ الحرب حرب تحرير، لكنها تنقلب في
الأثناء، أو بعد الانتصار، إلى تقديم أشخاص
يريدون المصالح، وحيث يرى هؤلاء أن الناس لا
يلتفون حولهم، ولا يتركون الشخصيات الأخر
المجاهدة، يفتحون باب التهم، والاضطهاد، فمن
تمكنوا من اضطهاده اضطهدوه، ومن لم يتمكنوا
بالنسبة إليه من ذلك اتهموه، لإسقاط شخصيته
وعليه فاللازم على الأمة، أن يفوتوا مثل هذا
الدجل الذي يجعله أصحاب المصالح سلماً
لمآربهم: 1 ـ بتوزيع مراكز القوى، حسب
القدرة. 2
ـ
بتوعية الناس حتى لا يخدعوا بدعاية أصحاب
الامتياز الجدد، ولا يستسلموا لتخويفهم
وترغيبهم، فإن مشكلات عدم الاستسلام أقل
بكثير من مشكلات الاستسلام. |
أسباب
كثرة الحروب |
ثم
إن التمدن، إذا كان مادياً ـ بأن لم يكن
مزيجاً بالإيمان ـ يوجب تكثير الحرب، مما ليس
مثله [بهذه الكثرة] في الأمم غير المتمدنة،
ولذا نرى كثرة الحرب في العصر الحاضر بعد تقدم
الحضارة المادية، والسبب: أ
ـ أن الإيمان عنصر واق عن سوء تصرف الإنسان
فإذا فقد الإنسان الإيمان، تصرف في كل شؤونه ـ
ومنها الحرب ـ تصرفاً سيئاً، فلأجل الأطماع
السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، أو
غيرها، يقيم الحرب، أما إذا كان الإنسان
مؤمناً، ابتعد عن إراقة الدماء، ابتعاداً
كبيراً، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: [الإيمان
قيد الفتك](6) ولذا كانت حروب
رسول الله صلى الله عليه وآله، وعلي عليه
السلام كلها دفاعية، وكانا يكتفيان بأقل قدر
من الضرورة، وحتى أن الإمام عليه السلام أوصى
أن لا يقتل به غير قاتله، مع أن المتآمرين
كانوا جماعة، اقتداءاً بالرسول صلى الله عليه
وآله، حيث لم يقتل المتآمرين في العقبة. ب
ـ وفي العصر الحاضر إنما اشتدت الحرب ضراوة ـ
بالإضافة إلى فقد عنصر الإيمان، حيث أن الشرق
لا يؤمن إطلاقاً والغرب يؤمن إيماناً سطحياً
لا شأن للإيمان بحياته العملية ـ لعدة أمور: 1
ـ
لصنع السلاح، حيث أن تجار الأسلحة، لابد لهم
من إقامة الحروب حتى يبيعوا أسلحتهم، ولذا
اصطلحوا على الدول الكبار أمثال أمريكا
وروسيا وإنكلترا وفرنسا، ونحوها [بتجار
الحروب]. وحيث
أن السلاح متطور، تكون الإبادة أكثر، كما تصل
الحرب بسهولة إلى مناطق لم تكن تصل إليها إلا
بكل شدة أمثال الجبال والأدغال ونحوهما. 2
ـ
لأن الإنتاج في أيام الحرب، يتحول إلى
الإنتاج الحربي، بينما لم يكن الأمر كذلك، في
زمان لم تظهر فيه الصناعة، فالمعمل المنتج
لمأة ألف ذراع من القماش، أو لمأة ألف آنية،
في كل يوم، إذا تحول إلى إنتاج السلاح أنتج
مأة ألف رصاصة في كل يوم وهكذا. والفرق
بين (1) و (2) أن الأول بصدد أصل وجود مصانع
الأسلحة، والثاني بصدد تحول مصانع الأشياء
الأخر إلى مصانع الأسلحة. 3
ـ
لتوفر أسباب الحرب، من سياسية واقتصادية
وغيرهما، فإن طلاب الرئاسة في الزمان السابق
كانوا قليلي الكيد، أما في الزمان الحاضر حيث
سهولة الانقلابات العسكرية ـ بمعونة ذوي
الأطماع من المستعمرين ـ فإنه تكثر الحرب…
وكذلك، حيث توسع الاقتصاد بالتجارة وغيرها [والمال
من أسباب الحرب إذ الرأسماليون يـــشعلونها لأجل
انتفاع أكثر واستغلال أوفر] كثرت الحروب. ولذا
نجد أن أمريكا حاربت فيتنام، وإنكلترا حاربت
الصين، بما ذهبت ضحيتها عشرون مليون إنسان،
وروسيا تحارب أفغانستان، تلك الحرب الضارية
التي لم تنته بعد، وفرنسا حارب الجزائر،
وإسرائيل تحارب البلاد الإسلامية منذ أكثر من
ثلث قرن وهكذا. 4
ـ
قرب البلاد بعضها من بعض، وكثرة الروابط مما
أولدتهما الصناعة الحديثة، فإن بعد البلاد
وعدم الروابط، يوجبان عدم الحرب، كما يوجبان
عدم السلم، فيعيش كل وحده، أما إذا كثرت
الروابط، وقربت البلاد ـ بواسطة الآلات ـ كان
لابد من أن تتحول الروابط أحياناً إلى الحرب،
كما تكون أحياناً روابط سلمية، وكذلك لابد من
وصول أحدهما إلى الآخر بسبب القرب مما يمكنه
أن يحاربه. فمثلاً:
أمريكا في العصر السابق لم تكن تقدر أن تصل
إلى فيتنام وبريطانيا لم تكن تقدر أن تصل إلى
الصين وهكذا. |
الحرب…
بالوكالة |
ثم
في العصر الحديث، أحدث المستعمرون، حرباً
جديدة هي [الحرب بالوكالة] فإن الأمم في
السابق كانت تحارب بعضها بعضاً، حرباً نابعة
من ذاتها غالباً، أما عبد عصر الذرة، فحيث
تخاف الدول الكبيرة المواجهة بينها وكان لابد
لها من الحرب، لبعض الأسباب المتقدمة [لفتح
الأسواق، وبسط النفوذ] لذلك تعطي الصلاحية،
لبعض ما في فلكها لتحارب وكالة عن تلك الدولة
الكبيرة حتى تخضع دولة جديدة لبسط النفوذ
وفتح السوق لتلك الدولة المشعلة نار الحرب في
السر. |
شروط
الحرب |
ثم
اصطلاح الحرب ليس مطلقاً بل اللازم أن تتوفر
هناك شرائط حتى تسمى حرباً، وإلا إن سميت
حرباً لم تذكر مطلقاً، بل تقيد، مثلاً يقال: [حرب
العصابات] أو [حرب الدعاية] أو [حرب الاقتصاد]
أو ما أشبه ذلك والشروط هي: 1
ـ
أن يكون كل طرف مستقلاً فإذا كانت اجتماعات
غير مستقلة بل متداخلة لم تسم حرباً وإنما
فوضى، كما إذا صارت حرب أهلية لا اصطفاف لكل
طرف بل وقع الناس بعضهم في بعض يقتل بعضهم
بعضاً. 2
ـ
أن يكون بين الطرفين ارتباط، وإلا فلا يصدق
الحرب ولا الصلح ولا المعاهدة ولا المسالمة،
ولا ما أشبه، فإذا كان ارتباط كان أحد
المذكورات، فإذا كان الارتباط ارتباط العداء
والمواجهة بالسلاح ونحوه يسمى حرباً. 3
ـ
يلزم أن يكون لكل طرف النظم وإلا لم يسم
حرباً، ولا فرق في تسمية المواجهة بالحرب،
بين أن يكون كلاهما ذا فئة يرجع المنهزم
والمجروح إليها أم لا مثلاً: حرب الجمل
والنهروان لم تكن حرب ذي فئة إذ لم يكن في
طرفهما فئة، وإنما جاء المحاربون بثقلهم إلى
الحرب، وأما حرب صفين فكانت حرب ذي فئة، ولذا
اختلفت الأحكام الشرعية كما لا يخفى لمن راجع
الفقه الإسلامي. |
العوامل
المؤثرة في اختلاف الحروب |
ثم
إن كيفية الحرب تتوقف على عوامل، وتختلف
الحرب باختلاف تلك العوامل: 1
ـ
فالحرب تختلف إذا اختلفت آلاتها، مثل الآلات
البدائية [الحصى والحجارة] والآلات المتوسطة
كالسيف والرمح، والآلات القريبة من الحضارة
كخراطيم النار ونحوها، والآلات الحديثة على
اختلاف مراتبها، كالبندقية والمدفع
والدبابة، ثم القنابل الذرية والهيدروجينية
والأقمار الصناعية وغيرها. 2
ـ
وسائل الحمل والنقل، مثل الوسائل البدائية،
كالأفراس والجمال فإن من كانت له تلك كان
فائزاً في الحرب بالنسبة إلى من كان راجلاً،
ولذا نجد أن بعض الأمم الآسيوية لما حصلوا على
الفرس ولم تكن لغيرهم الأفراس، تمكنوا من
الغلبة على الفاقدين لها… وكذلك بالنسبة إلى
العربيات والسفن الشراعية فإنها كانت وسائل
متطورة بالنسبة إلى الفاقدين لها حتى وصل
الأمر إلى الآلات الحديثة كالسيارات
والطائرات والقطارات والسفن البخارية. 3
ـ
المنطقة فإن من في المناطق المحصنة طبيعة
أقدر على الحرب من الفاقدين لها كالجبال
والغابات والأهوار ولذا يقضي الأسلوب الحربي
[في حالة التقابل بين مثل هاتين الفئتين] أن
يمكر من لا حصانة له، في إنزال جيش الطرف إلى
السفح ـ في الجبل مثلاً ـ ليتكافئ الطرفان، من
حيث عدم الحصانة الطبيعية. 4
ـ
كيفية البنية الاجتماعية، فإن بعض الأمم
عجنوا بالبطولة والشجاعة ـ مثلاً ـ مما فيهم من المؤهلات
الطبيعية، بينما بعض الأمم بالعكس من ذلك ولا
يخفى ان التفاوت في مثل هذه الخصلة يعطي
المؤهلين قدرة خاصة حتى في العصر الحاضر: نعم
القدرة على المكيدة والمناورة، هي أيضاً قدرة
كبيرة يتسم بها بعض الأمم دون بعض ولذا قالوا:
[الحرب خدعة]. ولذا
نرى أن بريطانيا، وهي الدولة الصغيرة التي
أفلت شمسها، وتحطمت إمبراطوريتها
الاستعمارية، بعد تقف على ساقها وتعد من
الدول الكبار. ا
ـ لكثرة خداعها حتى غير المشروع من الخداع مثل
نقض العهد. ب
ـ وللاستفادة من تجاربها دائماً. ج
ـ ولحزمها. د
ـ ولعلاجها الأمور بالتبصّر والتحلم، ولولا
ذلك لانقضّت عليها الشعوب التي ظلمتها طوال
قرون، ولم تبق منها إلا جزيرة صيادين، كما
كانت من قبل كذلك. 5
ـ
قدر التقدم الحضاري [في الحروب الحاضرة] حيث
أنه الدولة المتقدمة حضارياً من جهة الأسلحة
الحربية، والتدريب الحربي والصداقات التي
توجب السهولة في اتخاذ القواعد والحمل والنقل
من أراضي الأصدقاء وإمكانية الدعاية،
والتعبئة [الركن المعنوي] لاشك أنها تتمكن من
ربح الحرب، بما لا تتمكن مثله دولة ليست بتلك
المثابة… كما أن الإمكانيات المادية، لها
ثقلها في التقدم حيث أن القدرة على المنابع
الطبيعية تعطي إمكانية حربية أكثر، مثلاً:
البلد الذي له [أورانيوم] له إمكانية الحرب
أكثر بكثير من البلد الفاقد له، فإن كل مثقال
من هذه المادة تعطي من الوقود بمقدار عشرة
ملايين مثقال من الفحم الحجري ـ على ما حدده
بعض الخبراء ـ. 6
ـ
سعة أراضي البلد المحارب، حــيث أن العدو
مهمـــا
قدر على الـــضرب لا يقدر على الاستيعاب فتبقى
فرج تمكن المحارب [ذي السعة في أرضه] من الكر
والفر في تلك الفرج، بخلاف المحارب ذي الأرض
الضيقة… ولذا يرى المحللون السياسيون، أنه
لابد من زوال إسرائيل إن قريباً أو بعيداً
لأسباب شتى، من جملتها ضيق أراضيها التي
احتلتها. 7
ـ
البعد البشري فإنه كلما كثر، كانت الدولة
المشتملة عليه أقرب إلى الفوز، حيث أن الحرب
في الحال الحاضر، كل فرد فياه يحتاج إلى سبعة
وعشرين شخصاً من ورائه يمدونه باحتياجاته،
فكلما كان أفراد البلد أكثر، كانت إمكانية
تجهيز إعداد الجيش، وإمكانية تهيئة ما يحتاجه
الجيش، أكثر، والعكس بالعكس، فالمدينة ذات
الخمسين مليون تتمكن من إعداد مليوني جندي
بينما المدينة ذات العشرين مليون، لا تتمكن
حتى من إعداد مليون من الجنود. |
كيف
نتوقى الحروب؟ |
ثم
إن العصر الحاضر، يحتاج إلى: أ
ـ رؤية مستقبلية كبيرة. ب
ـ وإعداد حسب تلك الرؤية، للتجنب من الحرب،
وهما لا يتاحان إلا بالاستشارية الكاملة
للدولة، بأن تكون مقادير الناس في أيديهم،
وإلا فإن كانت المقادير بيد المستبدين، لم
يمكن الرؤية ولا الإعداد، وهذا من أكبر أسباب
انحسار المسلمين أمام إسرائيل، على قوة
المسلمين الحقيقية، وضعف إسرائيل الحقيقي،
إن البلاد الإسلامية، يأخذ أزمتها مستبدون
جاءوا إلى الحكم بالوراثة أو بالانقلاب
العسكري، وحتى من جـــاء منهم بالانتخاب
فرضـــاً،
انقلب مستبداً وبذلك خلت الساحة أمام
إسرائيل، وسيبقى الأمر هكذا، إلى أن يرجع
الزمام بيد الأمة. ولما
ذكرناه من أن الرؤية المستقبلية والإعداد
الصحيح يبعدان الحرب ترى البون الشاسع بين
البلاد الأوروبية في الحال الحاضر، حيث لم
تقع فيها حرب منذ نصف قرب تقريباً [بعد الحرب
العالمية الثانية] وبين نفس البلاد، قبل
اتصافها بهاتين الصفتين، فقد أحصى بعض
المحققين أن [40] في المأة من سني البلجيك
استغرقتها الحرب، وهذا العدد في تاريخ
ألمانيا ينقلب إلى [28] وفي إيطاليا إلى [36] وفي
هولندا إلى ب44] وفي روسيا إلى ب46] وفي فرنسا
إلى [50] وفي إنكلترا إلى [56] وفي بولندا إلى [58]
وكذا في لتوانيا وفي إسبانيا إلى [67]. وبينما
نرى انعدام الحرب في الحال الحاضر في البلاد
الأوروبية ونحوها، نرى الحروب المستمرة في
البلاد الإسلامية أمثال: الأردن،
وأفغانستان، ومصر، وسوريا، ولبنان، وفلسطين،
وارتريا، والمغرب، والباكستان، والفلبين،
وغيرها، والسر هو ما ذكرناه من الاستبداد
الحاكم في هذه البلاد، والذي يحطم الكفاءات،
فلا يقدر الأكفاء من العمل، ليكون لهم رؤية
مستقبلية وإعداد كاف لتجنب الحرب ـ الحاصل من
الإعداد الصحيح للحرب ـ. ولذا
قال سبحانه: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن
رباط الخيل * ترهبون به عدو الله وعدوكم)
(7) فالإعداد له وجهان: 1 ـ إرهابي يمنع العدو من
المقابلة. 2 ـ مفاوضي يخفف من حدة القوى،
التي هي أول شرارة الحرب. |
أخطار
الحرب |
ثم
إن اللازم على الأمم أن تسعى بكامل جهدها لحفظ
السلام في الزمان الحاضر، حيث ازدادت أخطار
الحرب زيادة كبيرة غير متصورة، أما زيادة
أخطار الحرب فلأمور: 1
ـ
الأسلحة الفتاكة التي اكتشفها العلم ودفعت
بأيدي البشرية، مما يوجب استعمالها في الحرب
نسف الحضارة، من غير فرق بين الحروب المحدودة
والحرب العالمية، فإن الحروب المحدودة تهدم
بقدرها، مثلاً: في حرب لبنان ـ هذه الحرب التي
توافق كتابة هذا الكتاب ـ قتل وجرح من البشر
زهاء مأة وخمسين ألف. وفي
حرب العراق مع إيران قدر مجموع القتلى
والجرحى من الطرفين بمآت الألوف، وأما تلف
الأموال فقد ذكر بعض المطلعين أنه يقارب
أربعمأة مليار دولار، وفي الحرب التي وقعت
بين الهند والباكستان، ذكرت بعض التقارير أن
الخسائر البشرية كانت فوق المليون إنسان، كما
أن حرب الروس لأفغانستان خلفت أكثر من مليون
قتيل وجريح، بالإضافة إلى أربعة ملايين مشرد،
إلى غير ذلك من الأرقام الهائلة. أمّا
إلى اتفقت حرب عالمية، فإن الحضارة ربما
تنتهي، وقد ذكر تقرير أنه كان مخطط أمريكا ضد
روسيا أن تدمّر في حرب نووية خاطفة [85] في
المأة من منشآتها الصناعية، فقد كدست كل من
روسيا وأمريكا، في مخازنها من الأسلحة
الفتاكة ما يكفي لإبادة البشر سبع مرات، وفي
تقرير أن عند الاتحاد السوفيتي قنابل، إذا
ألقيت واحدة متوسطة منها على مدينة، كنيويورك
أفنت في لحظة واحدة كلما كان في شعاع مأتين
وخمسين ميلاً مربعاًن إلى غير ذلك من الأسلحة
الفتاكة الرهيبة، والتي لا تكون أسلحة الحرب
العالمية الثانية في قبالها الأمثل الأسلحة
القديمة اليدوية [كالسيف] بالنسبة إلى المدفع
والدبابة. والحرب
بالإضافة إلى الهلاك والتدمير، تخلف مشوهي
الحرب، والجرحى الذين يتألمون طول حياتهم من
ويلاتها، فإن الأسلحة الفتاكة، توجب مختلف
الأمراض والتشويهات في الإنسان والحيوان
والنبات، وقد جاء في تقرير أن روسيا اشترت
خمسة وعشرين مليون عضواً [كاليد والرجل
والعين الصناعية] لأجل المشوهين، بعد انتهاء
الحرب العالمية الثانية… هذا بالإضافة إلى
أن الحرب تذر الديار بلاقع. لا تصلح لإنبات
النبات إلى آماد بعيدة. 2
ـ
الحرب تلتهم الاقتصاد التهاماً موحشاًن فإن
الدول أبان الحرب تحول أجهزتها إلى أجهزة
حربية، مما تستنفد المال، وتوجب الفقر
الاقتصادي إلى سنوات بالنسبة إلى الدوال
المتحاربة، وقد ذكر [غوستاف لبون] أن إسبانيا
لم تستعد نشاطها منذ حارب الصليبيّون
المسلمين مما أفنى الناس وخرب البلاد وقد
مرّت على الحرب زهاء عشرة قرون، كما ذكر مؤرخ
آخر أن العراق لم يستعد نشاطه منذ تخريب
المغول له زهاء سبعة قرون. وقد
صرفت أمريكا في الحرب الباردة عام [1953ي] [74] في
الألف من إنتاجاتها، فإذا كانت هذه النتائج
التدميرية للاقتصاد في الحرب الباردة، فماذا
يكون الحال في الحرب الساخنة؟ وبالإضافة
إلى الدولة المتحاربة، تلتهم الحرب اقتصاد
سائر الدول المرتبطة بتلك الدول المحاربة،
حيث أن الاقتصاد في العصر الحاضر لا يختص
برقعة محددة من الأرض، بل الدول تشابكت في
الاقتصاد تشابكاً كبيراً، فالبضائع التجارية
ـ بمختلف أقسامهاـ تستورد من كافة الدول إلى
الدول الأخر، وإذا علمنا أن الدول المحايدة
اسماً، ليست محايدة حقيقة نعرف كيف تلتهم
الحرب اقتصاديات كل الدول، وإنا نذكر كيف وقع
العالم في ضيق شديد أبان الحرب العالمية
الثانية، سواء الدول المحاربة أو غيرها. 3
ـ
كما أن الحرب توجب التخلف الحضاري، للدولة
المحاربة، وللدولة التي ترتبط بها، إذ تتحول
الدولة إلى دولة حرب، فالخدمات الثقافية،
والصناعية والزراعية، والتربوية، وغيرها
تتوقف توقفاً كاملاً مما يوجب تجمد الحضارة،
بل تقهقرها، حيث أن الحرب تفني كثرة كبيرة من
مختلف العلماء، الذين هم محور تقدم الحضارة،
وقد ذكرت بعض التقارير أن مصر وحدها خسرت ـ
عند تحطيم بارليف الإسرائيلي ـ زهاء عشرين
ألف من المهندسين والخبراء ومن إليهم. |
جذور
الحرب |
ثم
إن حفظ السلام لا يمكن بمجرد الأعلام،
ومنظمات السلام، لأن السلام ليس أمراً
سطحياً، كما أن الحرب ليست أمراً سطحياً، بل
اللازم قطع جذور الحرب، حتى يسود السلام،
وجذور الحرب، هي حرمان الإنسان، مما يوجب له
القيام ضد الطبقة التي حرمته، وأسباب الحرمان
هي: 1 ـ الاستعمار. 2 ـ والاستغلال. 3 ـ والاستبداد، فإن هذه
الثلاثة توجب عدم نيل الإنسان حقه من: أ
ـ الحكم. ب
ـ والمال. ج
ـ والعلم. فلابد له أن يقوم بالحرب، لإنقاذ
حقه. وهذه
الثلاثة هي الأسباب الواقعية للحر[، أمّا
أسباب الحرب المضادة، فهي أيضاً نفس هذه
الثلاثة، لكن من الجانب الآخر، فالذين يريدون
احتكار الحكم لأنفسهم في قبال [الاستشارية]
والذين يريدون المال لأنفسهم ـ من
الرأسماليين سواء في صورة الرأسماليين
الغربيين أو الشرقيين ـ [في قبال التوزيع
العادل للمال لكل بحسب حقه] والذي يحتكرون
العلم لأنفسهم، تبعاً لاحتكارهم السلطة
والمال [في قبال تمكن الجميع من العلم]: هؤلاء
الثلاثة يقومون بالحرب، لأجل أخذ الزمام من
الشعب. |
كيفية
القضاء على جذور الحرب |
واللازم
لمن يريد قطع جذور الحرب، أن يحول بين مثيري
الحروب وبين مآربهم، وذلك بإشاعة الوعي
السياسي والاقتصادي والاجتماعي. 1
ـ
فإن الوعي السياسي يوجب عدم استسلام الشعب
للديكتاتوريين سواء كانت ديكتاتورية صريحة
كالحكومات الوراثية والانقلابية، أو مغلفة
كالحكومات التي تنادي بالديمقراطية لكنها في
مخالب رأس المال، أو مخالب الحزب الواحد [كأمريكا
وبريطانيا وفرنسا وروسيا ونحوهم]. 2
ـ
والوعي الاقتصادي يمنع عن كون المال بيد
جماعة معينة، سواء كانت تلك الجماعة بيدها
الحكم أيضاً كروسيا، أو لا كأمريكا. 3
ـ
والوعي الاجتماعي يوجب أن يعرف الإنسان تساوي
المجتمع، في العلم والحكم والمال، وإنما (كل
امرء بما كسب رهين) و (أن ليس للإنسان إلا ما
سعى) فلا طبقة مختارة، فإذا رأى أن العلم خاص
بجماعة، لأن لهم المال أو الحكم أو الحزب، علم
بانحراف الاجتماع، ولزوم تعديله، حتى يعم
العلم الجميع. والعالم
تدريجياً، أخذ يتوجه إلى مثل هذا الوعي، فقد
كان الحكم العالمي مدة بيد بريطانيا، ثم مدة
بيد أمريكا، ثم مدة بين قوتين أمريكا وروسيا،
لكن في الوقت الحاضر توزع الحكم الكبير بين
أمريكا وروسيا وأوروبا والصين. صحيح
أنه في المجال العسكري توجد الدولتان فقط،
إلا أنه في المجال السياسي توجد مراكز قوى
متعددة لكل مركز حلف جماعي، وفي المجال
الاقتصادي توجد الدولتان، بإضافة أوروبا
الغربية والصين واليابان، وفي المجال الذري
توجد أيضاً الهند وإسرائيل… مما سبب خروج
الدنيا تدريجياً عن الاحتكار… كما أن
الشيوعية أخذت تتحطم بسبب انفصال الصين
ومحاولة انفصال بولونيا، وتململ بعض البلاد
الأخر الدائرة في فلك الشيوعية، بالإضافة إلى
أنها فضحت أكبر فضيحة وخصوصاً عند غزوها
سابقاً للمجر وتشيكوسلوفاكيا وحالاً
لأفغانستان. والرأسمالية
أخذت تتحطم لبنة لبنة، فخرجت عن بعض نيرها
اليابان وفرنسا بل الاستعمار البريطاني
والأمريكي أخذ يترنح للسقوط، هنا وهناك
وبالأخص في الشرق الأوسط، حيث ظهرت مفاسد
إسرائيل… وعليه فإعطاء الوعي للبشرية، صار
أسهل، صحيح أن الحياد ـ الآن ـ ليس ممكناً،
ولا صحيحاً، حيث أن الإنسان لا يصح أن يسكت
أمام الظالم، إلا أن الوعي المتململ أخذ يعمل
لإيجاد الحياد، أما الحياد الذي كان قبل
عشرين سنة، ففي الواقع كان أكثره تغطية
للعملاء فهل كاسترو عميل الشرق محايد؟ وهل
ناصر عميل أمريكا محايد؟ وإلى غير ذلك. وعلى
أي حال يلزم زيادة الوعي لتنقلع جذور الحرب، [والتي
هي انحصار العلم والحكم والمال] بيد أقلية
البشر، في قبال حرمان الأكثرية… والوعي كما
يعطي الثلاثة بيد الكل، كذلك يقرب الناس
بعضهم إلى بعض مما يوجد بينهم علاقة أكثر، فلا
يتمكن المتعصبون من استغلال البشر في مآربهم
الشخصية ولذا نرى أنه كلما زاد الوعي انكمشت
القوميات واندثرت الطائفيات المنحرفة وقبرت
العرقيات واللونيات والجغرافيات، وما أشبه. كما
أن اللازم قبل الوصول إلى النتيجة النهائية،
وهي السلام الشامل، فضح [الحروب بالوكالة]
والحيلولة دون وقوعها، وذلك بعدة وسائل: 1
ـ
تضعيف العلاقة بين الدوال الصغيرة، والدول
الكبيرة حتى لا يتمكن الكبار من إيكال الصغار
في الحرب. 2 ـ فضح القواعد العسكرية للدول
الكبيرة في أراضي الدوال الصغيرة. 3
ـ
فضح المحالفات العسكرية بين الدوال الصغيرة
التي تدور في فلك الكبار، وبيان أن هذه الدوال
الصغار المحالفة، لا تريد بالأحلاف إلا خدمة
تلك الدولة الكبيرة. 4
ـ
تقوية الروابط بين الدول المتجاورة، حتى لا
تتمكن الدول الكبار من إيقاع الحرب بينها. 5
ـ
والأهم من الكل إيجاد الوعي للشعوب الصغيرة،
حتى لا تكون ألعوبة بين حكوماتها التي تنفذ
أوامر الأسياد. |
الإسلام:
يدعو إلى السلام |
ولذا
الذي ذكرناه، من كره الإسلام للحرب وحبه
للسلام، نجد في الآيات والروايات جملة كبيرة
مما يدل على أن الأصل السلم وإنما الحرب
اضطرار. قال
سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم
كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان)(8). وقال
سبحانه: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على
الله)(9). وفي
الحديث: (المسلم من سلم المسلمون من يده
ولسانه)(10). وقال
علي عليه السلام لعسكره قبل لقاء العدو بصفين:
(لا تقاتلوهم حتى يبدؤوكم فإنكم بحمد الله على
حجة، وترككم إياهم حتى يبدؤوكم حجة أخرى لكم
عليهم)(11)… وكذلك
لم يبدأ عليه السلام بقتال أهل الجمل وأهل
النهروان، حتى كانوا هم البادئين، بعد أن
دعاهم إلى وحدة الكلمة، والكف عن القتال،
وتحكيم الحجة مكان السيف. وقال
عليه السلام في كتابه إلى أهل الأمصار، يقص
فيه بين ما جرى بينه وبين أهل صفين: (وكان بدء
أمرنا أن التقينا والقوم من أهل الشام،
والظاهر أن ربنا واحد، ونبينا واحد، ودعوتنا
في الإسلام واحدة، ولا نستزيدهم في الإيمان
بالله والتصديق برسوله، ولا يستزيدوننا،
الأمر واحد، إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان،
ونحن منه براء. فقلنا
تعالوا نداوي ما لا يدرك اليوم بإطفاء
الثائرة، وتسكين العامة، حتى يشتد الأمر
ويستجمع، فنقوى على وضع الحق مواضعه، فقالا
بل نداويه بالمكابرة، فأبوا حتى جنحت الحرب
وركدت، ووقدت نيرانها وحمست، فلما ضرستنا
وإيّاهم، ووضعت مخالبها فينا وفيهم، أجابوا
عند ذلك إلى التي دعوناهم إليه، فأجبناهم إلى
ما دعوا، وسارعناهم إلى ما طلبوا، حتى
استبانت عليهم الحجة، وانقطعت منهم المعذرة)(12). وقال عليه السلام لولده الحسن عليه السلام: (لا تدعون إلى مبارزة)(13)… إلى غيرها. |
1 ـ سورة
العلق آية 1. 2 ـ سورة
النساء آية 75. 3 ـ سورة
البقرة آية 78. 4 ـ سورة
النحل آية 83. 5 ـ سورة
النمل آية 14. 6 ـ العوالي:
ج2 ص241 ح7. 7 ـ سورة
الأنفال آية 6. 8 ـ سورة
البقرة آية 208. 9 ـ سورة
الأنفال آية 61. 10 ـ صحيح
البخاري ج/201 ص8 سطر 20-22. 11 ـ نهج
البلاغة/ صالح/ ص373. 12 ـ نهج
البلاغة/ صالح/ ص448. 13 ـ نهج
البلاغة/ صالح/ ص509. |